هل يوقف تنشيط حركة التسليفات الاتجاه الانحداري لمسيرة الاقتصاد الوطني؟
عدنان حمدان السفير 19-1-2013
القطاعات الاقتصادية، وبشكل خاص الإنتاجية، تراجعت كثيراً في السنوات الثلاث الأخيرة، بعدما انتعشت خلال العام 2010، الذي أصبح نقطة ارتكاز للانطلاق منها في إجراء المقارنات، في نمو الاستثمارات أم تراجعها في هذه القطاعات، وتحديدا الصناعة والتجارة والزراعة. وقد شهدت هذه القطاعات تراجعا كبيرا، بعد الاحداث الامنية في سوريا، لارتباطها بالترانزيت بين لبنان وسوق العالم العربي، ما دعا مدير إدارة التنمية الاقتصادية والعولمة وكبير الاقتصاديين في الإسكوا د. عبدالله الدردري الى التحذير من وقوع لبنان في الركود التضخمي، بسبب ارتفاع معدلات التضخم، وتراجع النمو الاقتصادي. لافتاً الى «أن التقرير الاقتصادي السنوي للأمم المتحدة: «الحالة والتوقعات الاقتصادية في العالم في عام 2013»، يتوقع استمرار تراجع النمو في لبنان للسنة الثالثة على التوالي، حيث سجل في العام 2011 نسبة 1 في المئة، مقارنة مع 7 في المئة في 2010، وفي العام 2012 نسبة 0,8 في المئة، ويتوقع أن يبقى النمو في حدود 1 في المئة في العام 2013». ويخشى الدردري من «استمرار هذا التراجع، داعيا الحكومة إلى القيام بإجراءات سريعة لإخراج البلد من الدوامة، عبر الابتعاد عن سياسة التقشف المالي المحبطة والمؤدية إلى ضعف النمو وزيادة الديون والبطالة، والتركيز على زيادة الإنفاق الاستثماري العام في قطاعات البنى التحتية، وتحسين المناخ الاستثماري، وما يتعلق بالقطاعات الاجتماعية». يمكن القول ان حاكم مصرف لبنان استشعر خطورة الوضع فأصدر تعميماً إلى المصارف والمؤسسات المالية يقضي بتخصيص مبلغ 2200 مليار ليرة لتنشيط حركة التسليفات إلى القطاعات الاقتصادية الانتاجية والقطاع السكني وللمشاريع الجديدة المتعلقة بالأبحاث والطاقة المتجددة والمشاريع الصديقة للبيئة، وذلك من اجل بناء استثمارات جديدة او تجديد ما كان قائماً. بالعودة الى تردي الوضع الاقتصادي خلال العام 2012، بسبب الاهتزازات الامنية المتنقلة في ارجاء البلد ووالاوضاع السياسية الداخلية والمناكفات بين الاطراف السياسيين، ما اثر على السياحة الى حدود بعيدة، نشير الى ان وزارة السياحة اطلقت «خطة 50 يوماً بحسم 50 في المئة»، ولم تظهر بوادرها بعد أكانت إيجابية ام سلبية. اما الصادرات الصناعية فقد بلغ مجموع قيمتها خلال الأشهر الأحدى عشرة الأولى من العام 2012 مليارين و688 مليون دولار أميركي، مقابل 3 مليارات و44 مليوناً خلال الفترة عينها من العام 2011 و2 مليار و920 مليوناً خلال الفترة عينها من العام 2010 أي بانخفاض نسبته 11.7 في المئة مقارنةً مع العام 2011 وانخفاض نسبته 8 في المئة مقارنةً مع العام 2010. في المقابل بلغ مجموع قيمة الواردات من الآلات والمعدات الصناعية خلال الأشهر الاحد عشر الأولى من العام 2012 نحو 262.8 مليون دولار. مقابل 290.4 مليوناً خلال الفترة عينها من العام 2011 أي بانخفاض ونسبته 9.5 في المئة، وذلك وفق تقرير مفصل أعدّته مصلحة المعلومات الصناعية في وزارة الصناعة عن الصادرات الصناعية وواردات الآلات والمعدات الصناعية عن شهر تشرين الثاني 2012.
