متفرقات > دراسة hالوزير نحاس حول انعكاسات "السلسلة" المالية والاقتصادية:
الوفاء : 9-11-2012
ارتفاع في الدين العام ومعدل التضخم وزيادة في عجز الموازنة.. وتمويلها عبر الاستدانة يؤثر سلباً في سعر الصرف واحتياط العملات
أظهرت الدراسة الإقتصادية ـ المالية التي وزّعها وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس على الوزراء المشاركين في جلسة مجلس الوزراء اول من امس، حول "انعكاسات السلسلة على الوضعين المالي والاقتصادي"، مدى التأثيرات السلبية لزيادة رواتب واجور القطاع العام على الاقتصاد اللبناني، حيث "يتخوّف الكثيرون من ان يدخل الاقتصاد اللبناني في حلقة مفرغة تتمثل في تراجع الانتاجية، وانخفاض المداخيل العامة مما سيدفع الخزينة الى تكبير الاقتراض وبالتالي رفع الفوائد على القطاعات الانتاجية". وقدرت الدراسة ان يصل النمو في العام 2012 الى 1،5 في المئة، وقالت ان موضوع زيادة الاجور يتعارض مع الاتجاهات العالمية المتمثلة حالياً بتقليص النفقات الجارية والعجز في الموازنة العامة وحجم الدين، وذلك في ظل استمرار تفاقم الازمة المالية في اقتصادات الدول الكبرى. كذلك يمثل التغيير المقترح في سلسلة الرتب والرواتب سياسة مالية توسعية قد تم اعتمادها خارج اي اطار واضح لاعادة هيكلة القطاع العام واصلاح الخدمة المدنية بما يحقق تعزيز الاداء والانتاجية. وقالت الدراسة انه ستكون للتغيير المقترح في سلسلة الرتب والرواتب تداعيات مهمة على الخزينة، تراوح قيمتها المقدّرة بين 1،2 و1،7 مليارات دولار اميركي. هذا بالاضافة الى ان زيادة بهذا الحجم لا بد من ان تؤثر في الوضع الاقتصادي بشكل حثيث، خصوصاً ان الاقتصاد يواجه حالياً ضغوطاً شديدة نتيجة تأثر لبنان بالازمة السورية وانعكاساتها على الوضع الامني. كما تتمثل التداعيات المحتملة لهكذا ارتفاع ايضا بدفع التضخم نحو منحى تصاعدياً، وما يتبعه من اتّساع في عجز الميزان التجاري. كما انه في حال غياب اجراءات قوية وقابلة للتحقيق لدعم الايرادات سيرتفع حجم العجز في الموازنة العامة، وينعكس مباشرة على حجم الدين العام، زد على ذلك ظهور منحى تصاعدي في اجور القطاع الخاص مما يؤثر على البطالة والتشغيل. وترتدي مقاربة كافة التأثيرات الاقتصادية والمالية والنقدية لهذه الزيادة أهمية قصوى بسبب تأثيرها على قدرة الحكومة على التزامها بتعهداتها في البيان الوزاري لجهة اعادة تأهيل البنى التحتية والتجهيز واجراء الاصلاحات البنيوية اللازمة لدفع عجلة الاقتصاد وتأمين الرفاه الاجتماعي. اما بالنسبة لمصادر التمويل فتتمحور النقاشات الحالية حول كيفية تمويل الزيادة المقترحة على الرواتب والاجور، إما من خلال حزمة من الزيادات الضريبية او من خلال تفاقم حجم الدين العام، واحلى الخيارين مرّ. فأي زيادة في الضرائب في غياب الاصلاحات اللازمة في النظام الضريبي لها انعكاسات سلبية على الصعيدين الاقتصادي والمالي، اذ ان حزمة الضرائب الجديدة اللازمة لتغطية كلفة الزيادة في الرواتب والاجور تعدّل 3 الى 4% من الناتج المحلي الاجمالي ـ وهذا يعتبر تعديلاً مالياً ضخماً بأي معيار. لذا فقبل تطبيق هذه الحزمة من الاجراءات الضريبية، من الضروري البدء باعادة تقييم للسياسة الضريبية والتأثير الاقتصادي لهذه الاجراءات الضريبية الجديدة، لما لها من وقع على النمو والاستثمار، وخلق فرص عمل، والادخار والاستهلاك وغيرها. كما انه يتوجب تعزيز وتحسين