الصفحة الرئيسية البحث البريد الالكتروني RSS
فلاشات إخبارية
 
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق طباعة الصفحة

مقالات صحفية مختارة > الموازنة العامة ونهضة الدولة؟





كتب اياد علي الخليل في جريدة السفير بتاريخ 2-7-2012

«الإنماء المتوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام.
العمل على تحقيق عدالة اجتماعية شاملة من خلال الإصلاح المالي والاقتصادي والاجتماعي».
اتفاق الطائف ـ وثيقة الوفاق الوطني

تتفاقم الأزمات ككرة نار، بدءاً بالكهرباء إلى المياومين والمتعاقدين وسلسلة الرتب والرواتب والبطالة المرتفعة، وخاصة في صفوف الشباب، والتدهور الكبير التي تشهده البنى التحتية، وخاصة الكهرباء والمياه التي تشكّل العصب الأساسي للاقتصاد. على الحكومة المبادرة والتصدي لهذه الأزمات عبر «خطة نهوض اقتصادي واجتماعي» كما ورد في إعلان بعبدا، حيث سياسة النأي بالنفس تصبح مدمرة اقتصادياً واجتماعياً.
الموازنة العامة أبعد من مجرّد صك حسابي لإيرادات ونفقات الدولة في سنة مالية معيّنة، يظهر مستوى العجز ونمو الدين العام، على أهميتها. هي في الأساس، أداة من أدوات الدولة الاقتصادية والمالية، لها دور أساسي في عملية استنهاض الموارد الوطنية، لتطوير وتحديث الاقتصاد وتحفيز الإنماء، عبر تأمين البنى التحتية من شبكات الكهرباء، الطرق، المياه، الاتصالات، إضافة إلى الخدمات العامة الأساسية من أمن إلى نظام قانوني وقضائي، شبكة أمان اجتماعي وصحي، كما أنها تعكس الأوليات الاقتصادية والاجتماعية للدولة.
هذا ما يستوجب على الحكومة اتباع السياسات الاقتصادية المعتمدة، للخروج من الانكماش الاقتصادي، وهي تلك التي تؤدي إلى زيادة الطلب الإجمالي، عبر زيادة الإنفاق الحكومي، خاصة الإنفاق الاستثماري، فتؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة وزيادة الطاقة الإنتاجية للاقتصاد. هذه السياسة أول ما استعملت، بعد الانهيار الاقتصادي الأكبر في التاريخ في العام 1929، في ثلاثينيات القرن الماضي خلال ولاية الرئيس الأميركي «روزفلت»، وعرفت بـ«الاتفاق الجديد» وتضمنت ثلاثة عناوين أساسية (الإعانة، الشفاء، الإصلاح)، وقد أدت في نهاية المطاف إلى نشل الولايات المتحدة الأميركية من أكبر انهيار اقتصادي، وتأمين شبكة أمان اجتماعية اقتصادية أحدثت نقلة نوعية في رعاية المواطنين.
إن معالجة مشكلة العمال المياومين في مؤسسة كهرباء لبنان والأساتذة المتعاقدين، المنتجين منهم، والزيادات المحقة لرواتب موظفي القطاع العام، والمستحقة لهم منذ زمن والمتآكلة قوتها الشرائية بعد الزيادات على الأسعار من قبل الهيئات الاقتصادية وإقرار الزيادات في القطاع الخاص، عدا أنها أصبحت بمثابة الحقوق المكتسبة وأضعف الإيمان لناحية العدالة الاجتماعية، إن ذلك يؤدي إلى زيادة في الطلب نتيجة زيادة الرواتب والأجور، يمكن أن يعوض عن انخفاض النشاط السياحي، أو في قطاعات أخرى، تنتج من أحداث المنطقة.
فهذه الزيادات في الإنفاق الحكومي لن يكون لها تأثيرات تضخمية مهمة لسببين أساسيين. أولاً، لأننا بحالة انكماش اقتصادي ولدينا نسبة بطالة مرتفعة، حيث ستؤدي إلى تدني البطالة والانتعاش الاقتصادي، أساسا. ثانياً، إن زيادة الإنفاق الاستثماري، خاصة في البنى التحتية كالكهرباء والمياه، علما أننا بحاجة كبيرة إليه، سيكون لها تأثير إيجابي مباشر على إنتاجية الاقتصاد الوطني، وتالياً انخفاض كلفة الإنتاج، الأمر الذي يؤدي إلى نمو طويل الأمد.
إن المنطق السائد منذ سنوات في أن القطاع العام لا جدوى اقتصادية له، هو منطق سطحي أثبتت محدوديته الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي ضربت أكثر الاقتصاديات تقدماً وحرية، ما استدعى من الدولة التدخل على نطاق واسع للخروج من الأزمة. حتى أن الدول التي لم تستطع حكوماتها التدخل، كاليونان بسبب القيود الناجمة عن اتفاقية اليورو التي تضع سقوفاً صعبة وجامدة على الإنفاق ونسب العجز، لا تتلاءم مع حالات الانكماش الاقتصادي، ما زالت تتخبط في أزمتها الاقتصادية، نتيجة النظرة الحسابية الضيقة لمعالجة الأزمة. وذلك وفقاً لرأي أبرز الاقتصاديين في العالم (كروغمان، ستيغليتز، روبيني) والأحزاب السياسية في أوروبا، كالحزب الاشـتراكي الحـاكم في فرنــسا.
