«عشيّة العيد»: تراجع حركة الأسواق 90% وإلغاء 25% من حجوزات الفنادق
كامل صالح السفير 25-10-2012
في لبنان، تتمكن الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تزداد تفاقما يوماً بعد يوم، من توحيد صرخة بسام (موظف فندقي صرف من عمله أخيراً) ومحمد (تاجر ألبسة في الضاحية الجنوبية). ولا تقف قدرة الأزمة على جمع صرخة الموظف والتاجر فحسب، بل تتسع كبقعة الزيت لتجمع صرخة اللبنانيين وتوحدهم من أي طائفة أو مذهب أو حزب... انتموا. فلم يكد أصحاب المؤسسات السياحية وتجّار الألبسة والأحذية والهدايا وغيرهم من أصحاب القطاعات الاقتصادية، أن يتلمسوا نشاطا ملحوظا مع اقتراب عيد الأضحى، حتى «تبخر كل شيء»، وبات الوضع ينذر بكارثة اقتصادية واجتماعية، يصعب توقع تداعياتها على البلد. فالتفجير الإرهابي في منطقة الأشرفية أخيراً، زاد من تراجع المؤشرات الاقتصادية، لا سيما سياحياً وتجارياً، وكأن من نفذ الانفجار أراد أن يغتال أيضاً كل انتعاش متوقع اقتصاديا عشية العيد. الطلب على حجوزات فنادق العاصمة لخمسة أيام، هبط، وفق رئيس «نقابة أصحاب الفنادق» بيار الأشقر من 80 في المئة يوم الجمعة الماضي إلى 55 في المئة أمس، مقابل أكثر من 130 في المئة العام الماضي». وأيضاً الطلب على حجوزات الشقق المفروشة لم يتعد 30 في المئة، وفق أمين عام «اتحادات النقابات السياحية» جان البيروتي، «مقابل 140 في المئة في الفترة نفسها من العام الماضي». أما نشاط حركة الأسواق التجارية، وفق رئيس «جمعية تجار مار الياس» عدنان فاكهاني، «فهبط إلى 90 في المئة، والوضع من سيئ إلى أسوأ».
10 فنادق تستعد للإقفال؟
أمام هذا الوضع، علمت «السفير» أن «حوالي 10 فنادق تدرس إمكانية إقفال أبوابها آخر السنة وصرف موظفيها، في حال استمر تردي الوضع الأمني، وذلك بعدما أقفل فندق كبير أبوابه أخيرا، وفنادق أخرى حصرت أعمالها في تشغيل عدد محدود من الغرف أو الطوابق». وتوقعت مصادر معنية بالقطاع لـ«السفير» أن «يبلغ عدد الذين سيفقدون وظائفهم بالآلاف في الأشهر المقبلة، بعدما بلغوا حاليا أكثر من 400 موظف وعامل يعملون في قطاعات الفنادق والمطاعم والمقاهي». ويتكرر المشهد نفسه في قطاعات أخرى، بعدما لوحظ إقفال عدد من المحال والمؤسسات التجارية، وأخرى تشارف على الإفلاس لتخبطها بأزمات مالية حادة.
«معظم حجوزات المغتربين ألغيت»
ويوضح الأشقر لـ«السفير» أن «الطلب على الحجوزات كان متراجعا في الأساس قبل يوم الجمعة، وبعد الحادث الارهابي وتراكم الأحداث الأمنية في شوارع بيروت، ألغيت معظم حجوزات اللبنانيين المغتربين والسورين والأردنيين، في ما حافظ العراقيون على حجوزاتهم». ويرى أن «الحجوزات ستبقى متدنية جداً طالما بقي الحظر الخليجي على لبنان». ويؤكد «وجود صرف للعمال، إضافة إلى أن بعض المؤسسات اتفقت مع موظفيها على العمل لأيام محددة، خصوصاً في قطاع المطاعم والمقاهي بسبب قانون منع التدخين». وإذ يحذر الأشقر من «الأعظم»، يدعو بيروتي «إلى الاستعداد لتقبل التعازي بالقطاع السياحي»، موضحاً أن «الحجوزات الملغاة في العاصمة بعد الانفجار بلغت حوالي 25 في المئة مع عدم وجود طلبات جديدة».
