لم يكن اعتصام العاملين في «مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي» في بيروت أمس، احتجاجاً على التأخـــير في دفع رواتبهم فحسب، بل جاء في المقام الأول، تعبيرا عن قلقـــهم من المصير المجهول الذي ينتظر «مستشفى الفقراء»، وفق تعبيرهم. ويشدد العاملون الثابتون والمياومون البالغ عددهم حوالي 1057 موظفاً، على ضرورة تدخل الحكومة لانقاذ المستشفى والعاملين فيها، مطالبين بحلّ جذري للمشكلة المادية المتفاقمة، وتنفيذ مطالبهم التي أقرّتها الإدارة. ويسأل مسؤول «لجنة المياومين في المستشفى» محمد بخاري: «إذا توفرت الأموال لدفع رواتبنا عن الشهرين الماضيين، ماذا عن الشهر المقبل، فهل سنعيش مجددا في الدوامة نفسها؟»، مضيفا «إذا الدولة تريد استمرار عمل المستشفى فلتدعمــها، أو عاجزة عن ذلك فلتقفلها». ويحذر بخاري عبر «السفير» من أن «العاملين جميعا، متجهون للاعتصام المفتوح، في حال لم تتبلور الأمور مع الجهات المعنية عن المستشفى، وتطبيق قانون العمل، وايجاد حل لتأخر دفع الرواتب»، مطالباً في الوقت نفسه «بفصل رواتب العاملين عن تحصيل فواتير المستشفى من وزارتي المال والصحة». ويوضح أن العاملين في المستشفى ومنهم حوالي 485 عاملاً مياوما، «سيستمرون في تحركهم السلمي باستثناء متابعة الحالات الطارئة والعمليات، حتى تحقيق جميع مطالبهم التي أقرّها مجلس إدارة المستشفى، ومنها: اعطاء العاملين زيادة غلاء المعيشة التي أقرتها الحكومة في شباط الماضي، ودفع المنح المدرسية، ونشر تعميم ينصّ على استفادة الجميع من تقديمات الضمان الاجتماعي وإعطائنا إفادات عمل بذلك، واعطاء المياومين خصوصاً، كامل الإجازات حسب قانون العمل». وإذ تبدو الأزمة لا تقتصر على عدم امكانية الإدارة من الالتزام بدفع الرواتب في وقتها المحدد فقط، تشير مصادر المعتصمين لـ«السفير» إلى أن «إدارة المستشفى ملزمة بدفع حوالي ألف دولار يومياً لتوفير المياه العذبة، فضلا عن فاتورة بقيمة أربعة مليارات ليرة ثمن مازوت لم تدفع حتى تاريخه»، مضيفة أن «تحركهم لا يهدف إلى عرقلة عمل المستشفى، بل كل ما يطالبون به هو تحصيل حقوقهم»، معربين في الوقت نفسه، عن استعداداهم «لتقديم أية مساعدة لئلا تصل المستشفى إلى الافلاس».
«وعدنا بحل ولا زلنا ننتظر»
ولم يكن مدير عام المستشفى الدكتور وسيم الوزان بعيدا عن هذه الأجواء، كذلك لم يتهرب من تحمل المسؤولية، كونه «مديراً للمستشفى»، ويرى أن «المشكلة الأساس تكمن في التعرفة الاستشفائية المتدنية مقابل الدور الذي تؤديه المستشفى لعلاج المرضى»، مشيرا إلى أن «الملفات خضعت أكثر من مرة للمراقبة والتقييم من الجهات المعنية، ولم تجد فيها أي خلل، ووعدنا بايجاد حلّ، ولا زلنا ننتظر». وبعدما يؤكد الوزان لـ«السفير» أن «مشكلة رواتب الموظفين والمياومين قد حلّت، بحيث سيستلمون رواتبهم خلال هذين اليومين»، يفيد أن «الإدارة ملتزمة بقانون العمل اللبناني، وتقدم إفادات عمل لكل العاملين في المستشفى، بهدف الاستفادة من تقديمات صندوق الضمان، أما بالنسبة للمياومين، فطلبنا رأي وزارة المال، فأفادتنا أنه لا يمكننا دفع اشتراكات الضمان لهم، لكن وعلى الرغم من ذلك، قررنا مخالفة رأي الوزارة، ليستفيد المياومين من الصندوق». ويلفت الانتباه إلى أنه «حــذّر أكــثر من مرة عبر رسائل لرئيسي الجمهورية والحكــومة، من تدهور وضع المستشفى، وحاجتها الملحة للدعــم المادي». ويقول: «أطالب بمعالجة جذرية للموضوع، فالــوضع لم يعد يحتمل».
