مقالات صحفية مختارة > التضخّم يهدّد الاقتصاد السوري
ارتفاع كبير في الأسعار وانخفاض القيمة الشرائية لليرة
نمت السوق السوداء في ظلّ غياب الرقابة (أ ف ب) تراكمت عوامل متعددة ومختلفة لتسبّب دخول الاقتصاد السوري، تدريجياً، في نفق مظلم وأزمة خانقة. ولا وجود لبارقة أمل في المدى القريب للخروج من عتمته وقيوده أنس زرزر الاخبار 11-1-2013 دمشق | التضخّم المالي بلغ خلال الأشهر الأربعة الماضية في سوريا، نسباً غير مسبوقة تجاوزت حدود 60%، مع استمرار أزمة الخبز، وندرة المحروقات من الغاز الطبيعي ومادة الديزل، وغياب غالبية السلع الأساسية في السوق المحلية. منذ بداية الأزمة السورية وفصولها وتداخلاتها المعقدة، وتحولها سريعاً إلى حرب حقيقية معلنة، لم يختلف خطاب الحكومة السورية الرسمي، حول مجمل الصدمات المتلاحقة التي أصابت الاقتصاد السوري، وصولاً إلى الواقع المتردي الذي وصل إليه اليوم. جملة التصريحات والبيانات الرسمية التي خرجت من أروقة الحكومة السورية، حمّلت المسؤولة كاملة «للعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا من قبل الدول والتحالفات الغربية». العقوبات وقطع العلاقات التجارية، وإغلاق أعداد كبيرة من التجار والمستثمرين مشاريعهم، وخروجهم من الأراضي السورية مصطحبين معهم كميات كبيرة من القطع الأجنبي، كل هذا أسهم في حدوث اختلال في التوازنات السعرية للسلع الأساسية والمواد الغذائية. استهداف أصاب على نحو رئيسي لقمة عيش المواطن البسيط، تحديداً الفئة المتوسطة من أصحاب الدخل المحدود، التي تمثل النسبة الأكبر من بنية المجتمع السوري. مع نهاية عام 2012، أقرّت الحكومة السورية الميزانية العامة للعام الحالي، بإجماليّ بلغ 1383 مليار ليرة سورية «ما يعادل 20.07 مليار دولار»، بزيادة عامة عن العام الماضي بلغت نسبتها 4 في المئة، كما أكّد وزير المالية السوري محمد الجليلاتي، في تصريحاته الصحافية المختلفة للإعلام السوري الرسمي، أنّ الحكومة وضعت في حساباتها، أثناء دراستها وإعدادها الميزانية العامة، «الآثار السلبية التي خلّفتها العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى تدمير الاقتصاد، عبر إحداث خلل هيكلي في التوازن الكلي للبنية الاقتصادية، الأمر الذي تسبَّب باختلال في التوازنات السعرية للسلع الأساسية والمواد الغذائية»، لكنّ المواطن السوري لا يكترث لجملة هذه التحليلات والتبريرات المختلفة، ما يهمّه بالفعل هو الممارسات والإجراءات الفعلية على الأرض لمنع حدوث تجاوزات قانونية، تتقاطع مع تفاصيل معاناة المواطن السوري اليومية. «لا يتعدى راتبي الشهري المقطوع في أحسن الأحوال 16 ألف ليرة سورية (نحو 160 دولاراً أميركياً)، هذا المبلغ لم يكن يكفيني مع أسرتي 15 يوماً في أحسن الأحوال، عندما كان سعر صرف الدولار الواحد حوالى 65 ليرة سورية قبل بداية الحرب والأزمة، فما بالكم اليوم عندما تجاوز سعر الدولار عتبة 110 ليرات سورية؟»