الصفحة الرئيسية البحث البريد الالكتروني RSS
فلاشات إخبارية
 
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق طباعة الصفحة

مقالات صحفية مختارة > التقرير الاقتصادي لبنك عودة عن الفصل الثالث 2013


مناعة سوقية في موازاة تردٍ نسبي في الأساسيات





الوفاء : 19-11-2013 


أظهر تقرير بنك عودة الاقتصادي للفصل الثالث من العام 2013 توقعات للنمو الاقتصادي خلال العام بحوالي 1.5 في المئة حسب صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى ان الاقتصاد اللبناني تجنب الوقوع في فخ الركود.
ولاحظ التقرير أن المالية العامة تسجل المزيد من التردّي نتيجة تزايد العجز وتراجع الإيرادات، مما زاد في نمو المديونية العامة التي تخطت 60 مليار دولار.
ورأى التقرير أن عجز ميزان المدفوعات سجل تراجعاً خلال الفصل الثالث من العام نتيجة زيادة حركة الرساميل بحوالي 11 في المئة لتصل إلى 10.8 مليارات دولار حتى نهاية الفصل الثالث مما قلص عجز ميزان المدفوعات، يضاف إلى ذلك الودائع المصرفية التي سجلت نمواً فاق 6.4 مليارات دولار بزيادة 400 مليون دولار عن الفترة ذاتها من العام 2012. وأكد التقرير أن القطاع يستمر بحال من الركود وانخفاض قيمة المبيعات العقارية حوالي 8.8 في المئة خلال تسعة أشهر. ولفت التقرير إلى أن القطاع السياحي يواصل منحاه التراجعي. كذلك تراجع الصادرات اللبنانية حوالي 4.1 في المئة على الرغم من تحسّن الصادرات الزراعية.
ويعتبر التقرير أن المالية العامة تشكل إحدى نقاط الضعف الأساسية في الاقتصاد اللبناني. مقابل صلابة الوضع النقدي واستقرار احتياطات مصرف لبنان بالعملات عند معدلاته الجيدة. ويلحظ التقرير نمواً قوياً للقطاع المصرفي خلال النصف الأول من العام الحالي قبل أن يتباطأ مع الفصل الثالث وفصل الصيف وأما البورصة والأسواق المالية فقد حافظت على ضعفها نتيجة التطورات الأمنية والسياسية المسيطرة. مشيراً إلى أن إقبال المصارف على الاكتتابات بسندات الخزينة كان ضعيفاً على الرغم من الاصدارات الطويلة الاجل.
بالنسبة إلى القطاع العقاري يسجل انسحاباً منتظماً للمستثمرين الأجانب من السوق العقاري اللبناني مع تراجع المبيعات العقارية حوالي 8.8 في المئة في تسعة أشهر مقارنة مع الفترة ذاتها من العامم الماضي.
وهنا أهم ما جاء في التقرير الاقتصادي:
خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، عرف الاقتصاد اللبناني امتداداً لمرحلة التباطؤ السائدة منذ بداية الاضطرابات الإقليمية. فالقرارات الاستثمارية الكبرى لا تزال في حكم التأجيل في ظل حالة الترقب والتريث السائدة في أوساط المستثمرين بشكل عام. ويأتي ذلك في سياق تداعيات الأزمة الإقليمية على الاقتصاد المحلي واشتداد حدة التجاذبات السياسية في لبنان، إلا أن الاقتصاد اللبناني تجنب الوقوع في فخ الركود، بحيث لم يسجل تقلصاً صافياً بالقيم الحقيقية. ووفقاً لآخر توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الصادرة عن صندوق النقد الدولي، فإن النمو الاقتصادي يسجل معدلاً إيجابياً وإن متدنياً قدره 1.5٪ لهذا العام.
ولعلّ أبرز دليل على هذا المنحى المؤشر الاقتصادي العام الصادر عن مصرف لبنان والذي سجّل متوسطاً قدره 264 خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام، أي بنمو نسبته 2.7٪ بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام الماضي. في الواقع إن هذا النمو في المؤشر الاقتصادي العام قريب بعض الشيء من ذلك المسجل في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2011 (بنسبة 2.0٪) وفي الأشهر الثمانية الأولى من العام 2012 (بنسبة 1.1٪)، إنما أقل بكثير من معدلات النمو الكبيرة المسجلة في المؤشر في السنوات السابقة من الفورة الاقتصادية. هذا وفي حين أن المؤشر الاقتصادي العام يمثل متوسطاً مثقلاً لعدد من المؤشرات التي ينبغي أن تتماشى مع النشاط الاقتصادي من دون قياس حجم نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، إلا أن تطوره لا يزال في الواقع مؤشراً بارومترياً لأداء الاقتصاد المحلي بشكل عام.