«هجرة ممرضين إلى أماكن أخرى»
ويعتبر الوزان أن «القصة كلها تكمن في المشكلة المادية»، لكنه لم ينف في الوقت نفسه، من وجود مشاكل «تتعلق ببعض الأمور الإدارية الصغيرة، لكن هذه لا تسبب بوقوع المشكلة نفسها دائما». ويضيف «الجميع يشهد أننا نقدم الطبابة والخدمة لكل الناس، لكن هذه لها كلفة معينة، لا نحصل عليها في المقابل، ما أدى إلى اتساع الخلل، وهجرة ممرضين وممرضات وموظفين للعمل في أماكن أخرى». ويقدّر عدد الذين تركوا العمل في المستشفى، في الشهرين الأخيرين، وفق مصادر العاملين، بحوالي 150 شخصاً، وذلك لعدم وجود استقرار وظيفي. ويرى الوزان أن الحل الذي يسعى إليه يحتاج إلى وقت، أقله شهر، ليتمكن من دفع الرواتب من مصادر أخرى منها الدفع النقدي، وتسدد الادارة في المقابل، الأموال التي تتلقاها من قبل وزارة الصحة والبالغة حوالي 70 في المئة من مدخول المستشفى، فواتير أخرى متوجبة عليها. في المقابل، يحدد أحد العاملين في المستشفى مكمن الخلل بوجود هوة واسعة بين ايرادات المستشفى ووارداتها، «ويزداد هذا الوضع تفاقما، مع التأخر في تحويل وزارة الصحة أموال الفواتير بسبب البيروقراطية الإدارية»، كاشفاً أن «عدد الأسرّة العاملة في المستشفى تقلصت من 400 إلى 200 سرير، لعدم توفر المعدات اللازمة والنقص الفادح في بعض التجهيزات والأدوية، وغياب الصيانة». ويشير إلى أن «وزير الصحة سعى أخيراً، لعلاج المشكلة، عبر جدولة العجز المالي المــتراكم منذ انشاء المستشفى والبالغ، وفق أرقام غــير دقــيقة، حوالي 100 مليار ليرة، وبرمجــة الدفع. وتمكــنت الوزارة فعلاً، من تأمين سلفة قيمتــها 6 مليارات لــيرة للمستشفى، على أن تحسم وزارة المال 40 في المئة شــهريا من المداخيل لسدّها. لكن العائــدات لا تكاد تكفي لتسديد الرواتب، فكيف سيصار إلى الحسم منها أيضاً؟».
بيان لجنة الموظفين والمياومين
وكانت العاملون في المستشفى قد نفذوا أمس، اعتصاما منذ الساعة الثامنة صباحاً، وأصدرت «لجنة الموظفين والمياومين في المستشفى» بياناً دعت فيه إلى «إيجاد حل جذري ونهائي لمشكلة الرواتب، ودفع جميع المستحقات من الزيادة المستحقة منذ 6 أشهر، إضافة إلى المنح المدرسية والأعمال الإضافية للممرضين». وحثّ البيان على «ايجاد آلية تحرر رواتب المستخدمين من المشكلة المالية التي تعاني منها المستشفى، والتي لا دخل للموظفين بها، والتي أوصلت الإدارة الحالية من مجلس إدارة ومستشارين، إلى رؤساء مصالح ودوائر إلى هذا العجز، نتيجة صفقات، وصرف مشبوه كالدين البالغ 100 مليار ليرة». وطالبت اللجنة بـ«تصحيح وضع المياومين من خلال تطبيق قانون العمل، والنظر إلى الوضع والخدمات الصحية التي تقدمها المستشفى، لمختلف فئات المجتمع اللبناني، حيث تدنت هذه الخدمة بسبب غياب المراقبة الجدية على بعض الأطباء والموظفين، وعدم اعطاء الممرضين حقوقهم وغياب الأدوية، والصيانة العادية والصيانة الطبية، حيث باتت معظم معداتنا متوقفة برغم عقود صيانة لشركات ورواتب ومكافآت». وناشدت رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، ووزيري الصحة والمال، «ايجاد حل جذري من أجل إعادة المستشفى إلى وضعها الطبيعي ومحاسبة المسؤولين عن هذا الهدر».