اخبار متفرقة > ميقاتي: الحكومة تدرك مخاوف تمويل «الرتب والرواتب»
السلسلة والضرائب والكهرباء تهيمن على «الملتقى الاقتصادي»
عدنان حمدان السفير 30-11-2012
شهدت جلسة افتتاح «ملتقى الافتصاد اللبناني» في دورته الثانية، امس، نوعين من الخطاب، الاول لهجته هجومية على الأداء الحكومي والسياسة الاقتصادية المتبعة، والثاني لهجته دفاعية من قبل رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الذي رعى الملتقى، في فندق «فورسيزنس». انما الحاضر البارز كان سلسلة الرتب والرواتب وتمويلها، فرض الضرائب والفلتان الامني، والتهريب في الجمارك ومخالفات البناء والتعديات على الاملاك العامة والاستهتار بسلامة الغذاء والدواء، ومحاولات لزيادة الاعباء على مؤسسات القطاع الخاص المثقلة في الاعباء، بما يهدد بتفاقم البطالة وانسداد افق فرص العمل الجديدة، مع الاشارة الى «محاولات زيادة اعباء الدولة المثقلة بالديون، والسؤال بعدها: «ألا يكفي مؤسسات لبنان انها تدفع ثمن تصرفات الكثيرين من السياسيين ممن يتسببون بخلق مناخ طارد للسياحة وطارد للمستثمرين اللبنانيين منهم قبل العرب». وفي إشارة واضحة ايضاً الى تمويل سلسلة الرتب والرواتب، جرت تساؤلات «هل من خبير اقتصادي او مالي ينصح بفرض الضرائب في ظل تراجع النمو وتباطؤ العجلة الاقتصادية؟ او ينصح بزيادة الإنفاق في ظل تعاظم الدين وتراجع الإيرادات»؟ وفي السياق اشار الرئيس التنفيذي لـ«مجموعة الاقتصاد والاعمال» رؤوف ابو زكي، الى»ان انعقاد الملتقى هو في ظروف محلية وإقليمية معاكسة لصناعة المؤتمرات». واستعار كلمات لرئيس الجمهورية ميشال سليمان حول الازمات التي يتخبط فيها البلد، فيشير الى ان الاقتصاد اللبناني اصبح الى «حد بعيد رهينة الامن (الكلام لرئيس الجمهورية) والتوتر السياسي ... ان لبنان يعاني من استعمال غير جائز للسلاح في الداخل، من اعمال ترهيب للمواطنين والرعايا الاجانب». كما استعار ابو زكي كلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة امام مجلس الوزراء حيث تناول الوضع الاقتصادي الدقيق، مشيراً الى «حاجات المالية العامة التي تصل الى حدود 14 مليار دولار حتى نهاية 2013 والى محاذير استمرار مصرف لبنان في إقراض الدولة وتأثير ذلك على الاستقرار النقدي». في هذا الاطار ايضا يقول الخبير الاقتصادي كمال حمدان لـ«السفير» ان انعقاد الملتقى في هذا الوقت بالذات هو تقطيع وقت بانتظار ما يتمخض عنه ما يجري في المنطقة». مؤكدا في المقابل «ان الأدراج تمتلئ بآلاف الدراسات المنجزة حول العديد من القطاعات والموضوعات، في الاصلاح الاداري والضريبي والبنى التحتية وكلها عالقة. الارادة هي في نفض الغبار عن هذه الدراسات والعمل على تحديثها وإدراجها ضمن خطة زمنية عبر فريق متعدد الاختصاصات وعبر آلية لتنسيق الاصلاحات في اجهزة القطاع العام». مشيرا الى ان «كل الإنفاق الاستثماري عام 2011 لم يتجاوز 4 ـ 5 في المئة من النفقات العامة». في موازاة ذلك، ورداً على الكلام الذي انتقد أداء الحكومة، اعتبر ميقاتي «أن الخلافات السياسية الداخلية اللبنانية المعهودة كانت لها آثار سلبيةً بالغة على الوضع الاقتصادي لأنه لو تحلى الجسم السياسي اللبناني بالمزيد من الحكمة والمسؤولية لكان الاقتصاد اللبناني قادراً على إظهار مناعة أقوى في مواجهة التطورات المصيرية في المنطقة. .. إن لبنان أظهر ولم يزل يظهر مناعة في وجه كل ما يجرى حوله، بالرغم من كل ما يشيعه البعض عكس ذلك لأسباب سياسية وسعياً للنيل من الحكومة، وما نحن عليه من تراجع للمؤشرات الاقتصادية، لا يقاس مقارنة بدول أخرى في المنطقة، وما أصابها من خسائر مباشرة وغير مباشرة».
