أصيبت «هيئة التنسيق النقابية» بصدمة جراء تأجيل الحكومة تحويل مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام إلى مجلس النواب، على الرغم من الوعود التي أطلقتها الحكومة، والمواعيد التي حددتها، خصوصا بعد الاجتماع الأخير لوفد من الهيئة مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. ولم تنفع التحذيرات التي سبق وأطلقتها هيئة التنسيق، في أعقاب الاجتماع من أنها بصدد تنفيذ إضراب عام وشامل وشل القطاعات الرسمية، إذا لم تحل السلسلة، إلا أن الحكومة فضلت شل هذه القطاعات، على تحويل السلسلة لأنها «اكتشفت متأخرة خطرها على المالية العامة»، مع العلم أنها سبق وأقرتها في السادس من أيلول الماضي، وأوجدت لها التمويل اللازم. فقد عم الإضراب أمس المدارس الرسمية، والإدارات الرسمية التي امتثل عدد كبير منها لدعوة هيئة التنسيق، وامتنع الموظفون عن تلبية خدمات المواطنين. في حين لم يمتثل القسم الأكبر من المدارس الخاصة للإضراب بسبب رفض «اتحاد المؤسسات التربوية» لمشروع السلسلة من أساسه، مترافقة مع ضغوط على المعلمين. ونتيجة لتريث الحكومة في تحويل السلسلة إلى مجلس النواب، باتت محصلة النتيجة التي توصلت إليها هيئة التنسيق، وقوعها بين مطرقة الحكومة وسندان «الهيئات الاقتصادية» و«اتحاد المؤسسات التربوية». فالحكومة لا تسير تحت ضغط الطرفين ولا تكترث للتهديد بالإضراب ليوم أو يومين، كما أعلن صراحة وزير المال محمد الصفدي. وأعربت الهيئة عن أسفها لتصريح وزير المال المفاجئ بأن الحكومة تتحمل إضراب يوم أو يومين لكنها لا تتحمل انهيار البلد اقتصادياً، وقالت: «سبق أن أعلن أكثر من مرة أن السلسلة حق للموظفين والمعلمين، وإقرارها وإحالتها ضروريان، وهو الذي أعد السلسلة وأكد أنها لا تشكل خطراً على الاستقرار المالي والاقتصادي». وردا على موقف مجلس الوزراء، جاء رد هيئة التنسيق سريعا، من خلال رفع توصية بـ«وضع خطة تصعيدية للتحرك لشل القطاع العام تبدأ بتنفيذ الإضراب لمدة يومين في جميع مؤسسات القطاع العام وفي المدارس الخاصة والبلديات». وتعقد الهيئة اجتماعها المقبل عند الرابعة من بعد ظهر الثلاثاء المقبل في مقر نقابة المعلمين - بدارو، لتلقي ردود الهيئات، وإعلان الموقف النهائي للخطوات التصعيدية المقترحة.
كسر الجرة
وصف رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي حنا غريب عملية تأجيل بت إيرادات السلـسلة لثلاثة أسابيع، بأنها عملية ضرب للسلسلة، من خلال العنوان المطروح حول الأثر المالي. تجدر الإشارة إلى أن تريث مجلس الوزراء، جاء لحين استمزاج آراء الهيئات المحلية والدولية حول انعكاساتها على الاقتصاد والنقد الوطني بناء لنصيحة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي اقترح تقسيط السلسلة على خمس سنوات بعد أخذ رأي الجهات الدولية المالية المعنية. وهذا يعني بكل بساطة أن باب الصراع فتح مع هيئة التنسيق النقابية التي وعدت بالإضراب. أو كما أعلن غريب لـ«السفير» أن الحكومة كسرت الجرة مع هيئة التنسيق، و«سنرد على ذلك بخطوات تصعيدية.. ولا أحد يستطيع كسر الأساتذة والموظفين، وسيكون الرد سريعا أكثر مما يتصورون». وأكد رفض الهيئة «ما ورد في مشروع القانون الرقم 3887 ص تاريخ 30-10-2012 المحال الى مجلس الوزراء بتاريخ 2/11/2012 والذي ينص على تعديل نسبة المحسومات التقاعدية من 6 الى 8 في المئة، وتعديل نسب الاستفادة من المعاش التقاعدي المنصوص عليها في المرسوم الاشتراعي الرقم 144». وقال: «كما رفضنا مشروع الزيادات الضريبية التي تطال أصحاب الدخل المحدود، نتمسك بالاتفاقات المعقودة بين الهيئة واللجان الوزارية والتي أكدت جميعها عدم ربط السلسلة بالضرائب المزمع جمعها لتغطية نفقات موازنة العام 2013». وحمل «الهيئات الاقتصادية مسؤولية تعطيل الإصلاح الإداري في القطاع العام الذي يبدأ بإقرار السلسلة، ومسؤولية تغطية الكثير من الفساد والهدر الذي يحرم الدولة من مداخيل بآلاف المليارات»، واضعا «تصرف الهيئات الاقتصادية في خانة التهرب من دفع الضرائب المتوجبة عليها من الريوع والأرباح العقارية». وشدد غريب على رفض الهيئة أي «تدخل للبنك الدولي ولصندوق النقد الدولي في شأن سلسلة الرواتب، لا سيما ان تدخلهما السابق أدى الى خسارة الاساتذة والمعلمين والموظفين 15 في المئة من معاشاتهم التقاعدية وتعويضات نهاية الخدمة». ودعت الهيئة الإدارية لرابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي إلى عقد اجتماع مجلس المندوبين المركزي عند الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الأحد المقبل في ثانوية عمر فروخ الرسمية ـ الكولا، لمناقشة التقريرين الإداري والمالي للرابطة، إضافة إلى التحرك المستقبلي للرابطة، باعتباره محطة من المحطات التي يتم فيها اتخاذ الخطوات الكبيرة.
