الصفحة الرئيسية البحث البريد الالكتروني RSS
فلاشات إخبارية
 
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق طباعة الصفحة

دراسات وابحاث > أوباما والإستراتيجية الأميركية الجديدة مسيرة التفوق ومسار الانحدار(1)

الوفاء : 26-3-2012
   
غالب ابو مصلح

نشر البنتاغون خطة استراتيجية جديدة في الرابع من كانون الثاني 2012 باحتفالية كبيرة، بعد مراجعة استمرت تسعة أشهر. وتشكل خطط البنتاغون جزءاً من الاستراتيجية العليا التي عبّر عنها أوباما والتي تمثل رؤية الولايات المتحدة الأميركية للعالم ومتغيراته المتوقعة، كما لاستهدافاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتحالفاتها الدولية.
وتوسّع مفهوم الاستراتيجية عبر التاريخ ليتجاوز قضية إدارة الحروب، وليربط الأبعاد السياسية والاقتصادية والنفسية والعلمية مع الأبعاد العسكرية في إدارة السياسات الوطنية، وتحديد استهدافاتها. وبذلك ظهر تعبير «الاستراتيجية العليا» كترجمة لهذا التوسّع في المفاهيم، وذلك يعني استخدام جميع مصادر القوة لدى دولة ما، أو مجموعة من الدول، لتحقيق أهداف مرجوّة، حرباً كان ذلك أم سلماً.
ولا تعبّر خطابات الحكام دائماً عن الرؤية الاستراتيجية للدول، وخاصة للولايات المتحدة التي تعيش مرحلة أصبحت تعرف بـ«عصر الانحدار الأميركي»، كما يقول بريجينسكي. فالاستراتيجية المعلنة لها أبعاد سياسية وإعلامية ونفسية لردع الأعداء وطمأنة «الأصدقاء» والداخل. وتبنى الاستراتيجية العليا على العديد من الفرضيات والتوقعات، مما يجعل من الاستراتيجية «فن إدارة المخاطر المحسوبة».
وتعبّر الاستراتيجية العليا عادة عن مصالح الطبقة الحاكمة وأيديولوجيتها السائدة وقواها الفاعلة، مثل الشركات الكبرى المعولمة، المجمع الصناعي العسكري النفطي، قطاع المال ومصالحه الخارجية، البنتاغون ووزارة الخارجية، كما عن رغبات التيارات الجماهيرية، وخاصة قبل الانتخابات، مثل «حزب الشاي»، وذلك في الولايات المتحدة. وتتغيّر الاستراتيجية العليا أو تعدّل، نتيجة الانتصارات أو الهزائم الكبرى، كما نتيجة ابتكارات كبيرة (صناعة القنبلة النووية مثلاً)، ونتيجة متغيّرات سياسية واقتصادية في العالم.
لم تكن للولايات المتحدة استراتيجية ثابتة خلال العقود المنصرمة، وخاصة على الصعيد العسكري. كل حدث تاريخي دفعها إلى تحديث استراتيجيتها ضمن ثوابت واسعة للحفاظ على هيمنتها على النظام الرأسمالي العالمي والعديد من دول العالم، وتوسيع هذه الهيمنة متى استطاعت، القدرة على الوصول إلى الموارد الطبيعية الاستراتيجية في العالم، مثل النفط والمعادن، والتحكّم بإنتاجها وأسعارها، السيطرة على طرق الإمداد ومعابر التجارة الدولية، منع أية دولة من مزاحمتها والتفوّق عليها عسكرياً أو اقتصادياً أو علمياً.