جلسة الافتتاح
افتتح ميقاتي صباح امس الدورة الثانية لـ«ملتقى لبنان الاقتصادي»، الذي تنظمه «مجموعة الاقتصاد والأعمال» بالتعاون مع «المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان» (إيدال) و«اتحاد الغرف اللبنانية، في فندق فورسيزنس بيروت، بحضور أكثر من 400 شخصية سياسية واقتصادية من وزراء سابقين وحاليين ونواب وسفراء دول عربية وأجنبية ورؤساء هيئات اقتصادية ومؤسسات مصرفية ومالية وصناعية وتجارية لبنانية وعربية.
ميقاتي: الخروج من الأزمة مسؤولية الجميع
ميقاتي قال في كلمته: «من المؤسف أن الخلافات السياسية الداخلية اللبنانية المعهودة كانت لها آثار سلبيةً بالغة على الوضع الاقتصادي. إن الركائز الأساسية للاقتصاد اللبناني لم تزل ثابتة لتكون قاعدة لانطلاقة جديدة عندما تعود أوضاع الوطن العربي إلى الاستقرار وتنقشع سحب الانقسامات الداخلية عندنا». وبعدما تناول مناعة وقوة القطاع المصرفي والاستقرار النقدي، قال: «لم تطرأ تطورات سلبية غير قابلة للتصحيح لاحقاً في المالية العامة، بغض النظر عن المخاوف والتحذيرات التي أثيرت بشأن تمويل سلسلة الرتب والرواتب، وهي مخاوف تدركها الحكومة وتعمل لمعالجتها، بما يحفظ الاستقرار النقدي ويعطي أصحاب الحقوق حقوقهم المشروعة. كذلك فإن الصادرات الصناعية الى الدول العربية في نمو متزايد». وأشار ميقاتي الى الصعوبات في قطاع السياحة، والجمود في القطاع العقاري وانكماش حركة الرساميل الوافدة وما أدى إليه ذلك من عجز كبير في ميزان المدفوعات والانخفاض المقدر في نسبة النمو. ما أريد قوله هو أن ما أصابنا قد أصاب غيرنا في المنطقة العربية وخارجها، رغم أنه كان من الممكن تجنب الكثير من تداعياته في لبنان بالتلاحم والاستقرار الداخلي». و قال: «إن الحكومة تجهد لتقوم بكل ما في وسعها في هذا المجال، لكن ذلك لا يمكن أن يكون مسؤولية جهة واحدة، بل هي مسؤولية مشتركة ينبغي أن تتوافر لها كل الإرادات الخيرة التي تمكنها من تحقيق الأهداف السامية التي يسعى إليها الجميع. من هنا كانت الدعوات إلى جميع القيادات اللبنانية لوضع الخلافات السياسية جانباً والالتقاء على طاولة حوار والعمل معاً للتصدي للتحديات الاقتصادية والمحافظة على النمو وتحقيق احتياجات المواطن. إننا، مع قناعتنا بأن مقاطعة اجتماع هيئة الحوار هو موقف سياسي يندرج في إطار الممارسة الديموقراطية، نرى أن الأسباب المعلنة لهذا الموقف والشروط التي وُضعت للتجاوب مع الدعوة إلى الحوار، لا تأتلف مع الحاجة الوطنية الملحة لتلاقي القيادات والتشاور في النقاط ، فضلا عن أنها تظهر القيادات اللبنانية وكأنها عاجزة عن التوصل إلى الحلول المرتجاة، فهل هذا فعلا ما يرمي إليه المقاطعون». وأبدى ميقاتي تفاؤله بالمستقبل، «ولدي كل القناعة بأن غد لبنان سيكون أفضل من حاضره، والرهان على الدولة الواحدة والقوية سيكون هو الرابح، وأن الاقتصاد اللبناني النابض دوما سيعود ليقوي موقعه المميز في المنطقة بعد عودة الاستقرار إليها، وخاصة بعد استكمال مشروع الاستكشاف عن الغاز والنفط ونجاحه».