إن العوامل التي ساعدت الاقتصاد الوطني على تجنب الركود هي عديدة، وتتمثل بالإنفاق الخاص من قبل قاعدة كبيرة من اللاجئين السوريين على الاحتياجات الاستهلاكية الأساسية والإيجارات السكنية، إضافةً إلى برنامج تحفيز الإقراض الذي اعتمده مصرف لبنان في دعم الفوائد على القروض المصرفية في عدد من القطاعات الاقتصادية الحيوية، ناهيك عن تحويل مسار جزء كبير من صادرات لبنان البرية عبر مرفأ بيروت. ومن المرجح أن تستمر هذه العوامل في دعم الاقتصاد الوطني على المدى القريب والذي من المتوقع أن يشهد استمراراً للمرحلة السائدة من تجنبٍ للركود في موازاة نموٍ متدنٍ في القطاع الاقتصادي الحقيقي بشكل عام.
على صعيد القطاع الخارجي، تشير إحصاءات التجارة الخارجية للأشهر التسعة الأولى من العام الحالي إلى ثبات في العجز التجاري البالغ 12.7 مليار دولار، ليشكل نسبة 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي في لبنان. ويأتي هذا الثبات في العجز التجاري في سياق تراجع كل من الصادرات والواردات. فانخفضت الصادرات اللبنانية بنسبة 4.1٪ لتصل إلى 3.2 مليار دولار، في حين انخفضت الواردات بنسبة 0.8٪ لتصل إلى 15.9 مليار دولار. في موازاة ذلك، سجل ميزان المدفوعات عجزاً بقيمة 676 مليون دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2013 بالمقارنة مع عجز بقيمة 1,932 مليون دولار خلال الفترة المماثلة من العام 2012. ويُعزى هذا التحسن النسبي في عجز ميزان المدفوعات بشكل أساسي إلى ارتفاع في تدفقات الأموال الوافدة إلى لبنان بنسبة 11.7%، لتقدر الأخيرة بقيمة 12.1 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2013، في مقابل 10.8 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام الماضي.
وعلى صعيد المالية العامة، سُجل تردٍ لافت هذا العام مدفوعاً بمزيج من الإيرادات الفائتة وزيادة في الإنفاق العام. فأرقام المالية العامة تشير إلى زيادة في العجز المالي بنسبة 76.0% خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2013، في ظل تراجع في الإيرادات العامة بنسبة 2.1٪ وارتفاع في النفقات العامة بنسبة 12.3٪. عليه، وفي ظل شبه ثبات في خدمة الدين بين الفترتين، ترافق ارتفاع العجز المالي مع تحوّل في الحساب الأولي من فائض بقيمة 1,187 مليار ليرة إلى عجز بقيمة 428 مليار ليرة. بموازاة ذلك، إن الارتفاع في عجز المالية العامة قد ولّد زيادة في حجم المديونية العامة التي تجاوزت عتبة الـ60 مليار دولار. إذ بلغ إجمالي الدين العام 62.4 مليار دولار في نهاية أيلول 2013، مرتفعاً بنسبة 11.3٪ على أساس سنوي. ويُعزى ذلك إلى زيادة في الدين الخارجي بنسبة 15.7٪، في حين ارتفع الدين المحلي بنسبة 8.3٪ خلال العام الماضي.
