الصفحة الرئيسية البحث البريد الالكتروني RSS
فلاشات إخبارية
 
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق طباعة الصفحة

مقالات صحفية مختارة > سرقة «الغاز» قبل استخراجه




محمد زبيب  الاخبار  العدد ١٦٩٦ الاثنين ٣٠ نيسان

فيما معظمنا مأخوذ بالرهانات على ما يحصل في سوريا، أو خاضع لهذا السيل الهائل من وسائل بث الخوف والقلق... يعكف البعض على التحضير لأمور أخرى مختلفة تماماً: السطو على ثروة «الغاز» المكتشفة حتى قبل البدء باستخراجها!
ليس في هذا التحذير أي مغالاة، فمن لا يصدّق مثل هذا «الفجور» في ممارسات «السلطة» القائمة، فليس عليه سوى قراءة الوثيقة الرسمية التي أعدّها ما يسمّى الفريق الاقتصادي التابع لرئاسة مجلس الوزراء بعنوان «خطة العمل للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي» (راجع «الأخبار» عدد ١٦٨٧ الخميس ١٩ نيسان ٢٠١٢، أو الرابط http://al-akhbar.com/node/62513)، فهذه «الخطّة» تقول بوضوح لا لبس فيه إن الحكومة سـ«تعطي الأولوية في ما يتعلق باستخدام التدفقات المتوقعة من إيرادات الصندوق السيادي الناتج من عائدات البترول والغاز لسداد مستحقات الدين العام (...)
وإن نية الحكومة متجهة إلى منع تمويل أي مشروع من هذا الصندوق السيادي قبل أن يتراجع حجم الدين العام إلى ما دون نسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي».
ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني ببساطة أن هناك من يصرّ على استعمال وسائل تخويف اللبنانيين من الدين العام (وأمور أخرى) ليضع يديه على مورد ناضب غير متجدد؛ إذ بحجّة تخليص اللبنانيين من عبء هذا الدين يريدون حرمانهم هذه الثروة كلياً وتحويل عائداتها الكبيرة المتوقّعة إلى ثروات شخصية طائلة. تماماً كما حصل فعلياً في السنوات الماضية عندما جرى شفط الضرائب والكثير من الأصول الوطنية العامّة عبر آلية نفخ الدين العام وتحويله إلى أداة توزيع عكسية (من جيوب الفقراء الخاضعين لنظام ضريبي غير عادل ومحرومين الخدمات الأساسية إلى جيوب الأغنياء الذين يموّلون الدين العام ويشفطون إلى حساباتهم البنكية نحو 5 مليارات دولار سنوياً من المال العام عبر الفوائد المرتفعة على هذا الدين).
كيف سيحصل ذلك؟ لنبسّط الأمر كثيراً. فالدين العام الحقيقي يقدّر اليوم بنحو 70 مليار دولار، أي نحو 175% من مجمل الناتج المحلي. وبالتالي، إن خفض هذه النسبة إلى 60% يستدعي خفض قيمة الدين إلى 24 مليار دولار، أي إن الحكومة يُفترض أن تسخّر أكثر من 46 مليار دولار من عائدات الغاز لتمويل عملية خفض الدين... طبعاً، هذا مثال تبسيطي جداً؛ فالمسألة ليست هكذا إطلاقاً، بل هي أكثر تعقيداً وأشدّ خطورة؛ إذ إن عائدات الغاز لن تتولّد دفعة واحدة ولن تُستخدَم لإطفاء أصل الدين دفعة واحدة أيضاً وبصورة فورية. بل نحن نتحدّث هنا عن سنوات طويلة مقبلة سيجري فيها السطو على هذه الثروة تدريجاً وببرودة أعصاب معتادة لدى أصناف «المجرمين». في الواقع، المسألة هي على النحو الآتي: سيواصل الدين العام ارتفاعه باطّراد، وربما بمعدّلات أعلى من نمو الناتج المحلي، وليس هناك أي أوهام بإمكانية توليد عائدات فعلية من استخراج الغاز قبل 10 سنوات على الأقل، ما يعني أن أصل الدين العام سيبلغ في هذه الفترة مستويات قياسية أعلى بكثير مما هي عليه اليوم، والعائدات المطلوبة لتمويل عملية خفضه ستكون أعلى أيضاً مما هو مبيّن في المثال «التبسيطي» أعلاه، وبالتالي إن كل دولار سيدرّه استخراج الغاز سيتبخّر، في وقت ستزداد فيه قدرة هذه السلطة «المشبوهة» على افتعال المزيد من الاستدانة في ظل الضمانة التي توفّرها عائدات الغاز. إذاً، نتحدّث هنا عن عشرات مليارات الدولارات ستسخّر لخدمة الدين العام وخفض قيمته، أو بمعنى آخر، ستذهب مباشرة إلى حسابات عدد قليل جدّاً من أصحاب الثروات القابضين على السلطة الفعلية في لبنان... فهؤلاء ستزداد ثرواتهم، فيما ستزداد أكثرية اللبنانيين فقراً وحرماناً، في حين أن الدين العام سيبقى مرتفعاً وسيبقى اللبنانيون مجنّدون لخدمته!