القصّار: حيّدوا الاقتصاد
أما «رئيس الهيئات الاقتصادية» عدنان القصار فاعتبر أن الوضع السياسي أصبح مركز الضعف البنيوي الذي يكبل محركات الاقتصاد اللبناني ويفاقم الأزمة الاجتماعية، ويخلف تداعيات مباشرة وبالغة السوء على الاقتصاد والوطن، إذ ننتظر عجزاً في ميزان المدفوعات في 2012 قد يتجاوز الملياري دولار أميركي، ولم تكن نتائج 2011 أفضل. فهل تدرك القوى السياسية المعنية حجم تأثير الأمر على الاقتصاد وعلى معيشة الناس وحياتهم اليومية»؟. وأضاف: «لقد أصبحنا في ظل الانقسام السياسي وكأننا نتعامل مع شؤوننا الاقتصادية والمالية والاجتماعية بالمياومة. مناخ الاستثمار ليس مؤاتياً. وكأنه يراد لاقتصادنا أن يفقد ميزاته التفاضلية التي لم يفقدها حتى في أشد الظروف قسوة. ألا تلاحظون أن لا حديث اليوم عن الإصلاح المالي والاقتصادي والاجتماعي. ولا عن المناخ الجاذب للاستثمارات. ولا عن خطط النمو والتنمية البعيدة المدى؟».
شقير: لطاولة حوار اقتصادية
بدوره، قال رئيس «اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان» محمد شقير: التحديات الاقتصادية تزداد يوماً بعد يوم. نوجه اليوم أصابع اللوم للمسؤولين لنتجنب أن يوجه الناس إلينا جميعاً أصابع الاتهام في المستقبل. هناك فرص تضيع على لبنان، وهي فرص تاريخية نتيجة ما يحصل في المنطقة العربية. ولو أن السياسيين وضعوا مصالحهم جانباً لبعض الوقت وركزوا على كيفية الاستفادة من الفرص السانحة لكان الاقتصاد والناس بأحسن حال». وأضاف: «إن الهيئات الاقتصادية لا يمكن لها أن تقف متفرجة، حين تتخذ قرارات غير مناسبة لا توقيتاً ولا تخطيطاً. ربما القيمون على سياسات الحكومة الاقتصادية يعرفون شيئاً لا نعرفه، لكننا نعرف حقيقة واضحة وهي الأرقام والمؤشرات وجميعها تنذر بأن البلاد بحاجة لخطوات سريعة وفعالة لتنشيط الاقتصاد، واستعادة عافية المناخ الاستثماري. لقد أثبتت وحدة الهيئات الاقتصادية بأنها تستطيع أن توقف وتجمد أي قرار يؤثر سلباً على الاقتصاد، وهي ما كانت لتتمكن من ذلك لولا وحدتها وعلاقاتها الجيدة مع النقابات والقطاعات الإنتاجية». ودعا شقير إلى حوار برئاسة رئيس الجمهورية من أجل تقريب وجهات النظر وإيجاد حلول لمشاكلنا الاقتصادية وإزالة العوائق التي تحول دون تعافي الاقتصاد».
عيتاني: لبنان ما زال جاذباً للاستثمار
من جانبه، اعتبر رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان «ايدال» نبيل عيتاني أنه نتيجة لتأثر لبنان بالأزمات السياسية والتطورات في المنطقة، سُجل تراجع في عدد من المؤشرات الاقتصادية. فلبنان الذي لم يكن اقتصاده بمنأى عن تأثيرات هذه التطورات الإقليمية، أصيب بالتباطؤ وضعف النمو ولكن ليس بالركود الاقتصادي. ولفت إلى أن هذه المؤشرات قابلتها مؤشرات أخرى ايجابية. فلبنان حافظ خلال السنوات الماضية على عوامل الاستقرار، واستمر في تحقيق النمو الايجابي. وقد وصلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في لبنان حتى نهاية العام 2011 إلى مجموع تراكمي يقارب 41 مليار دولار بعد أن كانت في حدود الخمسة مليارات فقط في العام 2000. وهذا المجموع التراكمي المسجّل يساوي اليوم 98 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهي نسبة من بين الأعلى إقليمياً ودولياً.
أبو زكي: صرخة القطاع الخاص
وكان قد استهل الافتتاح أبو زكي حيث اشارإلى «أزمة الكهرباء التي تكلف البلاد عشرات المليارات سنوياً وقد تصل إلى 12 مليار دولار العام 2015 وفق الدراسات الرسمية. وهي تتسبب بارتفاع أكلاف كل منتجاتنا وخدماتنا وصادراتنا، وتضعف من قدرة اقتصادنا على المنافسة. وما من بلد يدفع ما ندفعه رسوماً للكهرباء في الوقت الذي نبحث فيه عن تمويل لسلسلة الرتب والرواتب».