كما يقال أيضاً ان الرواتب والأجور وملحقاتها تستنزف الخزينة علماً، أنها تشكل حوالي 22% من إجمالي النفقات العامة، بينما تشكل خدمة الدين العام 25% من هذه النفقات التي تذهب بمعظمها كأرباح للقطاع المصرفي.
إذا ما نظرنا إلى نسبة الرواتب والأجور وملحقاتها من تقديمات اجتماعية وصحية، إضافة إلى مرتبات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة، إلى الناتج المحلي الإجمالي، نجد أن هذه النسبة لا تتجاوز الـ7% فقط في لبنان، بينما تصل إلى ثلاثة أضعاف ذلك في قبرص مثلاً، أي 22%، مع العلم أن حجم القطاع العام في قبرص يشكل حوالي 43% من حجم الناتج المحلي الإجمالي بينما لا يتعدى في لبنان 33%.
أما كيف نغطي هذه النفقات الإضافية، كي لا يزيد العجز وخدمة الدين التي أصبحت تستنزف قسماً كبيراً من الأموال العامة؟
لا تؤدي جميع الزيادات الضريبية إلى الانكماش الاقتصادي، كما يقال، خاصة أنها ستتحول إلى زيادة في الإنفاق العام. إن الضرائب غير المباشرة، كالضريبة على القيمة المضافة، هي تلك التي يمكنها أن تؤثر سلباً على النشاط الاقتصادي عندما تكون مرتفعة، لأنها ستؤدي إلى زيادة أسعار السلع، وبالتالي إلى تآكل القوة الشرائية لذوي الدخل المحدود والفقراء خاصة، وانخفاض الطلب.
المنطق الاقتصادي وأبسط معايير العدالة الاجتماعية تقول بزيادة الضرائب المباشرة على الدخل والأرباح، خاصة على الشطور المرتفعة. فعلى العكس مما تصور الهيئات الاقتصادية العبء الضريبي على الدخل والأرباح في لبنان ما زال منخفضاً، حيث تشكل نسبة 20% من مجمل الإيرادات العامة، وما يقارب نسبة الـ3,5% من الناتج المحلي الإجمالي فقط، بينما تصل هذه النسبة في «الجنة الضريبية القبرصية» إلى 5,11%، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما هي عليه في لبنان! لا تتعدى ضريبة الدخل، في لبنان الـ15%، بينما تصل إلى 35% في الولايات المتحدة الأميركية. فمن الطبيعي والبديهي، أن تقوم الحكومة بزيادة الضرائب المباشرة على الدخل والأرباح لتصل في الشطور المرتفعة إلى 35%، علماً ان الدورة الاقتصادية لا تستفيد كثيراً من الثروات المرتفعة القابعة في المصارف، خاصة أن لدى لبنان فائضاً في الودائع المصرفية.
تشكل نسبة الضرائب غير المباشرة التي يقع عبئها الأكبر على ذوي الدخل المحدود والفقراء، ما يقارب الـ11% من الناتج المحلي الإجمالي، و64% من الإيرادات وتذهب بمعظمها لتمول أرباح المصارف.
بالإضافة إلى ذلك، إن أفخم الفنادق في الوسط التجاري تحصل على إعفاءات ضريبية كاملة على الدخل والأرباح لعشرات السنوات، والأفظع، أن المعتدين على الأملاك البحرية على كامل الشاطئ اللبناني تصل مساهمتهم الضريبية إلى 0%!
من الواضح أن العبء الضريبي في لبنان يقع أساسا على ذوي الدخل المحدود والفقراء. بالطبع هذا لا يبرر أن لا يدفع الجميع الرسوم والضرائب المتوجبة عليهم من الكهرباء إلى المياه إلى الميكانيك... لأنهم سيدفعونها أضعافاً مضاعفة إلى أصحاب المولدات، طبعاً بنوعية سيئة جداً، عندما تتعطل المرافق العامة.
هل ستبادر الحكومة، وتنهض الدولة من كبوتها الطويلة، قبل أن يقع السقف على الجميع، أم ستبقى رهينة الطوائف وقطاع الطرق، وأصحاب المصارف والكسارات والمعتدين على الأملاك البحرية، الذين يستنزفون الثروات الوطنية والأملاك العامة، ويستنزفون الدولة التي يطالبون بها ليلاً نهاراً، ولا يريدون دفع الضرائب لتقوم الدولة بالأعباء الملقاة على عاتقها؟! ما هكذا تبنى الدول والأوطان.

([) أستاذ جامعي في الاقتصاد
الصفحة الرئيسية
تعريف بالاتحاد
الجمهورية الاسلامية في ايران
المخيم النقابي المقاوم 2013
معرض الصور
ركن المزارعين
موقف الاسبوع
متون نقابية
بيانات
دراسات وابحاث
ارشيف
اخبار متفرقة
مراسيم -قوانين - قرارات
انتخابات نقابية
مقالات صحفية مختارة
صدى النقابات
اخبار عربية ودولية
اتحادات صديقة
تونس
الجزائر
السودان
سوريا
العراق
سجل الزوار معرض الصور
القائمة البريدية البحث
الرئيسة RSS
 
Developed by Hadeel.net