أما على صعيد القطاع المصرفي، فقد ظل نموّ النشاط جيداً. إذ ارتفعت الودائع المصرفية بمقدار 6.4 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، مقابل 6.0 مليار دولار في الفترة المماثلة من العام 2012. هذا وتجدر الإشارة إلى أن نمو الودائع بالعملات الأجنبية كان أكثر أهمية من نمو الودائع بالليرة اللبنانية (5.2 مليار دولار و1.1 مليار دولار على التوالي)، ما أدّى إلى ارتفاع في نسبة دولرة الودائع من 64.8٪ في كانون الأول 2012 إلى 65.7% في أيلول 2013، ليُقلب المنحى التنازلي التدريجي في دولرة الودائع والذي كان سائداً لفترة من الوقت. أما بالنسبة لتوزع الودائع بحسب مصدرها، فقد سجلت ودائع المقيمين الزيادة الأبرز وذلك بقيمة 4.4 مليار دولار، في حين شهدت ودائع غير المقيمين نمواً مؤاتياً بقيمة 2.0 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام. في موازاة ذلك، زادت القروض المصرفية الممنوحة للقطاع الخاص بقيمة 2.4 مليار دولار، مقابل ارتفاع بقيمة 2.9 مليار دولار خلال الفترة المقابلة من العام الماضي.
وعلى صعيد الأسواق المالية، كان الأداء ضعيفاً نسبياً على صعيد الأسعار وحجم التداول في الأشهر التسعة الأولى من العام. فانخفض المؤشر العام لأسعار الأسهم المدرجة في بورصة بيروت بنسبة 3.1٪ بين نهاية العام 2012 ونهاية أيلول 2013. وخلال الفترة نفسها، سجلت قيمة التداول التراكمية في سوق الأسهم انخفاضاً بنسبة 45.2٪ بالمقارنة مع الأشهر التسعة الأولى من العام 2012. أما في سوق السندات، فقد تقلصت هوامش مقايضة المخاطر الائتمانية من فئة 5 سنوات بمقدار 57 نقطة أساس خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2013 لتصل إلى 393 نقطة أساس في نهاية شهر أيلول، وتحافظ بذلك على المنحى الانكماشي العام السائد منذ نهاية العام 2011.
وفي ما يلي تحليل مفصل لتطورات القطاع الحقيقي والقطاع الخارجي والقطاعين العام والمالي في حين تتطرّق الملاحظات الختامية إلى تقييم موجز للتأثير الصافي للاضطرابات الإقليمية على الاقتصاد الوطني والأسواق اللبنانية على اختلافها.
الزراعة والصناعة
في حين واصلت الظروف المحلية والإقليمية المعاكسة عرقلة النشاط الصناعي من خلال قنوات الاستهلاك والتصدير، استفاد القطاع الزراعي الى حدّ ما من النقص الذي أصاب بعض المنتجات في الأسواق الإقليمية فعزّز حركته على الجبهة الخارجية.
وتظهر إحصاءات المجلس الأعلى للجمارك أن الصادرات الزراعية سجّلت في الأشهر التسعة الأولى من العام 2013 نمواً بنسبة 38,6%، علماً أنها لم تشهد حركة ملحوظة في الفترة ذاتها من العام 2012. وقد بلغت قيمة هذه الصادرات 211.1 مليون دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام 2013، وكانت حصة السوق السورية منها 16%.
أما القطاع الصناعي، فقد عرف نشاطاً أقلّ نسبياً على المستويَيْن الداخلي والخارجي، بحيث ظلّ عجز الميزان التجاري الصناعي شبه مستقرّ على 11,5 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام 2013. وانخفضت الواردات الصناعية بنسبة 1,7% على أساس سنوي لتبلغ قيمتها 14,4 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام 2013.
البناء: تقلّص إضافي لنشاط القطاع
استمرّ الركود مسيطراً على مناخ الاستثمار المحلي، وبخاصة على القطاع العقاري، في ظلّ الغموض المحلّي والإقليمي المتزايد بحيث اعتمد المتعاملون في السوق استراتيجيّة التريّث. فالقيمة الإجمالية للمبيعات العقارية انخفضت بنسبة 4,5% على أساس سنوي خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2013. كما انخفض عدد المبيعات العقارية بنسبة 5,2% في الفترة ذاتها. وتُظهر هذه الأرقام، على الأخصّ، انسحاباً منتظماً للمستثمرين الأجانب من السوق العقاري اللبناني إذ سجّل مجموع المبيعات العقارية للأجانب تراجعاً بنسبة 8,8% في الأشهر التسعة الأولى من العام 2013.
ولا يزال الطلب على المساكن في لبنان متمحوراً حول الشقق الأصغر مساحةً التي تبقى أسعارها في متناول شرائح اجتماعية أوسع والتي تقع خارج العاصمة.
