اخبار متفرقة > سليمان: مساهمة القطاع في الناتج المحلي زادت إلى 6,5%
العقلية الفردية وضحالة الثقافة التعاونية تعرقلان تنمية الزراعة اللبنانية
كامل صالح : السفير 16-10-2012
يشبه تعثر العمل التعاوني الزراعي في لبنان، أزمة إدارة الدولة ومعالجة المشاكل التي تتفاقم اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً. فالمشروع التعاوني الاجتماعي الذي يوازي بين تلبية احتياجات أعضائه، والسعي إلى تحقيق الربح والاستدامة، يمكن وضعه في خانة المشهد السياسي المتأزم بسبب العقلية الفردية التي تريد الاستئثار بكل شيء. ولعل المقاربة تكون أدق، عندما يلحظ أن «التعاونية» هي «جمعية من نساء ورجال يشكلون معاً مشروعا يدار ديموقراطيا بشكل مشترك، ولا يكون توليد الأرباح غير جزء من هدفه»، إذ يفترض أن «تعطي التعاونيات الأولوية للناس قبل الربح، كما أنها تساعد أعضاءها على تحقيق أهدافهم المشتركة وتطلعاتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية». يأتي هذا الحديث عن أزمة العمل التعاوني الزراعي في لبنان، بمناسبة احتفال العالم بـ«يوم الأغذية العالمي»، واضعا هذه السنة شعارا «التعاونيات الزراعية تغذي العالم»، ليسلط من خلاله الضوء على دور التعاونيات في تطوير القطاع الزراعي وتنميته. وشارك لبنان بهذه المناسبة، عبر حفل رعاه رئيس الجمهورية ميشال سليمان، نظمته وزارة الزراعة و«منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة» (الفاو) في قاعة قصر الأونيسكو أمس. فبعدما شدد سليمان في الحفل أن «الغذاء حق لكل إنسان، وحاجة أساسية كالماء والهواء، ولا يجوز أن يكون هناك من يعانون النقص في الغذاء»، رأى أن الأزمة المالية العالمية أخيرا «كشفت أهمية ارتكاز اقتصاد الدول على القطاعات المنتجة، وتحديدا الزراعة والصناعة»، و«يفترض في هذا المجال التخطيط لتصويب الأموال لتأمين المواد اللازمة من مواد غير مضرّة بالبيئة». وإذ أكد أن إسرائيل لم تتوقف منذ إنشائها عن اللجوء إلى العدوان، ومختلف الممارسات التعسفية ومنها تخريب مساحات زراعية شاسعة واقتلاع عشرات آلاف الأشجار وحرق البساتين وذلك لتهجير المزارعين وأهالي قرى بكاملها، للتوسّع وفرض الأمر الواقع. سأل: أليس زرع القنابل العنقودية والألغام في أرض الجنوب شكلاً من أشكال الاحتلال المقنّع؟
الأمن الغذائي المسؤوليّة الأولى للدول
وشدد سليمان في الحفل الذي حضره حشد من المسؤولين الدوليين والوزراء والنواب والسفراء والمعنيين بالقطاع الزراعي وشخصيات سياسية واقتصادية ووفود من المناطق، على أهمية أن «تسود المنظمات الدولية مناخ العدالة الاجتماعية، لاسيما صندوق النقد الدولي»، معتبرا أن «تأمين الأمن الغذائي يبقى المسؤولية الأولى للدول عبر تطوير الإنتاج الزراعي وتشجيعه وتحديثه، والحدّ من حالات الحرب والنزاعات المسلّحة، وتنمية ثقافة سلام مبنيّة على روح العدالة وبلورة آليات جديدة تسمح بفرض احترام شرعة الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية، وإرغام الدول التي تلجأ إلى العدوان والاحتلال على التراجع والانصياع للإرادة الدولية». وأشار إلى أن «الدولة مدعوة إلى اجتراح التشريعات الحديثة للتماشي مع الواقع الغذائي». وعلى الرغم من إشارته إلى أهمية حصتي «التجارة والخدمات في اقتصاد لبنان»، دعا إلى ضرورة عدم إغفال القطاع الزراعي الذي يعتبر المدماك الأول والرئيس في تأمين الأمن الغذائي، فضلاً عمّا يسمح به من ربط المواطن بأرضه وتراثه»، كذلك دعا إلى «المثابرة واقتراح التشريعات لتنمية القطاع»، مؤكدا أن «دعم القطاع وتنمية الريف يجب أن يرتكزا إلى سياسات زراعية وتنموية». وإذ أعلن أن نسبة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي زادت من أقل من خمسة في المئة إلى 6,5 في المئة هذه السنة، أشار في الوقت نفسه، أن «المزارع اليوم أصبح بحاجة إلى اللجوء إلى التعاونيات، لتؤمن له التسويق، خصوصا في عصر العولمة».