افرام: فقدان القدرة التنافسية
أكد رئيس جمعية الصناعيين نعمة افرام على ان حركة الصادرات الصناعية تعاني مشكلة في الاساس تركت تأثيرها السلبي على هذه الحركة، وهي نابعة أساساً من فقدان القطاع الصناعي قدرته التنافسية التي تنعكس مباشرة على أرقام الصادرات. وأكثر ما تتأثر به القدرة التنافسية، منذ ستة اشهر هو أكلاف اليد العاملة اللبنانية، والأهم هو ارتفاع معدل انقطاع التيار الكهربائي خلال العام 2012، وتراجع فترات التغذية بالتيار، فقد انقطعت الكهرباء خلال العام 2012 بنسبة 60 في المئة من الوقت، في حين كان في العام 2011 بنسبة 38 في المئة، هذا الفارق استعاض عنه الصناعيون بكهرباء المولدات المكلفة بدورها. وعما إذا كانت خطوة مصرف لبنان الاخيرة بتخصيص مبلغ 2200 مليار ليرة لتنشيط حركة التسليفات إلى القطاعات الاقتصادية الانتاجية وغيرها تدعم القطاع الصناعي، قال افرام لـ «السفير»: النمو المسجّل في الصناعة اللبنانية خلال السنوات العشر الأخيرة، تأثر بشكل ملحوظ بالقروض المدعومة من البنك المركزي للصناعة، وهذا ما نراه اليوم في التدفق الجديد من حجم القروض. هذا المشروع ذكي، والتوظيف في محله، لكن الصناعي اللبناني على رغم فقدانه القدرة التنافسية، كبّر حجم سوقه اللبناني، واستطاع أن ينمو في لبنان نحو 8 في المئة، ولمسنا نوعاً من استبدال اللبنانيين البضائع الأجنبية المستوردة بأخرى لبنانية، علينا ان نعمل على تشجيع ذلك أكثر في سنة 2013، إذ يجب أن يستهلك المواطن البضاعة اللبنانية أكثر من غيرها.
الحدود اللبنانية ـ السورية
وشدد افرام على أن «الحدود مع سوريا بقيت مفتوحة أمام الصادرات إلى اليوم، ولكن أكلاف الشحن ارتفعت على نحو كبير، بسبب تقلص عدد السائقين من الجنسيات العربية والذين يتخطون الحدود. الصادرات تراجعت نحو 14في المئة. لكنه اشار الى اقفال الحدود بين سوريا والاردن وسوريا والعراق. لكن افرام دعا الى التوجه والتفتيش عن اسواق غير تقليدية، الى اوروبا مثلا، والى التنسيق في ما بين المصدرين اللبنانيين بشكل يبعد المضاربة ويضع مكانها التكامل، والى ان تكون المصاريف التشغيلية من ضمن القروض المدعومة، والى الانتاج الذاتي للكهرباء، وانشاء المدن الصناعية الخاصة بعدما فقدنا الامل من خدمات البنى التحتية للقطاع العام.
استمرار الازمات.. واستمرار التراجع
ولم تكن أجواء رئيس مجلس تنمية الصادرات الصناعية خالد فرشوخ مختلفة، عن اجواء رئيس جمعية الصناعيين، والذي أشار لـ «السفير» إلى أن عام 2012 شهد تراجعاً حاداً، نظراً إلى استمرار الأزمات في لبنان والمنطقة، مؤكداً أن عام 2013 سيكون مشابهاً لـ2012. وشدّد على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تراجع الصادرات أكثر لأنه إن حصل ذلك فسيكون كارثة على الصناعة اللبنانية. يورد فرشوخ عن النقل ليؤكد كلامه حول تراجع الصادرات، ويقول إن حركة الترانزيت عبر سوريا تراجعت بنسبة 40 في المئة. كنا نشهد في السابق حركة عبور شاحنات يومياً، ما بين 250 الى 300 شاحنة، اما اليوم فتتعدى 160 الى 170 شاحنة، وهذا التراجع ينسحب على قيمة الصادرات. ويجب أن يضاف الى ذلك ارتفاع كلفة الانتاج التي نتجت عن اسعار المحروقات وارتفاع كلفة الاجور. هذا اذا لم نذكر التراجع في التصدير الى اوروبا بسبب من الازمة الاقتصادية، وما جنيناه من خسائر كان يفترض ان تكون أرباحاً من خلال الاستفادة من اليورو. يضيف فرشوخ ان تصدير الملبوسات شبه معدوم، في ظل ارتفاع كلفة النقل عبر البحر بما يفوق النقل عبر البر بحوالي 30 في المئة وهذا بالطبع يرفع الكلفة ويخفض من منسوب المنافسة مع انتاج دول اخرى.
