الصفحة الرئيسية البحث البريد الالكتروني RSS
فلاشات إخبارية
 
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق طباعة الصفحة

مقالات صحفية مختارة > هــذه المــوازنــة!




 
   
كتب مكرم صادر في جريدة السفير بتاريخ 13-6-2012

أرسلت وزارة المال بتأخُّر قياسي جاوز السبعة أشهر مشروع موازنة العام 2012 الى مقام مجلس الوزراء الموقر، وتضمّنت هذه الموازنة، كمعظم أخواتها السابقات، كمّاً مهولاً من التشريعات الضريبية الجديدة أو المجدَّدة ومن التعديلات على الضرائب والرسوم. كما خلت من أية رؤية أو سياسة اقتصادية أو مالية أو اجتماعية تليق بكلمة سياسة.
والمأساة كل المأساة في مشروع الموازنة هذا أنه يُمعن في ضرب الاقتصاد ويُهجّر ما تبقّى من أصحاب العمل المستثمرين ويدفع المؤسسات للإقفال الطوعي أو الإفلاس مما يزيد من البطالة في بلدٍ وفي زمنٍ يحتاج فيه اللبنانيون للعمل ولكسب لقمة العيش التي باتت عزيزة مع انسداد آفاقها في أسواق العمل الدولية والاقليمية.
بدايةً، ليس مفهوماً بل مستغرباً أن تحدّد وزارة المال إجمالي نفقات موازنة العام 2012 بما يتجاوز 21355 مليار ليرة أي بزيادة نسبتُها 16% مقارنةً مع متوسط زيادة لم يتجاوز 11% في الميزانيّات المحققة في السنوات الخمس الماضية 2007 2011! وتتأكّد غرابة الإدراج بالمبالغة القصوى في النفقـات الاستثمارية والمتوقعة بمبلغ قدره 2712 مليار ليرة أي ما يوازي 13% من إجمالي الموازنة مقارنةً مع 4% للسنوات الخمس الأخيـرة! علماً أن قدرة الدولـة على تنفيذ المشاريع حتى مع نسبة عالية من التسريع الانتخابي هي قدرة محدودة. فقد استطاعت الدولة أن تنفق على الاستثمارات ما يقـارب 600 مليار ليرة سنويـاً، أي ما يقارب 400 مليون دولار في متوسط الفتـرة المذكورة. فكيف السبيل الى إنفاق 1,8 مليار دولار! وعلى افتراض أنه تمّ تطبيق الحجم ذاته من الانفاق الاستثماري على العام 2012، الذي مضى نصفه حتى الآن، نصل الى إجمالي نفقات مقدّرة بقيمة 19243 مليار ل.ل. (21355 - 2712 + 600). كما تُبالغ وزارة المالية في النفقات الجارية المدرجة إذ تجعلها بمقدار 2776 مليار ليرة أي 13% من إجمالي النفقات، علماً أن هذه النسبة لم تتخطَّ 9% في السنوات القليلة الماضية. وتقليصها الى المستوى النسبي للأعوام السابقة يخفّضها من 2776 مليار ليرة الى 1922 ملياراً فننتهي مع إجمالي موازنة بحدود 18389 مليار ليرة وهي أرقام أكثر واقعيةً. ويصبح معها الإنفاق العام 30,6% كنسبةٍ من الناتج المحلي الإجمالي. وبذلك تنسجم حصة الدولة في إجمالي الإنفاق الوطني، أي الطلب العام مع النسب المسجَّلة خلال العامين السابقين 2010 (30,4%) و 2011 (29,3%).
هذا ولم نأخذ في الاعتبار إمكان تخفيض الدعم المدرج في مشروع موازنة العام 2012 لـ«مؤسسة كهرباء لبنان» والمقدّر بـ 3242 مليار ليرة (2,2 مليار دولار!). وقد نتمكّن من تخفيض هذا الدعم إذا تأكّد تراجع أسعار النفط الى ما دون المئة دولار للفترة المتبقية من العام الجاري، وكذلك إذا حدث تعثر جزئي في انتاج الكهرباء بفعل عوامل تقنية.