عبّر قطاع التجارة والخدمات عن انعكاسات التطورات المحلية والإقليمية. ففي الوقت الذي استفادت الحركة التجارية عبر المرفأ وحركة المسافرين الوافدين عبر المطار لفترة معيّنة من تحوّل البضائع عن الطرق البريّة، يبدو أنهما الآن أكثر ميلاً الى الركود. في المقابل، لا تزال السياحة هي الأكثر تضرّراً بين مكوِّنات قطاع التجارة والخدمات، بتسجيلها المزيد من التراجع.
القطاع العام: تفاقم معضلة المالية العامة
من جديد، تبرز المالية العامة كإحدى نقاط الوهن الأساسيّة في الاقتصاد اللبناني. فالمالية العامة التي يشتدّ تأثّرها بالأوضاع الاقتصادية المعاكسة تكشف عن تردٍ في الأرقام. ذاك أن العجز العام بلغ 2,621 مليار دولار في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2013، بزيادة نسبتها 76,0% مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2012. كذلك، عاد الرصيد الأولي (باستثناء خدمة الدين) ليسجّل عجزاً بقيمة 284,1 مليون دولار مقابل فائض بقيمة 787,3 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام 2012.
اتّسمت الأوضاع النقدية في الأشهر التسعة الأولى من العام 2013 باستقرار قوي لموجودات مصرف لبنان الخارجية، وبنمو معتدل للكتلة النقدية بالليرة، وبنمو ملحوظ لمحفظة شهادات الإيداع بالليرة المملوكة من المصارف التجارية، وباكتتابات أقلّ في سندات الخزينة اللبنانية بالليرة المملوكة من الجهاز المصرفي رغم إصدار سندات خزينة جديدة طويلة الأجل بمردود مغرٍ.
النشاط المصرفي: نموّ قويّ 
سجّل النشاط المصرفي اللبناني نمواً طفيفاً في الفصل الثالث من السنة، ولو أنه في المحصّلة يبقى إيجابياً على مدى الأشهر التسعة الأولى. فقد زاد هذا النشاط، الذي يُقاس بالموجودات المجمّعة للمصارف العاملة في لبنان، بمقدار 7,4 مليار دولار، أي بما نسبتُه 4,9% بين كانون الأول 2012 وأيلول 2013 بينما ظلّ شبه مستقرّ طوال أشهر الصيف الثلاثة (نمو لا يتعدّى 1,3 مليار دولار في الفصل الثالث).
لا تزال ودائع الزبائن تؤمّن القسم الأكبر من موارد المصارف اللبنانية الغنيّة بالودائع، لكونها تشكّل حوالي 83% من مجموع الموجودات، وتلبّي بالتالي معظم الحاجات التمويلية لهذه المصارف. ففي الأشهر التسعة الأولى من العام 2013، زادت هذه الودائع بقيمة 6,4 مليارت دولار مقابل 6,0 مليارات دولار في الفترة ذاتها من العام 2012. وإذا نمت الودائع بنسبة 8% سنوياً، تبقى المصارف في وضعية مريحة لتلبية متطلبات الاقتصاد اللبناني من حيث الاحتياجات التمويلية للقطاعين العام والخاص مع الحفاظ على هامش مريح من السيولة المتاحة. ففي الواقع، تتمتّع المصارف اللبنانية بمرونة كبيرة وبسيولة مرتفعة، إذ لا تتعدّى نسبة التسليفات إلى الودائع لديها 35% فيما تصل السيولة الأولية، أي الأموال الخاصة لدى مصرف لبنان والمصارف العالية التصنيف في الخارج، الى نصف قاعدة الودائع الإجمالية تقريباً. وتشير التقديرات إلى أن الإقراض الإجمالي للاقتصاد المحلي يتطلب نسبة نمو سنوية تناهز 5% في قاعدة الودائع بشكل عام.
في المقابل، خفّضت وكالة «ستاندرد إند بورز» في تشرين الأول 2013 تصنيف دين لبنان السيادي الطويل الأجل بالعملات الأجنبية والليرة من «B» الى «-B» مع تثبيت تصنيف دينه القصير الأجل على «B» بينما لا تزال آفاقه «سلبية». ويعبّر ذلك، بحسب ستاندرد إند بورز، عن التردّي البطيء ولو المنتظم لأساسيّات لبنان الماكرو اقتصادية منذ اندلاع الأزمة السورية في مطلع العام 2011. وتعكس الآفاق «السلبية» رأي ستاندرد إند بورز القائل إن مخاطر التسليف ستبقى كبيرة ما دامت الأزمة السورية مستمرة.