مصادر الفكر الاستراتيجي الأميركي

نهل الفكر الاستراتيجي الأميركي من التراث الأوروبي، وكان امتداداً له على كل الصعد «الأخلاقية» والسياسية والعسكرية. ونقلت الحرب العالمية الثانية الفكر الاستراتيجي من كونه مجرد إدارة للحرب العسكرية إلى «الحرب الشاملة». فقد شملت تلك الحرب كل العالم، ولامست جميع نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والتقنية والنفسية، وأدخلت الإعلام كأحد أركان الحرب الشاملة. وحبكت النازية كل هذه الأبعاد في شبكة استراتيجية متكاملة، تبنّاها الفكر الاستراتيجي الأميركي وطوّرها ورفدها بكل ابتكار علمي وتقني. وتشن الولايات المتحدة حروبها على كل الصعد وفي الوقت ذاته بشراسة وقسوة لا تحدها المواثيق والقوانين والأعراف. ولم تُتَح في السابق لأية دولة السيطرة على البنى الاقتصادية والسياسية ومؤسساتها العالمية كما أتيح للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. واستعملت أميركا هذه المؤسسات لخدمة مصالحها وتوسيع هيمنتها على العالم.
لم يأتِ مفهوم الحرب الشاملة فجأة، ومن الفراغ، إذ إننا نجد في كتابات القادة الاستراتيجيين الألمان بشكل خاص، من أمثالMoltkeوsehlieffenتأكيداً على العلاقات التاريخية بين الحرب والسياسة، والأهمية المتزايدة للاقتصاد كأساس للاستراتيجية. كما نهل الفكر الاستراتيجي الأميركي من كتابات الجنرال الإيطاليGivlioDouhet (1869 ـ 1930) الذي اعتقد أن سلاح الجو هو سلاح المستقبل الأكثر أهمية، والقادر وحده على حسم المعارك العسكرية، بينما تعجز أسلحة البر والبحر عن فعل ذلك. وقال إن القوة الجوية «يمكن أن تقهر الوقت والفضاء»، Time and Space. وأثبتت الفاشية الإيطالية صحة نظريته في الحرب على ليبيا سنة 1911، كما حققت الولايات المتحدة هدف تمزيق يوغوسلافيا بسلاح الطيران، وكذلك حلف شمال الأطلسي في احتلال ليبيا حديثاً، حيث الجغرافيا والديموغرافيا ملائمتان لذلك.
يعطي الفكر الاستراتيجي الأميركي أهمية قصوى لسلاح الطيران، وهو يطور اليوم أنواعاً متعددة من طائرات من دون طيار (Drones) متفاوتة الأحجام ومتعددة المهام، وذات قدرات متميّزة، خاصة في حروبها على بلدان العالم الثالث مثل الصومال وأفغانستان واليمن وباكستان وليبيا ودول الساحل والصحراء، التي لا تملك القدرة على التصدي لهذه الطائرات. ويمكن لهذه الطائرات البقاء في الأجواء ليوم كامل أو أكثر والقيام بمهام الاستطلاع والتصوير وقصف الأهداف بدقة. كما كان للمفكر الأميركي آلفرد ماهان Alfred Mahan (1660 ـ 1783) صاحب كتاب The Influence of Sea Power Upon History، تأثير بعيد المدى على الفكر الاستراتيجي الأميركي. دعا ماهان إلى بناء أسطول أميركي كبير وقواعد بحرية بعيدة في العالم، فكان رائد الفكر الامبريالي الأميركي. وشدد ماهان في كتاباته على أهمية التجارة في الحروب، وأهمية الحروب الاقتصادية بواسطة القوة البحرية، وقال إن الدول التي تسيطر على البحار يمكنها استغلال التجارة وثروات العالم وموارده الاقتصادية أكثر من غيرها، وبالتالي يمكن لهذه الدول الانتصار في الحروب. والتزم بآراء ماهان بُناة الأسطول الأميركي ورؤساء أميركيون من أمثال تيودور روزفلت.