لماذا يجب التصدّي لهذه الخطة؟ هذه ليست المرّة الأولى التي تُعتَمَد فيها هذه الطريقة للسطو على المقدّرات العامّة والخاصّة. فقد سبق أن أقرّ مجلس النواب في عام 2002 قانوناً يقضي بحصر استخدامات كل عائدات الخصخصة وبعض عائدات الضريبة بخدمة الدين العام وخفضه، وجرت محاولات حثيثة لخصخصة قطاع الاتصالات، الذي يدرّ أكثر من ملياري دولار سنوياً إلى الخزينة العامّة، كذلك اضطر اللبنانيون إلى تسديد أكثر من 120 مليار دولار كضرائب ورسوم في السنوات الـ18 الماضية لتمويل إنفاق جارٍ بقيمة 105 مليارات دولار وإنفاق استثماري بقيمة 15 مليار دولار فقط، فيما الفوائد المتراكمة على الدين العام (التي بلغت 70 مليار دولار) كانت تُموّل بالمزيد من الدين كل هذه الفترة.
هذه الأولوية المطلقة الممنوحة للدين العام هي التي أسهمت في تدهور أحوال اللبنانيين ومعيشتهم، فعندما تقول الحكومة إنها ستمنع تمويل أي مشروع من عائدات «الغاز»، فهي تعني تحديداً المشاريع التي تُسهم في زيادة إنتاجية الاقتصاد وتوليد فرص العمل وزيادة الدخل وتوفير حاجات المجتمع إلى الكهرباء والمياه والصرف الصحي والاتصالات والطرقات وشبكات المواصلات والنقل العام واستصلاح الأراضي وترتيبها والبيئة والتعليم والصحّة والسكن... بمعنى أنها تعلن سلفاً أن حاجات اللبنانيين وحاجات الاقتصاد ليست في أولوياتها إطلاقاً.
قد لا يكون اللبنانيون متفقين على أمر أكثر من اتفاقهم على أن الدين العام الملقى على عاتقهم هو «دين جائر»... لذلك وجب عليهم أن يرفضوا تحمّل تبعاته إلى ما لا نهاية. فحتى لو ارتضوا صاغرين أن يتحمّلوا كلفة خدمة هذا الدين (الفوائد) فهم غير مجبرين إطلاقاً على تحمّل كلفة تسديد أصله (70 مليار دولار حالياً والحبل على الجرار). المسألة في هذا السياق ليست «أخلاقية» فحسب، بل مسألة خيارات بالدرجة الأولى؛ ففي ظل وجود إدارة سياسية «مشبوهة» و«سيئة» لا يجدر باللبنانيين السماح باستخدام عائدات ثروة غير متجددة إلا بوصفها «راسمالاً» وطنياً، ولا يحصل ذلك إلا بتحويلها إلى «استثمارات» مجدية، أي بمنع إدخالها إلى الموازنة ومنع استخدامها في تمويل أي نوع من أنواع الإنفاق الجاري، ولا سيما خدمة الدين العام وخفض أصله، وهذا ما ينص عليه أصلاً قانون النفط الأخير الذي يحاولون الآن الالتفاف عليه.
سبق أن واجه اللبنانيون مثالاً مشابهاً يتصل بمخزون الذهب؛ إذ يكفي أن يتخيّل المرء ماذا كان سيحصل لو أن القانون يسمح لهذه الإدارة بالتصرّف باحتياطات الذهب التي يملكها لبنان، هل كان الدين العام سينخفض؟ أم كنّا سنخسر الذهب نهائياً؟ لقد ارتفعت قيمة احتياطات الذهب إلى أكثر من 15.3 مليار دولار اليوم، وهي أسهمت حتى الآن (ولو بأساليب ملتوية) بإطفاء أكثر من 10 مليارات دولار من الدين العام. ما يصحّ على مثال الذهب يصحّ أكثر على مثال الغاز... فاحذروا.
اقتصاد
الصفحة الرئيسية
تعريف بالاتحاد
الجمهورية الاسلامية في ايران
المخيم النقابي المقاوم 2013
معرض الصور
ركن المزارعين
موقف الاسبوع
متون نقابية
بيانات
دراسات وابحاث
ارشيف
اخبار متفرقة
مراسيم -قوانين - قرارات
انتخابات نقابية
مقالات صحفية مختارة
صدى النقابات
اخبار عربية ودولية
اتحادات صديقة
تونس
الجزائر
السودان
سوريا
العراق
سجل الزوار معرض الصور
القائمة البريدية البحث
الرئيسة RSS
 
Developed by Hadeel.net