لم تُحصَ بعد الأضرار والخسائر التي تكبدها القطاع الزراعي بسبب العاصفة الثلجية التي ضربت مختلف المناطق اللبنانية منذ يوم الاثنين الماضي، لكن يمكن التأكيد مبدئيا أن هناك خسائر مباشرة بحوالى 50 مليار ليرة في قطاع الخيم الزراعية البلاستيكة، و10 في المئة في الموز، و25 في المئة في الحمضيات، وهي من المؤكد أكثر بكثير من مبلغ ثلاثة مليارات ليرة الذي أعطاه مجلس الوزراء لـ"الهيئة العليا للاغاثة" للتعويض عن الأضرار سواء بالأرواح أم الممتلكات. وبانتظار أن ينتهي الجيش بالتنسيق مع الهيئة من إجراء المسح في مختلف المناطق تمهيدا للتعويض، لم ينفِ وزير الزراعة الدكتور حسين الحاج حسن أن "واقع القطاع الزراعي كارثي"، ويوضح لـ"السفير" أن "تعويض الأضرار من مسؤولية هيئة الاغاثة بعد توفير الحكومة الاعتمادات لذلك، والوزارة بالتعاون مع الجيش والهيئة تساهم بالكشف على الأضرار واحصائها". وإذ لا يبدو في الأجواء وجود حماسة للتعويض على المزارعين، يكشف الحاج حسن أن "الوزارة ستعمل على تحضير تقارير أولية كمقدمة للكشف على الأضرار الزراعية". ويؤكد أن "الحل لهذه المشكلة المزمنة، هو الدعم الحكومي المباشر للمزارعين وهو ما تقوم به الحكومة، أو عبر المؤسسة العامة للضمان الزراعي من الكوارث، لكن، وفي انتظار أن يخرج هذا المشروع المقدم من العام 2001، من مجلس النواب، بدأنا العمل بالصندوق التعاضدي الوطني لتأمين القطاع الزراعي من الكوارث الطبيعية، ويضم 50 عضوا مؤسسا، وانتخب مجلس الإدارة"، مشيرا إلى "أن 180 مليون ليرة حوّلت إلى الصندوق، وهي مبالغ إدارية، وفي انتظار تعيين مدير للصندوق والجهاز الإداري، لتحضير الاجراءات لبدء انتساب المزارعين". ويوضح أن "الصندوق ليس صندوقاً حكومياً، إنما هو صندوق تعاضدي ينتسب إليه المزارع بملء ارادته، ويدفع بدل انتساب يبلغ 50 ألف ليرة، وبدل اشتراك سنوي يحتسب له بناء على نوعية انتاجه وعلى أساس 4 في المئة تقريباً من القيمة المقدرة للربح، يدفع نصفها المزارع والنصف الآخر تدفعه الدولة، وهو ما تم لحظه في موازنتي 2012 و2013".
"الوضع من سيئ إلى أسوأ" ويرى مزارعون أن الحل هو باقرار قانون "المؤسسة العامة للضمان الزراعي من الكوارث"، إذ يشير مسؤول قطاع الخضار والخيم البلاستيكية ورئيس منطقة الجنوب في "جمعية المزارعين" رامز عسيران إلى أن "فلسفة صندوق التعاضد تستند على أن يموّل نفسه بنفسه، فكيف يدفع المزارع أموالا ووضعه من سيئ إلى أسوأ"، مضيفا: "أما المؤسسة العامة فيمكن تمويلها عبر الدول المانحة، وفرض نسبة ضريبية حوالى 1 في المئة على استيراد المنتجات الزراعية، وإذا لم تقع كارثة في القطاع، توظف أموال المؤسسة لتحسين القطاع وتنميته".
"الاستثنائي هو الفيضانات" ويقدر رئيس "جمعية المزارعين" انطوان الحويك قيمة الأضرار الناتجة من العاصفة بملايين الدولارات، موضحا لـ"السفير"، أن الأضرار أصابت معظم الخيم الزراعية وعددا من بساتين الحمضيات، وكسرت شتول الموز، كما أدت إلى نفوق أعداد من طيور الدجاج، وهي متوقعة سنوية، لكن الاستثنائي مع هذه العاصفة هو الفيضانات، التي تؤثر في معظم المزروعات إذا بقيت أكثر من يومين، كالقمح والبطاطا والثوم والحشائش وغيرها. كما يؤثر الجليد والصقيع في الموز والأزهار والخيار والبندورة وكل خضار الخيم. وإذ يقول الحويك لـ"السفير": "لا امكانية لتقدير قيمة الخسائر، إلا بعد اجراء المسح والكشف"، يشير إلى أن من ايجابيات هذه العاصفة انها تغذي المياه الجوفية، وتساقط الثلوج يقضي على العديد من الحشرات وبيوضها.