خطوط عريضة لدعم المزارع
وسعى سليمان عبر كلمته، إلى وضع خطوط عريضة لدعم المزارع اللبناني أمام ما يواجهه من منافسة خارجية قوية، منها: وضع سياسات ترفع من مستوى المزارعين والتعاون في هذا الخصوص مع المصارف، وحل مشكلة نقل المحاصيل إلى الأسواق بكلفة مخفّضة، و«ضرورة التفكير بإجراء دراسات معمّقة لأسباب ضعف التصدير من أجل إزالة العقبات أمام دخول المنتجات الزراعية الأسواق الأجنبية»، و«التفكير بمنتجات جديدة»، و«كون مساحة لبنان الزراعية صغيرة، فمن الضروري تشجيع البحوث والدراسات لتطوير زراعات جديدة، وعلينا التركيز على نوعية الإنتاج». كما شدد على أهمية تفعيل دور الرقابة على المنتجات. وفيما لاحظ أن «أغلبية المناطق الفقيرة هي في مناطق زراعية»، أوضح أن الدولة «بدأت تطبيق إستراتيجية النهوض في القطاع الزراعي منذ العام 2010»، مشيرا في هذا السياق إلى العديد من المشاريع بهدف اعطاء المزارع اللبناني قدرة الاتكال على نفسه وللاستغناء تدريجيا عن الدعم. ورأى أنه «لا يمكن فصل الأمن الغذائي عن موضوع بالغ الأهمية هو سلامة الغذاء»، مؤكدا أن «صحة المواطن تبقى من أولى اهتماماتنا»، ومتمنيا أن «يكون هذا اليوم للحدّ من الفقر».
«إذا تعاونت معك أستفيد وتستفيد»
وبعدما ربط سيلمان «تطوير الأمن الغذائي» بـ«الحدّ من النزاعات، وتأمين ثقافة مبنية على التعاون»، يرى وزير الزراعة د. حسين الحاج حسن أن «الزراعة في لبنان تواجه تحديا كبيرا، وهو ضعف الثقافة التعاونية». ويوضح الحاج حسن لـ«السفير» على هامش الاحتفال أن «هناك مشكلة بالعقلية اللبنانية، ونحتاج إلى تربية تعاونية، والاقتناع أنه إذا تعاونت معك أستفيد وتستفيد». ويلفت الانتباه إلى أن «انشاء التعاونيات مهمة سهلة وبسيطة، لكن المشكلة هي أن تجعلها تعمل»، مشيرا في هذا السياق إلى أن «هناك تعاونيات لم تفعل شيئا، برغم أن عمرها أكثر من 40 عاما». ويؤكد الحاج حسن أنه أقدم أخيرا على إنهاء عمل حوالي 400 تعاونية لا تعمل، من أصل حوالي 1300 تعاونية. وعلى الرغم من عدم وجود رقم دقيق لعدد التعاونيات وعدد الأعضاء المنتسبين إليها، يشير إلى أنه من الخطط التي وضعتها الوزارة لتفعيل العمل التعاوني، و«اقناع المزارع اللبناني أن التعاونية مصلحة له»، وضع «حوافز بقيمة حوالي ثلاثة مليارات ليرة تستفيد منها 150 تعاونية منتشرة في كل المناطق»، إضافة إلى مليوني دولار لدعم قطاع الحليب، والمبلغ نفسه لدعم قطاع الزيتون بالمعدات اللازمة. لكن وعلى الرغم من تقديم المنظمات الدولية ملايين الدولارات لدعم القطاع والعمل التعاوني، يقول الحاج حسن: «يبقى هناك مشكلة تشغيل هذه المعدات وإدارتها وتفعيلها»، لذا «تنظم الوزارة العديد من الدورات التدريبية لمعالجة هذا الوضع، وتعزيز مفهوم الثقافة التعاونية بين المزارعين».