القدرة الجبائية للضرائب والتي ما تزال هشّة. ورأت الدراسة ان تمويل هذه السلسلة لا بد من ان يأتي من مصدرين: الاول عبر زيادة الايرادات والثاني من خلال تغطية العجز الاضافي عبر الاستدانة مما يزيد من حجم الدين العام، ونسبته الى الناتج المحلي هي بالأساس مرتفعة، ويؤدي الى تفاقم الضغوط النقدية ويرفع التضخّم ويخفّض القدرة الشرائية، اضافة الى التأثير السلبي على سعر الصرف الحقيقي وعلى احتياطي العملات الاجنبية لدى مصرف لبنان. وهذا بدوره له انعكاس سلبي على التصنيف الائتماني للاقتصاد اللبناني، كما قد يحدّ من قدرة لبنان على جذب الاستثمار الاجنبي المباشر. ولا شك ان اي زيادة في معدلات الفوائد لها تداعيات سلبية على القدرة الاستثمارية للقطاع الخاص وحجم توظيفاته. وشددت على ان تأمين التغطية المالية للزيادة ليس كافياً من دون دراسة وتقييم كافة التداعيات الاقتصادية والنقدية والمالية، وان زيادة الرواتب والاجور في القطاع العام في الظروف الراهنة سيزيد وقع الضغوط التي تواجه الاقتصاد اللبناني. كما ان هذه الزيادة أقرت دون اطار لاعادة هيكلة القطاع العام الذي كان يجب ان يكون من خفض في حجم النفقات الجارية لصالح زيادة النفقات الاستثمارية الداعمة للنمو. ان الحفاظ على النمو وتفعيل الاقتصاد يبدأ ببناء الثقة والحفاظ على الانضباط المالي من خلال استهداف تحقيق فائض أولي. وعلى الحكومة ان تركز على خلق ديناميكية في الاقتصاد عبر إشراك فعلي للقطاع الخاص ولقدراته المالية والتنظيمية والادارية في انتاج الخدمات العامة بنوعية عالية وبكلفة تنافسية بما يساعد على خلق فرص عمل جديدة، ويقلّص من البطالة والفقر. وهذا بدوره يتطلب زيادة في الاستثمار، والاصلاح البنيوي، وتحسين بيئة الاعمال مع التركيز على اصدار التشريعات اللازمة. وقالت "اننا مدعوون للعمل على إرساء القوانين والمراسيم التي كانت قد وضعت جداولها مع البنك الدولي من تسهيل مزاولة الاعمال وجعل لبنان نقطة اجتذاب فعلية للاستثمارا"ت. وشددت على ان ثقة المؤسسات المالية والاقتصادية والتصنيفية مهمة من اجل استمرار التدفقات المالية اللازمة لتأمين مستلزمات الدورة الاقتصادية كما تمويل القطاع العام. واذ عرضت الدراسة للوضع القائم للاقتصاد اللبناني في العام 2012، قالت ان الاقتصاد اللبناني شهد تراجعاً نسبياً خلال الفترة الأولى من العام 2012 حيث سجل القطاع الحقيقي الذي يشتمل اساساً على العقارات والبناء وخدمات السياحة والنقل تباطؤاً، وأظهر القطاع الخارجي اداء سلبياً ايضاً حيث انعكس ذلك في عجز ميزان المدفوعات الناجم عن تدفقات رؤوس أموال غير كافية لتغطية العجز التجاري الذي تأثر سلباً نتيجة التضخم والزيادة في الواردات. بالاضافة شهد القطاع المالي ايضاً تباطؤاً في الأداء حتى الآن. كما شهد قطاع البناء تراجعاً خلال الاشهر التسعة الأولى من العام 2012 مقارنة بالفترة نفسها من الأعوام السابقة. كما تأثر القطاع السياحي سلباً نتيجة الأزمة السورية والأوضاع الداخلي في ما يتعلق بمخاطر توسع الاختلالات التجارية الخارجية: تخطى العجز التجاري سقف الـ13 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام 2012 وهو يمثل نحو ضعف المستوى المسجل في العام 2007. وجاء الارتفاع في نمو الواردات مترافقاً مع ارتفاع في الفاتورة النفطية بينما اقتصر النمو في الصادرات على 2,2 في المئة.. وعن تراجع الصادرات الصناعية: اما