أضرار الخيم نوعان ويفيد عسيران "السفير" بأن "الأضرار التي أصابت الخيم الزراعية من جراء العاصفة الثلجية، نوعان: الأول: تمزيق النايلون الذي يغلف الخيمة، وهو في الأحوال الطبيعية يخدم ثلاث سنوات. والثاني: ضرر ناجم عن انجرافات مائية وسيول دخلت إلى الحقول ومنها إلى الخيم"، أي ان صاحب الخيمة تضرر بالنايلون والانتاج. ويقدر حجم الأضرار بين 30 و50 في المئة من مجمل مزروعات الخيم، إذ منها ما تضرر كاملاً، ومنها ما غمرته المياه. وتتراوح كلفة النايلون لكل خيمة بين مليون ليرة ومليون و100 ألف ليرة، فضلا عن كلفة الشتول والفلاحة والتعقيم والرش والتسميد. وتنتشر على الأراضي اللبنانية حوالى 40 ألف خيمة زراعية، بمعدل وسطي حوالى 20 ألف دونم، ومردود كل دونم (الدونم تقريباً خيمتان) يتراوح بين خمسة وسبعة ملايين ليرة سنويا، وتنتج هذه الخيم الـ: بندورة، خيار، باذنجان، فليفلة، حشائش، فريز، أزهار وغيرها. ويلفت عسيران الانتباه إلى أنه "إضافة إلى خسائر العاصفة المباشرة التي بلغت حوالى 50 مليار ليرة من أصل 100 مليار ليرة (المعدل الوسطي لانتاج كل دونم خمسة ملايين ليرة بـ20 ألف دونم)، "هناك أضرار الصقيع والجليد التي لم تتضح معالمها بعد، وتؤدي إلى تلف العديد من المزروعات التي لم تتأثر بالعواصف والسيول، من دون نسيان اغراق الأسواق بمنتجات سورية وأردنية، مما يؤدي إلى بيع المنتج المحلي بسعر الكلفة". ويضرب مثلا على ذلك سعر صندوق الباذنجان، "إذ يبلغ سعره في الموسم الحالي ثمانية آلاف مقارنة مع 25 ألف ليرة في الموسم الماضي".
الحمضيات بين "البَرَد" والمشكلة المزمنة أما في قطاع الحمضيات، فقد أدى تساقط حبات البَرَد بأحجام كبيرة وسرعة إلى تساقط الثمار بسبب الرياح أي إلى "أضرار كارثية"، يضاف ذلك إلى "المشكلة المزمنة التي يعاني منها قطاع الحمضيات، وهي سوء تصريف الانتاج إلى أسواق الخليج العربي، بسبب الأزمة السورية، ما أدى إلى ارتفاع كلفة النقل عبر البر". هذا الوضع الجديد دفع هذه الدول إلى استيراد حاجياتها من تركيا ومصر والمغرب العربي، لأن سعرها أرخص. وفيما لا ينفي وزير الزراعة وجود أزمة بالحمضيات، مؤكدا أن "مشكلة الكلفة العالية وتصريف الانتاج قيد المعالجة"، يعرض عسيران اشكالية ضمان بساتين الحمضيات، فيوضح أنه "في الموسم الماضي بلغ ضمان صندوق الحمضيات 12 ألف ليرة في أرضه، لكن بلغ سعر بيعه في السوق بين خمسة وعشرة آلاف ليرة، وشاعت بين المزارعين مقولة: ضمان 100 مليون ليرة، يعني خسارة 100 مليون ليرة". ويتطلب العمل في صندوق الحمضيات (من 18 إلى 22 كلغ): القطف (ألف ليرة)، النقل (ألف ليرة)، عمولة الحسبة (ألفا ليرة)، ومكافحة دورية للحشرات (ألف ليرة في كل مرة)، أي ما مجموعه حوالى خمسة آلاف ليرة تضاف إلى 12 ألف ليرة كلفة أولية، ما يعني أن الكلفة الإجمالية للصندوق الواحد 17 ألف ليرة. لكن في الموسم الحالي الذي تنطبق عليه الظروف السابقة نفسها، "أصبح ضمان الصندوق ثمانية آلاف ليرة بدلا من 12 ألف ليرة، ويتحمل فارق السعر صاحب البستان، أي خسر حوالى 30 في المئة من إيراد بستانه، في المقابل بقي الضامن يبيع بسعر الكلفة أو أقل، لا سيما أن عامل الطقس زاد من خسائره". ويقدر عسيران خسائر قطاع الحمضيات الناجمة عن العاصفة بحوالى 25 في المئة من مجمل انتاج الحمضيات في الجنوب، تضاف إلى نسبة 30 في المئة خسرها صاحب البستان، أي الخسارة الاجمالية حوالى 55 في المئة.
"الموز"... أضرار محدودة انتقالا إلى قطاع الموز، يشير وزير الزراعة إلى أن مشكلة الموز انخفضت إلى حد كبير، لا سيما مع بدء تصدير 220 طنا يومياً إلى الأردن. وفي هذا السياق، يؤكد عسيران أن رطل الموز (2,5 كلغ) لا يزال محافظا على سعره (حوالى 1800 ليرة). وعن تأثير العاصفة على الموز، فلم تتعد نسبة الأضرار 10 في المئة، إذ هناك حوالى 30 في المئة من انتاج الموسم الحالي، تم تصديره إلى العراق والأردن قبل العاصفة. وبالنسبة إلى طبيعة الأضرار، فهي اقتصرت على تكسير بعض الأشجار، وتعرض بعضها الآخر لا سيما المزروعة إلى جانب الأنهار (الليطاني، الأولي، الدامور) إلى الغرق بالطوفان، "لكن الأضرار بقيت محدودة". ويشدد كل من الحويك وعسيران على ضرورة أن تدعم الدولة القطاع الزراعي لما يمثله من أمن غذائي والحفاظ على المزيج الاجتماعي، وتوفير فرص عمل في الأرياف. ويحذر عسيران في الوقت نفسه: "إذا لم تدعم الدولة القطاع، فان المزارعين سيقودون الثورة الحقيقية". كامل صالح