دبوسي: إنخفاض صادرات الشمال 60%.
أوضح أمين عام اتحاد الغرف اللبنانية توفيق دبوسي لـ «السفير» «أنه بات من المعلوم أن الصادرات اللبنانية لا سيما الزراعية منها وعبر بوابات العبور البرية شمالاً قد تراجعت بنسبة 60 في المئة وذلك بفعل الأزمة المستمرة في سوريا. كما أصبح التصدير أكثر كلفة ويشكل عبئاً على حركة الصادرات لأن المستوعبات الناقلة بواسطة البر والتي تبلغ الواحدة منها 40 قدماً قد باتت تتطلب التكاليف الباهظة حيث أن كلفة النقل بواسطتها تقارب 4000 دولار أميركي، مع الإشارة الى أن لبنان بشكل عام يفتقر أساساً الى وجود أسطول للنقل البري إضافة الى أن عدد الشاحنات اللبنانية هو عملياً غير كاف للقيام بمهام النقل السريع. «وكانت الصادرات الزراعية تستعين في الأزمنة العادية بالشاحنات السورية المبردة ولكن هذه الوسائل لم تعد متوفرة في المرحلة الراهنة لأنها لم تعد بإمكانها الحصول على الأذونات الرسمية من السلطات المعنية. وإذا انتقلنا الى وسائل النقل البحري بواسطة السفن المدحرجة أو الرورو « RoRo» فإن كلفته لا شك هي أقل بالمقارنة مع النقل البري حيث تصل تكاليفه الى حد النصف تقريباً أي ما يقارب 2000 دولار أميركي بالمقارنة مع التكاليف المترتبة على النقل البري، ومع ذلك فإن هذا النقل البحري يقتصر على السلع الزراعية التي بإمكانها أن تصمد خلال رحلة النقل التي تقارب الشهر تقريباً. وعلى العموم فإن لبنان يفتقر الى وجود أسطول للنقل البري إذ أن شاحنات النقل اللبنانية غير كافـية من حـيث العـدد كما تتطلب الوقت الطويل للوصول الى بلدان المقصد وهي بشكل أساسي دول الخليج العربي». وأكد دبوسي «نحن نتفق تماماً مع المؤشرات العلمية التي تعزو أسباب الإنخفاض في الصادرات اللبنانية الى عوامل عدة أبرزها: الأحداث والتوترات الأمنية في سورية، التي أدت إلى تراجع الطلب في السوق السورية التي تعتبر من أهم الاسواق المستوردة للمنتجات اللبنانية الصناعية لا سيما الزراعية منها، حيث تقدر قيمة السلع المصدّرة إلى سورية بحوالي 300 مليون دولار سنوياً. كما أن هذه الأحداث قد أدت إلى تراجع التصدير البري عبر سورية بشكل كبير، إذ تراجع عدد الشاحنات من نحو 300 شاحنة يومياً إلى نحو 50 شاحنة، وذلك بسبب المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها البضائع، خاصة بعد الاستيلاء على شاحنات عدة، وتعرض أخرى لإطلاق النار. ودفعت صعوبة التصدير بالمستورد إلى التصدير عبر البحر والتي تعتبر تكاليفها اعلى بكثير من البرّ وذلك استناداً الى معلومات من كبار المصدرين في طرابلس والشمال. ولفت دبوسي الى أن «عدم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، يؤدي إلى اضعاف ثقة أسواق الخارج لجهة مخاوفها المشروعة من عدم تمكن المصدر اللبناني من ايصال الشحنات المتعاقد عليها في الوقت المحدد. وهناك عوامل أخرى أدت إلى اضعاف القدرة التنافسية للصادرات اللبنانية لجهة ارتفاع كلفة الانتاج والنقل والطاقة، وكذلك ارتفاع كلفة اليد العاملة».