في موازاة ذلك، سادت أجواء الركود في بورصة بيروت خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2013 في ظلّ قلق متزايد من الأوضاع السياسية والأمنية المحليّة ومخاوف من انعكاسات الاضطرابات في سورية على الساحة الداخلية.
الخلاصة: مناعة مالية
بُعيد ما يقارب الثلاث سنوات تقريباً على بداية الاضطرابات الإقليمية بتداعياتها المباشرة وغير المباشرة على الاقتصاد اللبناني من خلال قنوات تأثير عدة، لا تزال الأسواق اللبنانية تشهد مناعة لافتة. وقد تجلّت هذه المناعة على الصعيدين النقدي والمالي، أكثر مما تجلّت على صعيد القطاع الحقيقي. بالتالي، يبدو أن المرحلة الحالية تشكل حلقة جديدة من الصمود المالي من بين حلقات عدة شهدها لبنان على مدى العقود الماضية. هذا وفي حين أن هنالك بلا شك مناعة لافتة مستمرة في الأسواق بشكل عام، إلا أن مكامن الوهن في الأساسيات الاقتصادية قد شهدت تنامياً لافتاً. في ما يلي، نظرة عامة على مختلف جوانب المناعة بالتوازي مع عرض للميادين التي شهد فيها الاقتصاد اللبناني تردياً صافياً في الأساسيات الاقتصادية منذ بداية الاضطرابات الإقليمية.
لقد تجلّت المناعة الحالية أولاً على صعيد القطاع المصرفي، لاسيما مع استمرار تدفق الأموال الوافدة معززاً بذلك قاعدة الودائع لدى المصارف من جهة، ومع شبه غيابٍ لخروج في الرساميل خلال الفترات الأكثر تلبّداً من جهة أخرى. وفي ظل ارتفاع سنوي في إجمالي الودائع بنسبة 8%، لا تزال قاعدة الودائع تنمو بشكل مؤاتٍ وإن بوتيرة أضعف للسنة الثالثة على التوالي. على هذا النحو، كانت المصارف اللبنانية في وضعية مريحة لتلبية متطلبات الاقتصاد اللبناني، من حيث الاحتياجات التمويلية للقطاعين العام والخاص مع الحفاظ على هامش مريح من السيولة المتاحة. وتشير التقديرات إلى أن الإقراض الإجمالي للاقتصاد المحلي يتطلّب نسبة نمو سنوية تناهز 5% في قاعدة الودائع بشكل عام.
كما تجلّت المناعة كذلك في حركة النقد الوطني وسوق القطع. إذ لم تبرز أي ضغوط جدية على العملة المحلية استدعت استنزاف وضعية مصرف لبنان من الاحتياطيات الأجنبية. لا بل على العكس، ارتفعت موجودات المصرف الخارجية لتصل إلى 35.7 مليار دولار بحلول نهاية شهر أيلول 2013، علماً أنها كانت تقارب الـ30 مليار دولار في بداية الاضطرابات الإقليمية أي في نهاية العام 2010. أضف إلى ذلك، إن هذا المستوى من الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان يقارب حالياً مستوى احتياطياته الإجمالية، لاسيما أن المصرف استطاع بيع الجزء الأكبر من محفظته بسندات اليوروبوندز السيادية. 
في السياق نفسه، إن المستوى الحالي من الموجودات الخارجية يغطي 81٪ من الكتلة النقدية بالليرة وحوالي 20 شهراً من الواردات، مما يؤكد قدرة مصرف لبنان في الحفاظ على استقرار سعر الصرف في حال نشوء أي ضغوط نقدية محتملة.
كما تجلّت المناعة على صعيد نسبة تضخم الأسعار. في الواقع، لم يشهد معدل التضخم أي تقلبية تذكر، مع توقعات بأن يبلغ التضخم نسبة 4٪ هذا العام وفق مصرف لبنان.