إن إعادة النظر في الأرقام غير المنطقية للنفقات الاستثمارية والتشغيلية وحدها، من دون تحسين وضع الكهرباء، يخفّض العجز الى 2603 مليارات ليرة آخذين في الاعتبار ما تتوقعه وزارة المالية من ايرادات تبلغ 15786 ملياراً. مما يعني عجزاً في الموازنة تبلغ نسبته الى الناتج المحلي الإجمالي زهاء 4% فقط. وحتى لو أسقطنا من الإيرادات المقدّرة مبلغ 1700 مليار ليرة، وهي القيمة المتوقَّع تحصيلها من التعديلات الضريبية الـ 22 المدرجة في مشروع الموازنة، يبقى العجز الى الناتج بحدود 6,8%. فهل تُقدِم الحكومة العتيدة، وقد بات مشروع موازنة العام 2012 على طاولة مجلس الوزراء، على إجراء هذا التصحيح فنصبح من حيث العجز العام ضمن فئة الدول ذات مستويات العجوزات المقبولة في الزمن الراهن؟ وينتج حكماً عن تراجع العجز في الإنفاق العام تراجعٌ في عجز مدفوعاتنا الخارجية الجارية، إذ أن أكثر من نصفه يتأتّى من الإنفاق الحكومي. فنكون قد دعمنا الاستقرار المالي والنقدي في لبنان بعيداً عن الضغوط التضخمية والضغوط على سوق القطع في انتظار أن تهدأ ولو نسبياً الأحداث العاصفة بمحيطنا.
لبنان أحوج ما يكون اليوم الى هذه الإشارات الإيجابية نرسلها للأسواق. فانحسار العجز الجاري في مدفوعات لبنان الخارجية الى ما يقارب 8% من الناتج المحلي الإجمالي بدل أن يزيد عن 14% إذا استمرّ الإنفاق الحكومي عند المستويات المرسومة بعجالةٍ من قبل وزارة المالية يعني - وهذا هام جداً - تراجعاً في عجز ميزان المدفوعات ويعني - وهذا هام أيضاً - حاجة أقلّ لإجتذاب الأموال الى لبنان وتالياً انخفاضاً أكثر في معدلات الفوائد الدائنة والمدينة. إن هذا المنحى هو ما يُسمّى ولوج الحلقة الفضلى بدل الإنزلاق الى الحلقة المفرغة.
بالعودة الى بنية الموازنة، تجدر الإشارة الى أن حصة الأجور والتعويضات والتقاعد قد ارتفعت من 28,5% من إجمالي نفقات العام 2007 الى 30,2% في العام 2011. ومن المتوقع أن ترفع زيادة الأجور هذه الحصة الى 34% مع نهاية العام 2012. في المقابل، تراجعت حصة خدمة الدين، وهي البند الأهم في النفقات العامة الى جانب الأجور، من 39% عام 2007 الى 25% متوقّعة للعام 2012. وهذا التراجع في وزن خدمة الدين من إجمالي الموازنة يعود كليّاً الى انخفاض بنية الفوائد، بالرغم من كون حجم الدين العام قد ارتفع بنسبة 28% في فترة 2007 2011، أي من 63364 مليار ليرة (42 مليار دولار) الى 80887 ملياراً (53,7 مليار دولار).
وهكذا تتيح السياسةُ النقدية والمصارفُ للدولة اليوم فسحةً يمكنها أن تتنفّس عبرها من غير أن تختنق كما هي الحالُ في العديد من الدول الأوروبية العريقة، ومنها عدّاً لا حصراً انكلترا، اسبانيا، فرنسا، ايطاليا،... ومعنى التنفّس أن تدعم سياسات الحكومة النمو الاقتصادي، وهذا ممكن بشكل أساسي من خلال طريقين: يكمن الأول في الاستثمار العام الذكي والمدروس في البنى التحتية التي تساعد الاستثمار الخاص على التوسّع بدل إعاقته؛ ويكمن التوجّه الثاني في ضبط عجز «مؤسسة كهرباء لبنان». ويمكن للقطاع المصرفي أيضاً من خلال صيغ تمويلية تشارك فيها المؤسسات المالية الدولية والإقليمية، كـ«البنك الأوروبي للاستثمار» ووكالات التنمية الأوروبية والمؤسسة المالية الدولية والصناديق العربية، المساهمة في تمويل البنى التحتية. تعني الفسحة المتاحة للحكومة أيضاً أن لا تُغرِق الدولةُ المؤسساتِ بأعباء ضرائبية لا يمكنها استيعابَ ثقلها بل تُضعف تدفقاتها النقدية (Cash Flow) وتحول دون تمويل الاستثمار ذاتياً. ولجوء المؤسسات الى مزيد من المديونية لدى المصارف ضاقت فسحته لضعف قاعدة رساميل قطاع المؤسسات في لبنان. فقد باتت مديونية المؤسسات كما مديونية الدولة مرتفعة. ويترتّب على خدمتها برغم تراجع الفوائد تقليصاً إضافياً لتدفقات المؤسسات النقدية.
