الصفحة الرئيسية البحث البريد الالكتروني RSS
فلاشات إخبارية
 
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق طباعة الصفحة

مقالات صحفية مختارة > العودة إلى الدولة ذات السيادة




كتب عبد الحليم فضل الله  في جريدة الاخبار بتاريخ 16-6-2012
شهد العالم في نهاية القرن الماضي نقاشاً واسعاً بشأن ضمور الدولة القومية، ونمو ما قيل إنها سيادة عالمية. كان تفتيت دول أو اتحادها الدليل الأبرز على اضمحلال أولى قواعد النظام القديم، وهي احترام الحدود السياسية. وهذا ترافق مع صعود الائتلافات الإقليمية الواسعة، وتشابك الأسواق المالية وزيادة حركية عوامل الإنتاج، فضلاً عن انتشار الجنات الضريبية والملاذات الآمنة للأموال الهاربة من الرقابة.
كان الاختلال الحاد في التوازن بين قطاع الأعمال والحكومات، هو أبرز الأسباب التي تقف وراء تراجع نفوذ الدول ذات السيادة. حصل ذلك في إطار تواطؤ شبه معلن بين صانعي السياسات الرسمية وبين جماعات المصالح في القطاع الخاص، وفي ظل عمليات اندماج هائلة جعلت 500 شركة متعددة الجنسيات في العالم تدير أصولاً توازي حجم الاقتصاد العالمي. بل إن 15 شركة عالمية كبرى تسيطر الآن على ما يتراوح بين 75% و95% من تجارة السلع التصديرية الأساسية.
ومع قيام الدولة بتصفية نفسها بنفسها، اتسع نطاق الوعود والآمال والأحلام التي لم يتحقق منها إلا النزر القليل. وعلى سبيل المثال لم تؤدّ الخصخصة في كثير من الأحيان إلى زيادة تدفق الاستثمارات الخاصة كما يزعم. في حالة الأرجنتين لم يتجاوز رأس المال الخاص بعد الخصخصة 2.6% من الاستثمار الإجمالي في قطاع المياه، وفي مجمل دول أميركا اللاتينية بلغ دعم الحكومات للخصخصة 46% تقريباً من مجموع أصول قطاع المياه والصرف الصحي عام 1998. ولم يقف الأمر عند تقليص مساهمة الدولة في النشاط الاقتصادي، بل تعداه ليمسّ دورها الرقابي، كما في إلغاء الكونغرس الأميركي عام 1999 قانون غلاس ــ ستيغل، مستجيباً بذلك لضغط المصارف الراغبة في مضاعفة أرباحها، عبر الدخول في ممارسات خطرة كانت ممنوعة بموجب ذلك القانون.
ويعدّ اتساع نطاق التكتلات الاقتصادية في العقدين الماضيين سبباً آخر لتقويض سلطة الدولة، حيث تتنازل هذه الأخيرة عن جزء من سيادتها لمصلحة الدول الأخرى، طمعاً بالاستفادة من العوائد الإضافية التي يولدها التكامل الإقليمي. ولم تكن التكتلات لتوجد لولا موافقة الدول الأغنى على تقديم تحويلات نقدية (أو عند الحاجة) للأطراف الأخرى التي تحتاج إلى مساعدة. والكلفة ليست زهيدة، إذ يتوقع مثلاً ان يتحمل الفرد الأوروبي الواحد حوالى 2370 يورو سنوياً، على شكل مساهمات في الصندوق الأوروبي للاستقرار، والذي يعول على زيادة رأسماله لاستيعاب الأزمات المالية والمصرفية الحادة التي تمر بها دول أوروبية عدة.
لكن ضمور السيادة القومية لمصلحة مفهوم غامض وهلامي هو السيادة المعولمة، ما كان ليتم لو لم يكن دافع التعاون بين الدول أقوى من دوافع الانقسام والنزاع، ولولا وجود طرف قادر على إدارة اللعبة الاقتصادية والسياسية في العالم هو الولايات المتحدة الأميركية، ولولا استعداد الدول لبذل بعض التضحيات من أجل تحقيق دعم النمو والاستقرار. وهذا ما نفتقده الآن؛ فالمنافسات السياسية والجيوستراتيجية تحل محل التعاون الاقتصادي الدولي، ويعاني العالم من تبعات الفشل الأميركي في عقدين داميين شهدا حوالى مئة حرب ضارية، كما يتراجع ميل الدول إلى التضامن في ما بينها في اللحظات الصعبة.
