لم يفاجأ المعلمون والموظفون بتراجع الحكومة عن أقوالها ووعودها، بعدما اختبروها في أكثر من محطة، وكان قرار رئيس الحكومة تقريب موعد جلسة مجلس الوزراء من اليوم الثلاثاء إلى الاثنين (أمس)، لإحالة مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب إلى مجلس النواب، محل تفاؤل بالخير. غير أن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، فكان التأجيل مرة جديدة، وقرار الاضراب المفتوح بدءا من اليوم. ورأت مصادر «هيئة التنسيق النقابية» في موقف ميقاتي، الوقوف على خاطر الهيئات الإقتصادية، التي أعلنت مقاطعتها للحوار مع الحكومة، محاولة مكشوفة لإرباك الهيئة وإفشال الإضراب المفتوح، الذي سبق وأكدته الهيئة مراراً، بعدما كاد يختصر إلى إضراب ليوم واحد، لتنتقل «المعركة» إلى مجلس النواب. واعتبرت المصادر أن دعوة ميقاتي لهيئة التنسيق للاجتماع بها عند الحادية عشرة والنصف من قبل ظهر اليوم، محاولة لامتصاص غضب الهيئة، ولخص رئيس «رابطة اساتذة التعليم الثانوي الرسمي» حنا غريب، لـ«السفير» الرد بالقول: «لا شيء للنقاش بيننا وبين رئيس الحكومة.. هناك اتفاقات حصلت، وعلى الحكومة الالتزام بها..». ولفتت المصادر إلى أن موقف ميقاتي، ومعه اللجنة الوزارية، أثار موجة استياء عارمة في صفوف الموظفين والمعلمين والمتعاقدين والمتقاعدين، في ظل الأجواء الضبابية التي عاشتها هيئة التنسيق وهي تتابع مجريات اجتماع اللجنة الوزارية في السرايا الحكومية، وما تسرب إليها من مواقف، من بينها رفض تحويل السلسلة تحت التهديد، وأخرى تطالب بتطبيق القوانين لجهة منع الموظف من الاضراب أو التظاهر. وفي ظل هذه الأجواء، سارعت لجان التنسيق المكلفة متابعة الإضراب المفتوح، إلى عقد سلسلة اجتماعات لوضع اللمسات الأخيرة على تنفيذ الاضراب، وتأمين وسائل النقل من المناطق، والتشديد على إقفال المدارس والمعاهد المهنية والإدارات العامة والبلديات والمدارس الخاصة.
عصفورية في البلد
بالتزامن، عقدت هيئة التنسيق اجتماعا عند الخامسة بدل السادسة مساء، وأصدرت في أعقابه بيانا وُصف ببيان «الغضب»، ردا على موقف الحكومة، واتهمتها بأنها «أفقدت السلطة الهيبة المطلوبة للحكم»، وحملتها مسؤولية نتائج الاضراب المفتوح والشامل. وأبقت على خطواتها التصعيدية طي الكتمان، على أن تعلن عنها يومياً في حال استمرار الحكومة على موقفها. ووجه رئيس «رابطة موظفي الإدارة» محمود حيدر من خلال «السفير» الدعوة لجميع المواطنين إلى عدم الحضور إلى الإدارات العامة وتقدير موقف الموظفين، المدعوين لتنفيذ الإضراب. وردا على سؤال عن الضغوط التي يتعرض لها الموظفون، لفت إلى أن الدستور والاتفاقات الدولية تحمي الموظف، خصوصا الإتفاقية الدولية لحرية العمل والتنظيم النقابي الرقم 87. ووصف «نقيب المعلمين» نعمه محفوض ما حصل أمس من تأجيل جلسة مجلس الوزراء بالقول: «أي عاقل ينظر إلى ما حصل في البلد، لا يرى سوى عصفورية». وردا على سؤال، أجاب: «المؤسسات التربوية رب عمل، ويهمها عدم الإضراب، والمعلم هو أكبر متضرر مما تفعله الحكومة، كونه لم يقبض غلاء المعيشة الذي أقرّ قبل عام، بينما المدارس الخاصة تقبض وحدها غلاء المعيشة من التلامذة، والتهديد والترهيب لن يفيدا، لأن الدستور كفل حق المعلمين»، وأكد «حرص النقابة على مصالح التلامذة». وقال: «حقنا الديموقراطي النزول إلى الشارع ولن نخرج منه إلا بعد تحويل السلسلة، وهناك سلسلة خطوات متلاحقة من اعتصامات وتظاهرات، ويمكن أن نصل إلى مرحلة الدخول إلى الإدارات والوزارات، ولن نخرج منها إلا والسلسلة في مجلس النواب». بدوره، رأى غريب أن جميع القوى في الثامن والرابع عشر من آذار «اصطفت جميعها ضد هيئة التنسيق لفرملة قرار تحويل السلسلة». وقال: «قرارنا كهيئة تنسيق ينبع من استقلالنا عن جميع القوى، والآن بدأت المعركة، وعلى الأساتذة والموظفين خوضها، والقوي بقواه».