استياء الموظفين
أشار رئيس الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر إلى أن رد فعل الموظفين كان سريعا، من خلال الالتزام بالإضراب الذي دعت إليه الهيئة. ولفت إلى أن الموظفين أعربوا عن استيائهم من قرار الحكومة تأجيل إحالة السلسلة إلى مجلس النواب. وقال: «تقاعس مجلس الوزراء مجددا وعن سابق إصرار وتصميم في إحالة سلسلة الرتب والرواتب الى مجلس النواب إمعان وتماد في سياسة التسويف والمماطلة وهروب من إعطاء الموظف الحد الأدنى من الراتب الذي يؤمن له العيش الكريم». وأكد أن السلسلة تشكل الغبن بعينه، بسبب «التدني الملحوظ لرواتب الموظفين الإداريين فيها، بالمقارنة مع غيرهم في القطاعات الأخرى، وبسبب عدم إنصاف موظفي الفئة الرابعة العاملين في الإدارة العامة». وأوضح حيدر أنه بالرغم من هذا الإجحاف غير العلمي وغير المبرر، ارتضت الرابطة بالسلسلة باعتبارها الحد الأدنى المقبول، وربطت النزاع لرفع الغبن في المستقبل القريب، إلا أن هذه الحكومة على ما يبدو جليا قد أمعنت في نكران وعودها، وأسهبت في سياسة التمييع.
التنسيق: خطوات تصعيدية
عقدت هيئة التنسيق اجتماعاً استثنائياً أمس درست خلاله مفاعيل وخلفيات قرار مجلس الوزراء، كما قوّمت مسار الإضراب العام في الإدارات العامة والوزارات والبلديات والمدارس والثانويات الرسمية والخاصة والمدارس والمعاهد المهنية والتقنية الرسمية. واعتبرت في بيان تأجيل مجلس الوزراء إحالة سلسلة الرتب والرواتب إلى مجلس النواب إلى موعد لاحق، طعناً لمصداقية الحكومة وللوعود القاطعة التي أطلقها رئيس الحكومة وأعلنها وزير العمل بعد الاجتماع الأخير الذي عقداه مع هيئة التنسيق نهاية الاسبوع المنصرم. ولفتت إلى أن نجاح الإضراب العام أمس وشل الإدارات العامة والوزارات كافة، والمدارس والثانويات الرسمية والخاصة والمدارس والمعاهد المهنية والتقنية، ليس سوى مقدمة للخطوات التصعيدية اللاحقة التي ستنفذها هيئة التنسيق في المرحلة المقبلة. ودعت هيئة التنسيق هيئاتها إلى مناقشة التوصية التالية: «تنفيذ جميع أشكال التصعيد المتاحة والمشروعة من إضرابات واعتصامات وتظاهرات بدءاً من إضراب ليومين، وصولاً إلى الإضراب المفتوح وشل كامل للقطاع العام والإدارات العامة والمدارس والثانويات الرسمية والخاصة والمدارس والمعاهد المهنية التقنية حتى إحالة سلسلة الرتب والرواتب بصفة المعجّل إلى المجلس النيابي دون تقسيط ودون مساس بالمحسومات التقاعدية والمعاش التقاعدي، وإنصاف المتقاعدين والمتعاقدين والأجراء ودون ضرائب على أصحاب الدخل المحدود». وأعلنت رفضها القاطع لمحاولة وزارة المال تغطية السلسلة (500 مليار ل.ل) من زيادة المحسومات التقاعدية وضريبة الدخل على المعاشات التقاعدية وتعويضات الصرف من الخدمة وخفض المعاشات التقاعدية بما يعني تمويل السلسلة من أموال المستفيدين منها على قاعدة «من دهنو سقيلو». وأكدت الهيئة أن تمويل السلسلة يجب أن يأتي من مكافحة الفساد والتهريب والهدر ومن ريوع الملاك البحرية والنهرية، والريوع العقارية والمصرفية. وحملت الحكومة مجتمعة ورئيسها المسؤولية الكاملة والمباشرة عن النتائج المترتبة عن الخطوات التصعيدية التي ستعتمدها هيئة التنسيق في مواجهة سياسة المماطلة والتسويف ولضمان احترام وتنفيذ الحكومة لالتزاماتها وقراراتها.