بعد 12 سنة أموال المساهمين والمودعين في مهبّ الريح
الاخبار 8-11-2012 12 سنة مرّت على انفجار أزمة تعاونيات لبنان (coop). يومها ضاعت أموال المساهمين والمودعين في مهبّ الريح. هؤلاء وظّفوا مدخرات بقيمة 38 مليون دولار، ثم ناضلوا عقداً ونيّف للحفاظ عليها. اليوم، يواجهون المصير نفسه بعدما انفجر اللغم الذي زرعته السلطة في الحلّ المنتظر محمد وهبة لم تكد تخرج تسوية «تعاونيات لبنان» من «برّاد» السلطة السياسية، بعد 12 سنة من الانتظار، حتى انفجر فيها لغم قد يطيح جهود كل هذه السنوات وآمال أصحاب الحقوق. فالفقرة (ج) من المادة الثالثة من القانون 109 ربطت سداد أموال المودعين والمساهمين بموافقة كل الدائنين، بمن فيهم المساهمون والمودعون والمورّدون والمصارف. وفي حال «تمنّعهم أو تمنّع أي منهم تسقط التسوية برمتها». المحظور وقع خلال الأيام الماضية حين تقدّم مصرف شمال أفريقيا، وهو الدائن الأكبر، بكتاب خطي يعلن فيه رفضه للتسوية. أطاح هذا المصرف آمال المساهمين والمودعين الذين لم يسأل عنهم ممثلوهم السياسيون، فهناك 90% من رأس المال يملكه سنّة بيروتيون وفلسطينيون، والباقي هو حصّة شيعية ومسيحية ودرزية. الحلّ اليوم بيد مجلس الوزراء ومجلس النواب لتعديل هذه الفقرة، فهل يستجيب رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي للأمر؟ حلّ بعد 12 سنة عندما انفجرت أزمة «تعاونيات لبنان» (coop) في عام 2000، تكشّف وجود سوء إدارة أدّى إلى الادعاء عليها بالإفلاس الاحتيالي. الرواية التي تتقاطع عناصرها مع أكثر من مصدر تشير إلى أن هذه المؤسسة التعاونية جُرّت إلى الانفجار بعد توسع غير مدروس أفقدها مرونة مواجهة أي مشكلة تجارية أو مالية، فيما كان «ينبت» على ضفافها «كونتوار مالي غير شرعي» تحوّلت نتيجته لاحقاً إلى ما يُعرف اليوم بـ«المودعين» الذين أصبحوا من أصحاب الحقوق، إلى جانب المساهمين. وبالإضافة إلى ذلك، لم يكن يرق الزعامة البيروتية المستجدة، آنذاك، أن تتحوّل هذه المؤسسة «البيروتية الملكية»، إلى إمبراطورية تجارية في بيروت والمناطق، فضلاً عن أنها كانت عبارة عن كتلة مالية ضخمة تتحرّك يومياً بعشرات ملايين الليرات. مرّت 10 سنوات على اندلاع الأزمة، حتى تبلور الحلّ الذي أقرّ في تموز 2010 بالقانون رقم 109. يجيز هذا القانون لوزارة المال «إنجاز تسوية شاملة ونهائية مع أصحاب الحقوق في الجمعية التعاونية والاستهلاكية في لبنان (coop)». التسوية تتضمن إعطاء هذه الجمعية سلفة مالية بقيمة 75 مليار ليرة (50 مليون دولار) لتعويض المساهمين والمودعين بنصف هذه السلفة، بنسبة لا تقلّ عن 65% من قيمة الحق المصرّح به والمدقق، والنصف الثاني للموردين والمصارف وسائر أصحاب الحقوق. ولحظت المادة الثانية من هذا القانون إنشاء لجنة موقتة لإدارة تعاونيات لبنان من 7 أشخاص، فعيّن مجلس الوزراء محيي الدين دوغان، ابن الطريق الجديدة، رئيساً لها مع 6 أعضاء موزّعين طائفياً وسياسياً (1 حركة أمل، 1 اشتراكي، 2 للتيار العوني، 1 للرئيس ميقاتي، و1 للوزير محمد الصفدي). تفكيك اللغم في الجلسة الأولى، التي دعا دوغان إلى عقدها، «قلت كلاماً عن ضرورة تعديل الفقرة (ج) التي تعدّ بمثابة لغم في القانون 109 والتي تضع أموال المساهمين والمودعين على محكّ موافقة الدائنين، لا بل إن هذه الفقرة كانت تعني أن القانون وُضع لكي لا يطبّق». يرفض دوغان الدخول في الكثير من التحليلات التي أدّت إلى «زرع» هذه الفقرة في القانون، لكنه يصرّ على ضرورة تعديلها لفصل «حقوق المساهمين والمودعين عن باقي أصحاب الحقوق من مورّدين ومصارف». وفي رأيه الاقتراح البديل هو أن «تعطى نصف السلفة والتي قيمتها 25 مليون دولار للمساهمين والمودعين الذين أثبتوا حقوقهم ووافقوا على التسوية، بصرف النظر عن موقف المورّدين والمصارف من الأمر». من المستهدف؟ يجزم دوغان بأن هذا الحلّ الذي «قدمنا اقتراحنا بشأنه إلى وزير الزراعة، الذي رفعه بدوره إلى مجلس الوزراء، يمنح المساهمين والمودعين، وفق المعطيات المتوافرة اليوم، ما نسبته 75% من قيمة رأس مالهم». كلام دوغان مبني على المعطيات المتوافرة في إدارة تعاونيات لبنان. فبحسب مصادر مطلعة هناك، «فُتح سجلّ لإثبات الحقوق والموافقة على التسوية في 19 آذار 2012 وأقفل في 18 أيلول 2012، وسجّل فيه نحو 6000 مساهم و400 مودع و70 تاجراً». وتبلغ قيمة الإيداعات والمساهمات المسجّلة نحو 90% من رأس المال البالغ 38 مليون دولار، فيما سجّل التجّار السبعون ما نسبته 10% من قيمة الديون التجارية، علماً بأن الديون الحالية على تعاونيات لبنان تبلغ 70 مليون دولار، فيما كانت هناك ديون بقيمة 11 مليار ليرة على صندوق الضمان الاجتماعي، جرى إيفاء 8 مليارات ليرة منها. لكن، من هم أصحاب الحقوق؟ المساهمون والمودعون هم في غالبيتهم من أبناء العائلات البيروتية المقيمة في الطريق الجديدة من آل عيتاني وطبارة ودوغان والرفاعي... وتضاف إليهم عائلات فلسطينية مقتدرة، وبعض العائلات من الجنوب والبقاع، وعدد أكبر من عائلات الجبل. وبحسب معطيات أكيدة، فإن صغار المساهمين الذين تقلّ مساهماتهم وإيداعاتهم عن 15 مليون ليرة هم الغالبية، وهناك قلّة لا تتجاوز 40 شخصاً تتجاوز إيداعاتها مبلغ 100 مليون ليرة. أما المصارف الدائنة، فعددها 12 مصرفاً، أكبرها مصرف شمال أفريقيا الذي يطالب بنحو 12 مليون دولار وحده، بالإضافة إلى مصارف أخرى مثل بلوم بنك وفرنسبنك... أما التجّار فهم المورّدون المعروفون في السوق.