بيان غضب
تخلل اجتماع هيئة التنسيق في مقر «رابطة التعليم الأساسي الرسمي»، الإطلاع على تحضيرات الهيئات والفروع لإنجاح الاضراب المفتوح والشامل بدءا من صباح اليوم والمترافق مع اعتصام مركزي عند الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم أمام السرايا الحكومية. وأذاع بيان الهيئة رئيس «رابطة التعليم الأساسي» محمود أيوب، استهله بالإشارة إلى أن «الحكومة الحالية أبت إلا أن تثبت للبنانيين جميعا عدم مصداقيتها وعدم التزامها بوعودها وتعهداتها العرقوبية، فهي التي بادرت إلى تحديد جلسة لمجلس الوزراء عصر يوم 18 الجاري، بعد أن كانت قد حددته يوم 19، وهي التي أعلنت إلغاء هذه الجلسة استجابة لخاطر الهيئات الاقتصادية وفق ما صرح به رئيس الحكومة نجيب ميقاتي». وقال: «إن الحكومة بممارساتها غير المعهودة في تاريخ الحكومات اللبنانية منذ الاستقلال وحتى اليوم تقدم الدليل تلو الدليل على أنها لا تقيم وزنا للقمة عيش المواطن فحسب، بل تستهين بكرامات اللبنانيين جميعا. ما يفقد هذه الحكومة الهيبة المطلوبة للسلطة والحكم. وهي بذلك تتحمل كامل النتائج التي سوف تترتب عن الإضراب المفتوح والشامل الذي يبدأ صباح الثلاثاء، والمترافق مع اعتصام مركزي تقيمه هيئة التنسيق أمام القصر الحكومي الذي يبدو انه تحول الى قصر للهيئات الاقتصادية التي تستميت في سبيل منع أي خطوة إصلاحية». ودعت هيئة التنسيق الموظفين والمعلمين والمتقاعدين والمتعاقدين والأجراء إلى تنفيذ الاضراب الشامل والمفتوح ابتداء من صبيحة اليوم الثلاثاء في جميع مراكز الوزارات والإدارات العامة والبلديات والمدارس والثانويات الرسمية والخاصة ومعاهد التعليم المهني والتقني. وإلى «المشاركة الكثيفة في الاعتصام المركزي أمام القصر الحكومي». وأكدت الهيئة أن «كرامة الموظف قبل لقمة عيشه»، وذكّرت الجميع بـ«أن الموظفين هم عصب الحكومات وهم الساهرون على مصالح اللبنانيين. وأن الحكومات وان طال زمنها فهي راحلة ولا شك. إنما الموظفون والمعلمون هم من يؤمن سير عمل الإدارات ويوفرون العلم للأجيال». وحذرت الهيئة الذين تسببوا بهدر 60 مليار دولار راكموها دينا على اللبنانيين وذهبت بمعظمها إلى حسابات الهيئات الاقتصادية، من المساس بحقوق المتقاعدين، فـ«أموالهم ليست رواتب إنما هي أمانات في عهدة الحكومة ومن يسرق الأمانة لا عهد له ولا أمان». وأكدت أنها لن تعود عن «إضرابها المفتوح والشامل حتى إحالة السلسلة الى مجلس النواب وفق الاتفاقات التي عقدت معها، وبصفة المعجل ومن دون تقسيط أو تخفيض، وتعديل درجات المعلمين ومن دون أي تعديل في نظام التقاعد الذي «نصّر على أن يكون مئة في المئة وبما ينصف المتعاقدين والإجراء».
مواقف
إلى ذلك، دعت «رابطة التعليم الأساسي الرسمي» إلى تنفيذ الاضراب الشامل والمفتوح اعتباراً من اليوم في جميع المدارس الرسمية، وإلى المشاركة الكثيفة في الاعتصام المركزي. ورأت أنّ الحكومة في تراجعها عن إحالة مشروع السلسلة «تدفع بكل أصحاب الدخل المحدود الى التمرد والنزول الى الشارع وهي تخاطر بذلك بالأمن الاجتماعي». وأكد مكتب المعلمين في «المرده» دعمه دعوة هيئة التنسيق إلى الاضراب اليوم، ودعا «جميع معلمي المرده والحلفاء الى المشاركة أيضا في حركة الاحتجاجات التي تنفذها هيئة التنسيق في بيروت والمناطق، لأن التأجيل والمماطلة من الحكومة لم يعودا مقبولين أبدا». وأعلنت أمانة التربية والثقافة في «حزب الوطنيين الأحرار» في بيان «تأييدها ومؤازرتها لمطالب هيئة التنسيق النقابية، والتحركات الديمقراطية التي واكبت وستواكب هذه المطالب».