متغيّرات الاستراتيجية الأميركية

يتم تغيير أو تعديل الاستراتيجية العليا لدولة كبرى عند تحقيق الأهداف المرجوّة، وعند فشل تحقيق الأهداف، أو عند حدوث متغيّرات كبيرة في العالم والمحيط. فانفجار الخلاف الصيني ـ السوفياتي دفع ريتشارد نيكسون إلى زيارة الصين وتغيير سياسات بلاده واستهدافاتها في شرقي وجنوب شرقي آسيا. ودفع الحظر النفطي العربي الولايات المتحدة إلى جعل منطقة الشرق الأوسط إحدى أولويات السيطرة الاستراتيجية. وفي حزيران 1979 قال بريجينسكي إن الشرق الأوسط قد أصبح مساوياً في الأهمية الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة لغرب أوروبا والشرق الأقصى، وهذا ما عزز موقع إسرائيل في الاستراتيجية الأميركية، لكونها قاعدة عسكرية أميركية أو «أكبر حاملات طائرات أميركة في العالم».
ودفعت أزمة فيتنام وهزيمة الولايات المتحدة المذلّة فيها إلى الانكماش الأميركي ولو إلى حين، والابتعاد عن خوض المعارك البرية، والتركيز على الأسلحة الذكية المعقّدة المرتبطة بالأقمار الصناعية للقصف والتدمير عن بُعد دون ضحايا وقتلى في صفوف الجنود الأميركيين. وكان لهزيمة أميركا في فيتنام والتي تزامنت وتداخلت مع أزمة النظام الرأسمالي الثالثة في القرن العشرين، والتي امتدت من سنة 1965 إلى سنة 1982، أن أوصلت المحافظين الجدد إلى السلطة في بريطانيا وأميركا، حاملين معهم أيديولوجية الليبرالية الجديدة واستهدافاتها الاقتصادية والاجتماعية والتجارية، لاجتياح دول العالم اقتصادياً وعسكرياً، حيث تدعو الحاجة. وأدت هذه المتغيّرات إلى ما سمّي بـ«حرب النجوم»، والتيسعّرت سباق التسلح بين القطبين العالميين.
وغيّرت الثورة الإيرانية موازين القوى في الشرق الأوسط وأطلقت ديناميات جديدة لغير صالح الغرب وإسرائيل، ودفعت بعد ذلك إلى حروب الخليج كافة، وتبني الولايات المتحدة سياسة «الفوضى الخلاّقة»، وسياسة «إعادة هيكلة الشرق الأوسط».
وأدى سقوط الاتحاد السوفياتي إلى تغيير كبير في استراتيجية أميركا وأوروبا الغربية، فوضعت استراتيجيات جديدة للحلف الأطلسي. تم تحويل الحلف من حلف للدفاع عن أوروبا الغربية في وجه أي اجتياح سوفياتي محتمل، إلى حلف امبريالي هجومي نحو أوروبا الشرقية لاحتوائها، ولـ«الدفاع» عن مصالح أميركا وأوروبا الامبريالية في العالم، وخاصة في أفريقيا والشرق الأوسط ووسط آسيا.
أما حربا أفغانستان والعراق فأدتا إلى سقوط الاستراتيجية الأميركية الهادفة إلى احتلال سبع دول عربية وإسلامية خلال خمس سنوات. وأدت أزمة النظام الرأسمالي العالمي، الدورية والبنيوية، والتي ضربت مراكز هذا النظام المتقدمة، إلى تقليص حاد في الموازنات العسكرية لهذه الدول تظهر آثارها تدريجياً مع معالجات المديونيات العامة ومع سياسات التقشف وانخفاض الإيرادات العامة. وما المراجعة الاستراتيجية التي تكلم عنها أوباما إلا نتيجة هذه الأزمات، وبداية متغيّرات كبيرة على الصعيد الاستراتيجي، في مرحلة التردي الأميركي الشامل.