«العاصمة الأكثر تضرراً سياحياً»
ويشير بيروتي إلى أن «العاصمة الأكثر تضررا سياحياً بسبب الأزمة السياسية التي تعيشها حاليا، أما خارجها فجاءت الإلغاءات أقل حدّة، ولم تتعد 10 في المئة من أصل 40 في المئة مقارنة مع 100 في المئة العام الماضي». ويلحظ «وجود طلب خجول على الحجوزات، لكن هذا الأمر من الممكن أن يتغير في حال طبقت الهدنة في سوريا»، إذ يعتبر أن الهدنة ستنعكس تحسنا مباشرا في القطاع. ويلفت بيروتي الانتباه إلى أن «حركة العيد كان من الممكن أن تموّل الفترة المقبلة حتى رأس السنة، لكن في ظل ما يحدث، ستزداد أزمات القطاع المالية ولا أعرف نتائجها»، متوقعا «حدوث افلاس مؤسسات سياحية بعد العيد الذي سيشكل تراكما للأعباء، لا سيما المباشرة منها، كشراء المازوت ودفع الرواتب والكهرباء وبعض الفواتير المستحقة على التجّار».
«لاعادة جدولة ديون المستحقات»
ويدعو بيروتي «المجلس الأعلى للسياحة» إلى الاجتماع سريعاً بمشاركة القطاع الخاص، ووضع خطة انقاذية أبرز نقاطها: «اعادة جدولة ديون المستحقات على المؤسسات السياحية، إعطاء قروض تشغيلية لتغطية الأعباء المستحقة، تحديد سقف لسعر المازوت المسلّم للمؤسسات لا يتعدى 600 دولار للطن، ووقف العمل بتطبيق قانون منع التدخين والبحث عن موارد لتمويل سلسلة الرتب والرواتب». ويعتبر أنه «في حال لم تقرّ هذه المطالب سريعاً فعلى القطاع السلام». وبعدما يعتبر بيروتي أن «شهيد الاقتصاد هو القطاع السياحي، لكن ساعة الدفن لم تحدد بعد»، يؤكد فاكهاني بعدما يتأمل زينة العيد في شارع مار إلياس أن «هناك غيابا تاما للحركة.. أما الزينة فهي لنبرهن عن ارادتنا بالحياة، ولنقول للمعنيين إننا نريد أن نعمل بكرامتنا».
«خطفوا الفرحة من الناس»
ويقول فاكهاني لـ«السفير»: «لقد خطفوا الفرحة من الناس». ويتلفت يمينا ويسارا سائلا: «أين حركة الناس؟ أين السيّاح؟ أين اللبنانيين؟.. الوضع من سيئ إلى أسوأ، وكل سنة نقول يا محلى السنة الماضية». وفيما يعتبر أن تراجع الحركة في أسواق الألبسة «لم يشهده التجّار من أيام الاستقلال»، يؤكد فاكهاني أن «الوضع الاقتصادي منذ العام 2005 يشهد تراجعا مستمرا، في ما هموم التجّار تتراكم، ومصيرهم الانهيار والافلاس والأزمات النفسية»، مضيفاً «هناك محلات في بيروت والمناطق لم يدخلها زبون واحد من عشرة أيام». وإذ يشير إلى أن «المصارف تعرف جيدا أوضاع التجّار»، يحذر من «انفجار اقتصادي قريب، خصوصاً أن الأسواق لا تستطيع الاستمرار من دون الحركة السياحية المشلولة منذ سنة ونصف السنة، أما المواطن فبعدما ينهك ليوفر أولوياته من الأكل والطبابة وقسط المدرسة وإيجار البيت، يفكر أخيراً في شراء ثوب أو حذاء..». وفي ظل غياب الإحصاءات الدقيقة عن حركة الاستهلاك، يوضح فاكهاني أن «تجّار السوق لم يتمكنوا من تصريف 30 في المئة من بضائعهم السنة الماضية، أما هذه السنة فقد قصمت الظهر إذ يبلغ حجم التراجع في قطاع الألبسة وحده حوالي 90 في المئة». ويبدي فاكهاني تخوفه من تفاقم مأساة القطاع وزيادة وقوع «التجّار الشهداء»، حسب وصفه، موضحا أنه يعبر عن لسان حال التجّار في كل المناطق. وينتقد بشدة «التجاذبات السياسية التي تدمر الاقتصاد»، مشيرا إلى أن «السياحة التركية المستفيد الوحيد من أزمات لبنان وسوريا ومصر، إذ ارتفع العدد من 17 مليون سائح في السنة، إلى 27 مليون سائح حتى الشهر التاسع من هذا العام، والمتوقع أن يصل إلى 35 مليون سائح في نهاية العام الجاري». ويخلص فاكهاني لطرح السؤال مجددا: «لا التاجر مرتاح.. ولا الصناعي والموظف والعامل.. ولا الطبيب والمهندس والمحامي.. فمن هو المرتاح في هذا البلد!»، مؤكدا أن «الوضع يحتاج إلى صدمة إيجابية عاجلا علّنا ننتهي من هذا الموت السريري». كامل صالح