، يقول عبد الله (33 عاماً)، الموظف في إحدى المديريات الحكومية السورية. وأضاف، في حديث إلى «الأخبار»، إنّ «غالبية السلع الأساسية التي يحتاج إليها أطفالي الثلاثة وزوجتي، باتت مفقودة من السوق المحلية. وفي حال توافرها، فهي تباع بأضعاف ثمنها الأصلي». وتابع «لا أحد يشكّك في تأثير العقوبات الاقتصادية العالمية المفروضة على سوريا، لكن من حقي أن أتوجّه بالسؤال إلى حكومتنا الموقرة: هل تقوم الوزارات وأجهزة المختصة بواجباتها في ما يتعلق بمكافحة احتكار تجار السوق الكبار، والتلاعب بالأسعار بهدف تحقيق أرباح خيالية؟». جولة قصيرة في أسواق العاصمة السورية، تعطي صورة واضحة عن تراجع حركة البيع والشراء، نتيجة الارتفاع السريع وغير المسبوق للأسعار، على مختلف أنواع السلع. أبو محمد، صاحب متجر لبيع المواد الغذائية في حيّ الشعلان، أكد لـ «الأخبار» تراجع حركة الشراء من متجره. «مجمل سكان حيّ الشعلان هم من أثرياء دمشق نسبياً، لكن غالبية الزبائن يتذمرون اليوم من الارتفاع الكبير على مجمل الأسعار، وهناك سلع وحاجيات كثيرة تفقد من السوق على نحو تدريجي»، يضيف. لدى سؤاله عن أسباب ذلك، «التجار الكبار من أصحاب تراخيص الاستيراد والمستودعات الكبيرة، يحتكرون بضاعتهم على نحو متعمد، وهناك أنواع كثيرة من البضائع توقف استيرادها من دول المنشأ، تطبيقاً للعقوبات الاقتصادية على سوريا، هذا ما لا يدركه أو يتفهمه الزبائن، الذين يتهمونني برفع الأسعار». المحلّل الاقتصادي، قيس خضر، كان له رأي مختلف لدى شرحه وتفصيله مسألة التضخم المالي والتجاري، يقول «علينا التمييز بين التضخم المالي الحقيقي، والتضخم المصنّع والزائف. السوق التجاري تحكمه علاقة العرض والطلب، وتغييب سلعة أساسية معينة، يرفع بالضرورة حجم الطلب عليها. هذا يتيح للتجار احتكارها والتلاعب بأسعارها، ما يخلق حالة من التضخم المصطنع». ويؤكّد أنّ نحو 85% من السلع الأساسية في الأسواق السورية، أصبحت خاضعة على نحو كامل، لمزاج وإرادة تجار السوق الكبار. أما عن التضخم المالي الحقيقي، الذي يحدده سعر صرف الليرة السورية أمام القطع الأجنبي، فيضيف الخضر «تأخرت الحكومة السورية كثيراً في ضبط السوق والأسعار، ما تسبب بهبوط قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي. الخطورة الحقيقية اليوم تكمن في محاولات الحكومة في الفترة المقبلة تجاوز الأزمة، تحديداً مسألة ربط الأجور بالأسعار الجديدة، عندما تعمل على زيادة الأجور لتتناسب مع التضخم الحاصل، ما يقضي على أي احتمال فعلي لتعافي الليرة السورية، ويعني دخولنا في أزمة تضخم مالي حقيقية». أزمات وانتكاسات الاقتصاد السوري ليست جديدة العهد، مع بداية الألفية الثالثة حصل انقلاب جذري في بنية النظم الاقتصادية في بلاد لطالما سدّدت الفئة الوسطى من الأسر والعائلات المحدودة الدخل، فواتير تجارب الحكومات والوزارات المتلاحقة في محاولاتها لتطوير اقتصاد بلاد نخرها الفساد والمفسدون. في ذلك الوقت، بدأت الحكومة بالعمل في ما سمي «نظام السوق الاجتماعي» وطبقته على خطتها الاقتصادية، التي بدأت العمل على رفع الدعم على نحو تدريجي عن المحروقات وعدد كبير من السلع الضرورية، لتتحول علاقة «العرض والطلب»، التي يفرضها نظام السوق الاجتماعي الجديد، إلى كابوس مؤرق لشريحة واسعة من المجتمع السوري، التي ازدادت عليها الأعباء المالية تدريجاً. كلما رفعت الحكومة الأجور ورواتب موظفيها، أدرك المواطن السوري أنّ أسعار جميع السلع التجارية ستلتهم سريعاً الزيادة. هذا ما جعل الغالبية العظمى من الموظفين الحكوميين تبحث عن عمل آخر بعد انتهاء ساعات دوامها الرسمية، لكن مع بداية الأزمة والحرب السورية، وتردي الأحوال الأمنية على نحو تدريجي، اكتفى الموظف الحكومي بدوامه الصباحي، ما زاد حدة الأزمة المالية والاقتصادية. عربيات العدد ١٩٠٣ الجمعة ١١ كانون الثاني