وإذا نظرنا إلى محصّلة أربعة عقود من الزمن، نجد أن مسيرة الانحدار الأميركي بدأت منذ أواسط ستينيات القرن الماضي، رغم «الانتصارات» الجزئية ومظاهر الرخاء الاقتصادي المزيّف والمصطنع، وتوسّع هيمنة قطاع المال على الاقتصاد. انهار مبدأ «مونرو» في القارة الأميركية، وسقطت مقولة «الحديقة الخلفية» لأميركا، وخرجت معظم دول أميركا اللاتينية من التبعية، وصمدت كوبا الثورة رغم الحصار الأميركي والمؤامرات المستمرة عليها، ورغم سقوط الاتحاد السوفياتي ومظلته التي حمت كوبا لعقود. وأيقظ صمود كوبا المدّ البوليفاري الجديد الداعي إلى تحرير أميركا اللاتينية وتوحيدها. وفشلت الهجمة الأميركية ـ الإسرائيلية على لبنان سنة 1982، والتي كانت تهدف إلى ضم لبنان إلى مسيرة كامب ديفيد. وشكل هذا الفشل انهيار «الفزاعة» الصهيونية ـ الأميركية وبداية انحدار الكيان الصهيوني، رغم مظاهر القوة المزيّفة فيه. وتم صد التوسّع الأطلسي شرقاً، وإنقاذ روسيا من براثن أميركا و«إجماع واشنطن» وسياسة «العلاج بالصدمة» إبّان حكم بوريس يلتسين، واستُعديت أوكرانيا من الحلف الأطلسي وثوراته الملونة، وتم «تحصين» بطن روسيا الرخو عند وسط آسيا واحتواء البؤرة الأميركية ـ الصهيونية في جورجيا.
ومثّلت آسيا الوسطى استهدافاً أميركياً ـ أوروبياً أساسياً منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، وتشكل هذه المنطقة ساحة منافسة حادة بين روسيا والصين وأميركا وإيران وتركيا والهند. ولهذه المنطقة أهمية استراتيجية كبيرة، وأهمية تجارية واقتصادية، إذ تختزن الكثير من الثروات الطبيعية مثل النفط والغاز والليثيوم والنحاس واليورانيوم والمعادن النادرة، ولم يعد لأميركا فيها سوى قاعدة عسكرية في أوزبكستان وبعض الجنود في قرقيزستان. وستفقد أميركا كامل ساحة وسط آسيا عند انسحابها من أفغانستان، وتمنى بهزيمة نكراء مع دول الحلف الأطلسي. وتقف باكستان على حافة الانفجار في وجه أميركا بسبب تنامي الغضب الشعبي عليها وتزايد جرائمها بحق شعوب المنطقة.
وشكل الانسحاب الأميركي من العراق فشلاً استراتيجياً كبيراً ومؤشراً لانسحاب أميركي من المشرق العربي كله. فقرار الانسحاب من العراق «ليس سوى قرار يعكس فشلاً في أداء المهمة التي شنّت الحرب لأجلها»، حسب صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية. وعلق شلومو بن عامي على ذلك فقال: «الانسحاب من العراق يطوي فصلاً أليماً من التاريخ الأميركي، وهو فصل المغالاة في الانتشار الامبريالي... فأميركا أرهقت مادياً وبدّدت طاقاتها على ما لم تنعقد ثماره».
للبحث صلة


الصفحة الرئيسية
تعريف بالاتحاد
الجمهورية الاسلامية في ايران
المخيم النقابي المقاوم 2013
معرض الصور
ركن المزارعين
موقف الاسبوع
متون نقابية
بيانات
دراسات وابحاث
ارشيف
اخبار متفرقة
مراسيم -قوانين - قرارات
انتخابات نقابية
مقالات صحفية مختارة
صدى النقابات
اخبار عربية ودولية
اتحادات صديقة
تونس
الجزائر
السودان
سوريا
العراق
سجل الزوار معرض الصور
القائمة البريدية البحث
الرئيسة RSS
 
Developed by Hadeel.net