بالنسبة للصادرات الصناعية، فبلغ مجموع قيمتها خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2012 مليارا و949 مليون دولار أميركي مقابل 2 مليارين و219 مليونا خلال الفترة عينها من العام 2011 اي بانخفاض نسبته 12,2 في المئة ويأتي هذا الانخفاض نتيجة صعوبات النقل والتنقل عبر الحدود البرية. وفي ما يتعلق بتحول مسار التحويلات الخارجية: سجل ميزان المدفوعات عجزا قيمته 1,9 مليار دولار اميركي في الاشهر التسعة الاولى من العام 2012 مقابل عجز قيمته 1,5 في العام 2011 مقارنة مع فائض قيمته 2,9 مليار دولار اميركي في العام 2010 و4,8 مليار في العام 2009. تباطؤ في التحويلات: ان تباطؤ حركة الاموال الوافدة الى لبنان قد ارخى بثقله على نمو القطاع المصرفي والمالي مع تراجع في نمو الودائع المصرفية. ام تأثيرات على الاقتصاد اللبناني، فهي: ورأت ان الزيادة في رواتب واجور القطاع العام تضع اعباء مالية اضافية على الموازنة العامة وعددت ثلاث طرق للتمويل قيد البحث هي الاتي: ـ السيناريو الاول: 100% عن طريق فرض الضرائب والرسوم. ـ السيناريو الثاني: 50% عن طريق الضرائب والرسوم و50% عن طريق اصدار سندات الخزينة. ـ السيناريو الثالث: 100% عن طريق اصدارات سندات الخزينة، وفي حال اعتمدت هذه الطريقة لتمويل الزيادة فإنه سيكون من شأنه ان تؤدي الى تكبير خدمة الدين والعجز وبالتالي الدين العام. ورغم ان التمويل عن طريق فرض الضرائب والرسوم فقط سيخفف من ارتفاع العجز لكنه في المقابل، بحسب الدراسة، سيترك آثارا سلبية على النمو وعلى تطوير النشاط الاقتصادي وعلى التقليل من فرص الاستخدام في القطاع الخاص. وتظهر المؤشرات ان نسبة الايرادات الضريبية الى الناتج المحلي من شأنها ان ترتفع من 23,4 في المئة الى 29,7 في المئة في السنوات المقبلة في حال تم التمويل 100 في المئة عن طريق فرض الضرائب والرسوم مما يعني ان الاقتصاد سيواجه صدمة في اعقاب فرض هذه الضرائب. الدين العام: مع ارتفاع عجز الموازنة، من المتوقع ان يرتفع حجم الدين العام مع ما يمثله ذلك من ضغوط اضافية على الاسواق المالية وخطر عودة ارتفاع الفوائد وفي ظل تراجع التحويلات الخارجية. القطاع المالي/النقدي: اسعار الفوائد: من المتوقع ان تتزايد الضغوط على الفوائد نتيجة العوامل التالية: ـ الارتفاع في حاجة القطاع العام للاقتراض من الاسواق المالية لتغطية النفقات الجديدة. ـ تأثير ولو محدودا لرفع ضريبة الدخل على الفوائد من 5% الى 7%. لقد شهدت الاسواق المالية بوادر ارتفاع الفائدة على سندات الخزينة منذ شهر نيسان 2012 بنسبة 1/2% على سندات الخزينة مما سيخلف اعباء اضافية على الموازنة على النحو الآتي: ان هذه الاعباء الجديدة يمكن مقارنتها بمردود رفع الضريبة الذي سينتج 110 مليون دولار سنويا وهو اقل من نصف الاعباء الاضافية الناتج عن ارتفاع نصف في المئة على الفوائد. ـ التصنيفات السيادية: من المتوقع ان يكون لإقرار سلسلة الرتب والرواتب آثار سلبية على التصنيفات السيادية للاقتصاد اللبناني وذلك للاسباب التالية: 1 ـ الاشارات السلبية التي تعطيها الزيادة في الاجور يفوق معدلها الـ 40 في المئة وتصل الى اكثر من 100في المئة في بعض الحالات في غياب اي تحديث اداري او اعادة هيكلة القطاع العام وتحسين انتاجيته. 