«عهد الزراعة»... «حكومة الزراعة»
وفي الحفل، استهل الحاج حسن كلمته بالقول: «يمكن أن نطلق على هذا العهد عهد الزراعة، وعلى هذه الحكومة حكومة الزراعة». ورأى أن دعم رئيس الجمهورية والحكومة المستمر للقطاع الزراعي «أثمر تغييراً جذرياً وبنيوياً في هذا القطاع من خلال إستراتيجية النهوض بالقطاع»، موضحا في هذا السياق «العمل على تحديث واصدار عدد كبير من التشريعات اللازمة من القوانين والمراسيم والقرارات»، و«تطوير هيكلية الوزارة»، و«زيادة موازنتها من 41 مليار ليرة في العام 2009 إلى 102 مليار ليرة في العام 2013»، و«زيادة موازنة القطاع الزراعي من 120 مليار ليرة إلى 320 مليارا، وذلك من خلال دعم القطاعات الإستراتيجية»، إضافة إلى «برامج عديدة مع جهات إقليمية ودولية تنفذ من خلال القروض والهبات التي وصلت قيمتها في الأعوام الثلاثة الماضية إلى حوالي 103 ملايين دولار». وبعدما عدد بعض هذه المشاريع والبرامج، أكد أن «الوزارة قطعت شوطاً كبيراً في اتجاه الأهداف الأساسية لإستراتيجيتها، والتي تتمثل في: زيادة نسبة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي، زيادة مساهمة القطاع الزراعي في تأمين فرص العمل، خصوصا للشباب والنساء، زيادة نسبة الأمن الغذائي للمحاصيل الإستراتيجية، تحسين مستوى سلامة الغذاء، تقليص العجز في الميزان التجاري الزراعي والغذائي». وشدد على ضرورة العمل على تحقيق شعار «التعاونيات الزراعية تغذي العالم» في لبنان، بسبب «ارتفاع كلفة الانتاج المرتبطة بكلفة الطاقة واليد العاملة والمدخلات الزراعية وكلفة الأرض من جهة، ولانخفاض متوسط مساحة الحيازة الزراعية التي تبلغ 1,3 هكتار من جهة أخرى»، مشيرا إلى أن «هذه المعوقات لا تحل إلا مـن خلال التعاونيات». وكان الاحتفال بـ«يوم الأغذية العالمي» قد استهل بعرض فيلمين وثائقين؛ الأول لمنظمة «الفاو» تحت عنوان «التعاونيات الزراعية تغذي العالم»، والثاني لوزارة الزراعة تحت عنوان «انجازات وزارة الزراعة اللبنانية». وقرأ ممثل المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة في لبنان (الفاو) الدكتور علي مومن رسالة مدير عام المنظمة خوسيه غرازيانو دا سيلفا احتفاء بيوم الأغذية، كما كانت هناك كلمة للمنسق المقيم للأمم المتحدة في لبنان روبرت واتكنز.