اخبار متفرقة > رياض سلامة: يجب البحث جدياً في تركيبة التمويل
55% من مداخيل الأسر لسداد الديون
في ختام ملتقى لبنان الاقتصادي أمس، عقدت حلقة نقاش بين المشاركين وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. تركّز الحديث عن أسعار الفوائد وانعكاساتها على مديونية الأسر اللبنانية وعلى تجار العقارات محمد وهبة الاخبار 1-12-23012 «اللعبة تغيّرت وأي تحرك يطرأ على أسعار الفوائد يمسّ مباشرة بملاءة الأسر اللبنانية لا سيما أن معدّل مديونيتها للمصارف يبلغ 55% من دخلها». هكذا كانت إجابة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على أحد أسئلة المشاركين في ملتقى لبنان الاقتصادي. السؤال استهدف استطلاع سلامة بشأن ارتفاع مستوى الفوائد وانعكاسه على الأسر اللبنانية التي استدانت من المصارف لتملّك مساكن. فقد كشف سلامة أن نحو 100 ألف أسرة لبنانية اشترت مساكن بواسطة قروض مصرفية مدعومة، وأن أي تغيّر بالفوائد سيزيد نسبة المديونية على دخل هذه الأسر في ظل ظروف اقتصادية صعبة وأوضاع غير مستقرّة في المنطقة. إلا أن ما لم يقله حاكم «المركزي» هو أن الفوائد على تسليفات السكن مرتبطة بأسعار سندات الخزينة، فالتعاميم الصادرة عن مصرف لبنان تؤكد أن سعر الفائدة للقروض المدعومة محدّد بنسبة 40% من سعر الفائدة على سندات الخزينة بالليرة اللبنانية، وبالتالي فإن أي زيادة على هذا الأمر ستنعكس في ميزانيات الأسر التي تنفق نصف مدخولها لسداد الديون. ولم يتوان سلامة عن إجراء مقارنة مع دول أخرى، «ففي أوروبا قد يصل معدل مديونية الأسر إلى 100% من دخلها وأكثر، لكن الظروف الاقتصادية هناك مختلفة كثيراً عما هي في لبنان حيث الأولويات السياسية في غير مكان وبعيدة عن هذا الوضع». على هذا الأساس يختصر سلامة أهداف المرحلة الحالية بـ«الحفاظ على الاستقرار والثقة بلبنان الذي تمكّن، حتى الآن، من تمويل نفسه بواسطة إمكاناته الذاتية وبلا مساعدة خارجية، رغم أن هذا الأمر لم يكن منتظراً على هذا النحو قبل سنوات». هذه الإجابة التي قدّمها سلامة كانت في ختامها أقرب إلى رسالة سياسية من أن تكون إجابة عملية على السؤال الذي طرحه كبير الاقتصاديين في بنك ميد مازن سويد، وما تراكم من أسئلة تنطوي على خلفيات سياسية. فسؤال سويد كان ينطوي، وفق بعض المشاركين في جلسة الحوار، على وقائع تستهدف «التنقير السياسي» على الحكومة الحالية، خصوصاً عندما قال إن «استمرار الدولة بتمويل نفسها من المصارف قد يؤدي إلى زيادة أسعار الفوائد» فهو كان يقصد أن الحكومة هي التي تكبّد الأسر الزيادات التي ستطرأ على مديونيتهم للمصارف. وقد لوحظ وجود هذه الخلفية السياسية بوضوح في المؤتمر، في محاولة لإحراج سلامة، إذ وجّهت مستشارة وزيرة المال السابقة ريّا الحسن، هلا صغبيني، سؤالاً عن أسباب ضعف الاكتتاب في سندات الخزينة التي أصدرتها وزارة المال أخيراً، ولم تتمكن من جمع كل المبلغ المطلوب لتمويل استحقاقات سابقة واستحقاقات جديدة. لكن ما قاله سلامة قطع تشكيك «المستقبل» بيقين الوقائع، فقد أوضح أن الإصدار جمع نحو 800 مليون دولار، فيما تمكّن هذا الإصدار من تغطية 50% من استحقاقات سندات عام 2013 وخفّف من ضغط الاستحقاقات في السنة المقبلة «علماً بأن لبنان جمع هذا المبلغ في ظروف إقليمية صعبة جداً نظراً لتزامن الإصدار مع الحرب على غزّة، والأوضاع الصعبة في لبنان، ولو كان هذا الإصدار في أي دولة أخرى لكانت قد أجّلته». على أي حال، استند سلامة إلى مؤشر مديونية الأسر قياساً إلى دخلها ليشير إلى مستوى المخاطر المحدقة باللبنانيين «فنحن معرضون أكثر من اي دولة خلال مواجهة نمط التغيّر بالفوائد، ولذلك نحن في حاجة إلى السلامة الائتمانية». ولهذا السبب فإن تمويل تملّك الطبقات الفقيرة لمساكن، أمر يجب أن تقوم به الدولة من خلال مشاريع بناء المساكن الشعبية «كما فعلت الدول الأوروبية». لكن ما كان لافتاً في إجابات سلامة، دعوته المطورين العقاريين إلى التخلي عن جزء من أرباحهم والإسهام في تصحيح الاسعار في السوق. فعندما سئل سلامة عن إمكان دعم المطورين العقاريين، أجاب بصورة قاطعة: «لن نقوم بدعم المطورين العقاريين»، لا سيما أن «حركة بيع العقارات انخفضت لكن الاسعار لم تتراجع وهذا يعني أنه ليس هناك أي ضغط على المطورين العقاريين، في حين أن دعم هذه الفئة له مخاطر كبيرة على الاستقرار النقدي وعلى القطاع المصرفي وعلى السوق، إذ قد يشجّع هذا النوع من الدعم المضاربات العقارية التي ستحرّك بدورها الاسترسال بتشييد المباني وقد يصبح لدينا فائض كبير من المساكن فينهار السوق. يجب أن يترك السوق ليصحح نفسه، ويجب أن يضحي المطورون العقاريون بأسعارهم ليكون السوق صحيحاً». اللافت أن سلامة انهى النقاش معترفاً بوجوب «الانتقال إلى بحث جدّي بكل تركيبة التمويل في لبنان»، مؤكداً أن «الهيكلية الحالية لم تعد تعطي نتائج إيجابية». غير أن سلامة لم يوضح ما هي البدائل، ولم يشر أيضاً إلى ملاحظاته على التركيبة الميؤوس منها، بل استرسل في شرح الوضع الحالي على الصعد النقدية والمالية والاقتصادية، مكرراً ما قاله في الأسابيع الماضية عن نمو الودائع المصرفية بنسبة 7% (يوافق المصرفيون على أن هذا النموّ مصدره الفوائد وليس مبالغ جديدة دخلت إلى القطاع)، ونموّ التسليفات المصرفية بأكثر من 10%، وأن مصرف لبنان يدرس بعض الإجراءات والتدابير لتحفيز التسليفات «انطلاقاً من آلية التحفيز السابقة المتصلة بتحرير الاحتياط الالزامي للمصارف (مفروض على المصارف أن تضع لدى مصرف لبنان 10% من ودائعها بالليرة والدولار احتياطا الزاميا)، لرصد مبلغ معيّن يستعمل في تغطية تمويل قطاعات السكن والإنتاج والطاقة البديلة». اقتصاد العدد ١٨٧١ السبت ١ كانون الأول