هذا وخلال الأشهر التسعة الأولى من العام، سجل مؤشر أسعار المستهلك ارتفاعاً بنسبة 2.9٪، مما يعني أن معدل التضخم يتجه لبلوغ المستوى السنوي المتوقع من قبل مصرف لبنان. تقنياً، يُعزى هذا الاعتدال في معدل التضخم بشكل خاص إلى أن الاقتصاد اللبناني يكمن حالياً في الجانب المنبسط من منحنى العرض الكلي في ظل الفجوة اللافتة بين الناتج المحـــــلي الإجمالي الحالي والـــــناتج الممكــــن تحــــقيقه لـدى استعــــمال طــــاقات الاقـــــتصاد كافة.
حتى الاقتصاد الحقيقي فقد شهد بعض المناعة النسبية، حتى وإن تباطأ النمو الاقتصادي الذي لا يزال إيجابياً بالإجمال على الرغم من تداعيات الاضطرابات الإقليمية على السياحة والاستثمار والتجارة الخارجية. في الواقع، لم يقع الاقتصاد اللبناني في فخ الركود لاسيما مع تسجيل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي معدلاً إيجابياً يتراوح ما بين 1٪ و 2٪ للعام الثالث على التوالي في ظل بعض العوامل المخففة والداعمة للإنفاق المحلي بشكل عام، لاسيما أن هذا النمو الضعيف بالكاد يوازي نمو عدد السكان بشكل عام.
إلا أنه لا ينبغي لهذه الجوانب المختلفة من المناعة النسبية أن تحجب التردي الصافي في الاختلالات الأساسية للاقتصاد الوطني، وبالتحديد في القطاعين العام والخارجي. فعلى الصعيد الخارجي، إن العجز التجاري المتنامي، في سياق مراوحة الصادرات وتنامي فاتورة الواردات عبر السنين، أدى إلى توسع تدريجي في عجز الحساب الجاري منذ بداية الاضطرابات الإقليمية. فالأخير الذي كان يبلغ نسبة 9.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2010 قد وصل إلى نسبة 16.0٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2013. وقد أضعف ذلك ميزان المدفوعات الذي تحوّل إلى عجوزات صافية بعد تسع سنوات من الفوائض المستدامة. عليه، فإن نمو الكتلة النقدية في لبنان بات أقل من نمو خلق النقد المحلي في سياق انخفاض في صافي المجودات الخارجية، مع تسجيل ميزان المدفوعات عجوزات بقيمة 2 مليار دولار في العام 2011 و1.5 مليار دولار في العام 2012 و0.7 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام 2013.
أما الجانب الآخر من جوانب الوهن المتنامي في الأساسيات الاقتصادية فيكمن في تردي وضع المالية العامة خلال العامين الماضيين. فبعد أربع سنوات من التحسن في مالية الدولة، أي في الفترة الممتدة بين عامي 2006 و2010، عادت نسب المديونية إلى الناتج لترتفع من 135٪ إلى 141٪ حالياً، مع ارتفاع في نسبة العجز العام إلى الناتج من 7.8٪ في العام 2010 إلى 10.4٪ في العام 2013 وفق آخر التقديرات. 
ومع هذا التدهور الحاصل في العجز المالي والارتفاع في نسب المديونية، تبرز مجدداً معضلة تمويل القطاع العام باعتبارها إحدى أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد اللبناني. وفي ظل هذا المناخ، من المهم لجميع الجهات المعنية ولأي حكومة عتيدة مقبلة أن تقوم بشد الأحزمة قدر المستطاع، مع إطلاق إجراءات إصلاحية من شأنها احتواء الانحرافات المالية والخارجية المسجلة منذ بداية الاضطرابات الإقليمية، وذلك من أجل تجنب أي مآلٍ سلبية يمكن أن تولّدها انحرافات كهذه، مع الوقت، على صعيد الاستقرار الاقتصادي العام في البلاد.


الصفحة الرئيسية
تعريف بالاتحاد
الجمهورية الاسلامية في ايران
المخيم النقابي المقاوم 2013
معرض الصور
ركن المزارعين
موقف الاسبوع
متون نقابية
بيانات
دراسات وابحاث
ارشيف
اخبار متفرقة
مراسيم -قوانين - قرارات
انتخابات نقابية
مقالات صحفية مختارة
صدى النقابات
اخبار عربية ودولية
اتحادات صديقة
تونس
الجزائر
السودان
سوريا
العراق
سجل الزوار معرض الصور
القائمة البريدية البحث
الرئيسة RSS
 
Developed by Hadeel.net