ومنذ الأزمة المالية عام 2008 عادت الحكومات إلى صدارة المشهد، دافعة إلى الخلف المصارف والشركات الكبرى. وزاد حضور التجمعات العالمية التي لا تنتقص من سيادة أعضائها (مثل مجموعة البريكس ومجموعة دول العشرين)، في حين تترنح التكتلات العالمية الأخرى القائمة على تذويب السيادة الوطنية في أوعية إقليمية أوسع (منطقة اليورو). ثم جاء الانهيار المالي ليحطم أسطورة السوق المكتفية بذاتها، فالدولة لا الأسواق الحرة هي التي تنقذ البنوك، وتضخ السيولة، وتنشئ شبكات الأمان، وتضع قواعد الإشراف والرقابة، وتعيد تعريف المخاطر، حتى إنها لم تتورع في هذا السبيل عن نقل مديونية القطاع الخاص إليها.
يعود العالم من رحلة أحلامه وأوهامه ليكتشف أن الدولة الوطنية لم تتراجع قوتها بل عُطّلت بعض قواها لصالح قوى خارجية أو داخلية. لكن الأمور تتغير، ففي الخارج فقدت العواصم الكبرى والمؤسسات الدولية العديد من أدوات الضغط والاستتباع التي كانت تمتلكها، وفي الداخل لم يجد قطاع الأعمال بداً من الاعتراف بأن الدولة هي الملاذ الأخير في الأزمات الكبرى والضامن الذي لا غنى حين تهب رياح الفوضى. لكن العامل الأهم في هذا السياق هو تدني استعداد الدول وتراجع قدرتها على تحويل مزيد من الأموال إلى الآخرين. فالاقتصادات الأقوى في الاتحاد الأوروبي مثلاً لا تقوم بما هو منتظر منها لإنقاذ الدول التي تضربها الأزمات، إما لأنها تعاني هي نفسها من مشاكل مثل فرنسا، أو لأنها لا تجد في ذلك مصلحة قومية مباشرة لها كألمانيا. ومع أن مستقبل الاقتصاد الأوروبي قاتم جداً على ما جاء في عدد الإيكونوميست الأخير، تتلكأ برلين عن المساهمة في تمويل برنامج إصلاح جذري لا بد منه لإنقاذ أوروبا من كارثة مالية تشبه إفلاس ليمان براذر. ولا يمكن حسب المجلة نفسها إقناع ألمانيا بالمساهمة إلا بعد مخاطبة المصالح المباشرة لمواطنيها، كأن يقال لهم إنهم مخيّرون بين دعم الشركاء دون تردد أو ترك اليورو يتداعى.
لم تعد دولة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية قادرة على ضبط أداء النظام العالمي ولا حتى التحكم في سياساتها الخاصة، وليس لدى بيروقراطيي البنوك المركزية، الذين تركزت لديهم معظم سلطات الدولة، ما يكفي من الذخائر لمواجهة المشكلات المستعصية. هذا يخلق فراغاً كبيراً لا يمكن ملؤه إلا بإعادة عقارب الساعة ربع قرن إلى الوراء، حين كانت الدول قادرة على رسم سياساتها بنفسها، وكان التعاون في ما بينها يقوم على أساس اقتناعات مشتركة وتوزيع منصف للمكاسب والخسائر .
اقتصاد
العدد ١٧٣٤ السبت ١٦ حزيران
الصفحة الرئيسية
تعريف بالاتحاد
الجمهورية الاسلامية في ايران
المخيم النقابي المقاوم 2013
معرض الصور
ركن المزارعين
موقف الاسبوع
متون نقابية
بيانات
دراسات وابحاث
ارشيف
اخبار متفرقة
مراسيم -قوانين - قرارات
انتخابات نقابية
مقالات صحفية مختارة
صدى النقابات
اخبار عربية ودولية
اتحادات صديقة
تونس
الجزائر
السودان
سوريا
العراق
سجل الزوار معرض الصور
القائمة البريدية البحث
الرئيسة RSS
 
Developed by Hadeel.net