2 ـ المخاطر الاقتصادية مع انعكاسات هذه السلسلة على الاجور في القطاع الخاص والاقتطاعات الضريبية التي ستواكبها حتما في ظل اوضاع اقتصادية وسياسية سلبية مما سيضعف اكثر تنافسية الاقتصاد اللبناني ان لجهة قدرته على منافسة الاستيراد او تكبير حجم التصدير. الودائع: ان قدرة النظام المالي اللبناني على جذب الودائع ستتقلص نتيجة تدهور البيئة الاقتصادية والسياسية، وسياسة مصرف لبنان لإبقاء اسعار الفوائد منخفضة، والانتعاش التدريجي لأسعار الفائدة في الاسواق الدولية. القروض الى القطاع الخاص: من المتوقع ان تنخفض القروض الى القطاع الخاص نتيجة:مزاحمة الاقتراض الحكومي لاستثمارات القطاع الخاص (crowding out effect)، وتدهور بيئة الاعمال وتقلص فرص الاستثمار، وتراجع تنافسية القطاع الخاص وانتاجيته اضافة الى ضعف البنية التحتية. اسعار الصرف: ارتفاع سعر الصرف الحقيقي وتراجع تنافسية الاقتصاد المنخفضة اصلا وقدرته على التصدير وذلك نتيجة الارتفاع المستجد في كلفة اليد العاملة. القطاع الخارجي: [ العجز التجاري: من الطبيعي ان تؤدي زيادة الرواتب الى ارتفاع في الطلب المحلي الذي لا يمكن تلبيته الا من خلال الاستيراد الخارجي وبالتالي الى توسيع العجز التجاري. ومن المتوقع ايضا ان تشهد الصادرات اللبنانية تحديات اكبر مع ارتفاع تكاليف الانتاج وانحسار التصدير بسبب الاحداث في سوريا مما سيساعد على توسيع العجز التجاري ايضا. تدفقات الرساميل: تشكو الاسواق المالية حاليا من انخفاض كبير في التدفقات المالية الخارجية نتيجة عوامل متعددة منها: ـ ارتفاع درجة المخاطر السيادية في اعقاب الاضطرابات الاقليمية. ـ انخفاض التقييمات السيادية نتيجة الارتفاع في الدين العام وتصاعد درجة المخاطر. ـ الضغوطات من السلطات النقدية لإبقاء اسعار الفوائد متدنية خوفا من ارتفاع خدمة الدين اللبناني. ميزان المدفوعات: من المتوقع ان يزداد ميزان المدفوعات سوءا في حال: ارتفاع العجز التجاري مع ارتفاع رواتب واجور القطاع العام، وتباطؤ تدفقات الرساميل تحت وطأة المخاطر السيادية، (ضريبة الدخل على الفوائد، الضغط من المصرف المركزي لإبقاء اسعار الفوائد متدنية). القطاع الحقيقي: [التضخم /الاستهلاك: من المتوقع ان ينمو التضخم نتيجة عاملين مشتركين، اولهما يكمن في الارتفاع في القدرة الشرائية لموظفي القطاع الخاص (نتيجة للارتفاع في رواتبهم واجورهم)، والعامل الثاني يكمن في عدم كفاية المعروض من المنتجات والخدمات. رواتب واجور القطاع الخاص: من المتوقع ان تطالب النقابة العملية في القطاع الخاص بتصحيحات مماثلة لتلك التي ستقر للقطاع العام، وبالفعل، بدأت نقابات العمال تطالب بزيادة الاجور. الاستثمار: تتمثل التأثيرات على الاستثمار في الآتي: ـ مع ارتفاع وتيرة الاقتراض الحكومي، من المرجح ان تكون هناك "مزاحمة لاستثمارات القطاع الخاص (crowding out effect) ـ من المتوقع ان تقوم المؤسسات الخاصة بتخفيض مستويات الاستثمار نتيجة العوامل التالية: [ الارتفاع في تكاليف الانتاج (العمالة، رأس المال، الخ) [ الارتفاع في كلفة الاقتراض (اسعار الفوائد) [ التوظيف/خلق فرص العمل: هناك تأثيرات عديدة نتيجة الزيادة في رواتب واجور القطاع العام على التوظيف وخلق فرص العمل وستكون هناك مزاحمة للعمالة الوطنية من العمال الاجانب. في الختام، يتخوف الكثيرون من ان يدخل الاقتصاد اللبناني في حلقة مفرغة تتمثل بتراجع الانتاجية، وانخفاض المداخيل العامة مما سيدفع الخزينة الى تكبير الاقتراض وبالتالي رفع الفوائد على القطاعات الانتاجية.