بخلاف مناخ الثقة والتعاون المطلوب والممكن استثماره موضوعياً بين الدولة والقطاع الخاص، يذهب مشروع موازنة العام 2012 مذهباً معاكساً تماماً من خلال استعداء كل قطاع المؤسسات ومنها المصارف، باعتماده «حزمة « من الضرائب والرسوم التي ستكون كالقّشة التي ستقصم ظهر البعير! وستكون كفيلة بتهجير المزيد من الأعمال والعاملين الى الخارج بما فيها جامعات عريقة يُراد، كونها غير تابعة للطوائف، تكليفُها على أقساط طلابها وحتى تكليف الهبات والمساعدات التي تسمح لها بالاستمرار! ويتساءل المرء كيف يستسهل مقترحو هذه الضرائب من موظفين ومستشارين التعرّض لكل مقومات الاستقرار الضريبي والعدالة الضريبية من أجل «حفنة من الدولارات» يمكن توفيرها وبمبالغ أكبر من الإيرادات الإضافية المطلوبة لو اجتهد أصحاب المقترحات فقط في تحصيل كل الضرائب المتوجّبة للدولة لدى من يتهرّبون من أدائها أفراداً ومؤسسات، وفي المناطق التي يَغيب التحصيلُ الضريبي عنها جزئياً أو كلياً. ويطال هذا المنحى في استحداث وزيادة الضرائب فقط المكلّفين والمناطق التي تسدّد ضرائبها والتي هي أقل المستفيدين من نفقات الدولة! فالى متى يستمرّ مثل هذا الواقع المجحف والظالم بحقّ فئات المكلّفين ذاتها والمناطق ذاتها؟!
يضيق المجال في تعداد المذاهب التي ذهب إليها واضعو الضرائب في مشروع موازنة العام 2012. فهل من منطق في زيادة عبء الضرائب والرسوم على اقتصاد يشكو من النمو ويعاني بشكل متزايد من انعكاسات الأحداث المحيطه به؟ بل هل يُعقل أن تعدّل أنظمة ضرائبية ظلّت مستقرة لعشرات السنوات بالشكل الواسع المقترح من ضمن مشروع موازنة بدل إعداد مشاريع قوانين منفصلة تُناقشها الحكومة مع كامل أسبابها الموجبة وترفقها بدراسات الجدوى وترسلها الى المجلس النيابي، وهو المكان الطبيعي لدراستها المعمّقة؟ ويمكن الاستماع في اللجان النيابية المختصّة الى آراء الخبراء وأصحاب المؤسسات وممثلين عن النقابات العمالية. ويمكن كذلك دراسة انعكاساتها على الاقتصاد والاجتماع اللبنانيّين في هذه اللجان بدل إمرارها في غفلةٍ من الزمن. فعلاً لا تستأهل الحاجة إلى تغطية نفقات مستجدّة أن نُلحق كلّ هذا الضرر الدائم بالاستقرار الضريبي وبالاقتصاد في بلدنا.
وفي انتظار وضع سياسة ضريبية مؤاتية لنمو الاقتصاد وعادلة للناس وللمكلّفين وللمناطق، تستطيع الجهة التي تتذرّع بضغط الوقت والحاجة الى تغطية زيادات الأجور في القطاع العام أن تقترض المبلغ المطلوب، وهو محدود قياساً الى مديونية الدولة. ولا يفاقم اقتراض محدود ولفترة محدودة مؤشرات الدين الإجمالي والعجز. فقد بلغت الأخيرة مستوياتٍ متدنية تاريخياً كنسبٍ من الناتج المحلي الإجمالي كما بيّناه أعلاه. ويُجمع الاقتصاديون أخيراً على صوابية وفعالية الإنفاق المموَّل بالدين لتحريك عجلة الاقتصاد وإخراجه من الركود. هذا هو فحوى النقاش الدائر حالياً في أوروبا حول التقشف والنمو، الذي أطاح حتى الآن بالعديد من الأحزاب في السلطة والحكومات. أفلا يتابع المسؤولون لدينا ما يجري في العالم؟! وإن تابعوا، أفلا يتَّعظون؟!

أمين عام «جمعية مصارف لبنان»
الصفحة الرئيسية
تعريف بالاتحاد
الجمهورية الاسلامية في ايران
المخيم النقابي المقاوم 2013
معرض الصور
ركن المزارعين
موقف الاسبوع
متون نقابية
بيانات
دراسات وابحاث
ارشيف
اخبار متفرقة
مراسيم -قوانين - قرارات
انتخابات نقابية
مقالات صحفية مختارة
صدى النقابات
اخبار عربية ودولية
اتحادات صديقة
تونس
الجزائر
السودان
سوريا
العراق
سجل الزوار معرض الصور
القائمة البريدية البحث
الرئيسة RSS
 
Developed by Hadeel.net