نقاط الالتقاء والخلاف بين «الهيئات» والحركة النقابية
عدنان حمدان السفير 10-10-2013
لا يختلف اثنان على ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة، إذ لم تبق هيئة في لبنان من أقصاه إلى أقصاه؛ من «الهيئات الاقتصادية»، أو من الهيئات الأهلية والمدنية والنقابية والأساتذة والمعلمين و«الاتحاد العمّالي العام»، إلا وتدعو من بيدهم الأمر، إلى الإسراع في تشكيل الحكومة، باعتبار أن ذلك يخلق أجواء تنعكس ايجابا على الأوضاع العامة في البلد، من النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية والمعيشية. لكن هذا الاجماع على أهميته، لا ينعكس ولا ينطبق في نظرة كل جهة أو فئة على ما هو المطلوب من الحكومة، أكان على الصعيد الاقتصادي، أو الاجتماعي والمعيشي، وغيره من الصعد، إذ ان كل فريق يطرح ما يتلاءم من حلول لأزماته، خصوصا بين أصحاب العمل والعمّال، أو الحركة النقابية العمالية. أمام هذا الوضع يمكن حصر بعض نقاط الالتقاء ونقاط الاختلاف بين «الهيئات» و«العمّالي»، بالآتي: 1ـ بينما تدعو «الهيئات» إلى «عدم زيادة العبء الضريبي، لأنه يزيد الركود في وقت يحتاج فيه الاقتصاد إلى التحفيز لإطلاق حركة الإنتاج وزيادة النمو»، بما يعني تخفيف العبء الضريبي، تطالب الحركة النقابية بضريبة تصاعدية على أرباح الشركات، والغاء الضرائب غير المباشرة على الطبقة العاملة. وهذه نقطة خلاف كبيرة بين الطرفين، بحيث ان طرفا يريد زيادة أرباحه من دون اقتطاع ضريبة، والآخر يريد عكس ذلك. 2ـ بعد اتفاق تصحيح الأجور في شباط من العام 2012، وإقرار ممثلي أصحاب العمل والعمّال التصحيح الدوري للأجور وفق مؤشر مديرية الاحصاء المركزي، وتفعيل لجنة المؤشر من خلال اجتماعات دورية، لم يحصل شيء من ذلك، وما زالت الأجور كما هي منذ ذلك الحين، بل انها فقدت جزءا كبيرا من قيمتها، نتيجة التضخم وارتفاع الأسعار لدى المستوردين والتجار. 3ـ قبل الاجتماع الشهير في القصر الجمهوري، كانت المنح المدرسية تدفع في بداية كل عام دراسي، وقد بدأ العام الدراسي الثاني، مع ارتفاع أقساط المدارس والجامعات بشكل كبير، ولم يصدر مرسوم المنح المدرسية، ولو لمرة أخيرة، ريثما يجتمع مجلس النواب ويقرّ قانون المنح هذه، بينما معظم أصحاب العمل لم يفعل بحجة ان القانون لم يصدر بعد. 4- كان يفترض أن يصدر قانون الايجارات في حزيران الماضي، انما ما زال الموضوع موضع خلاف بين المستأجرين، وأصحاب الأملاك المحررة ايجاراتها وتلك التي تعود إلى ما قبل 1992. 5ـ ما خصّ «الضمان الاجتماعي»، فان «الهيئات» تدعو إلى إقرار قانون «ضمان الشيخوخة» وإصلاح أوضاع الضمان والمؤسسات العامة التي هي على صلة مباشرة بالقطاع الخاص، لكن هي نفسها، لا ترضى بإعادة نسبة الاشتراكات إلى ما كانت عليه سابقا، قبل خفضها بنسبة 50 في المئة لفرعي المرض والأمومة والتعويضات العائلية التي لم تزل مجمّدة عند حدّ أدنى يبلغ 300 ألف ليرة، وقد أصبح 675 ألف ليرة. 6ـ تطالب «الهيئات» بسحب «سلسلة الرتب والرواتب» من التداول، نظراً إلى انعكاساتها المالية والنقدية والاقتصادية المتوقعة والمدمرة للقيمة الشرائية للرواتب والأجور، وذلك في غياب إمكانات التمويل السليمة في ظل العجز الفادح للموازنة والهدر المتمادي في معظم الإدارة العامة، في المقابل تصرّ «هيئة التنسيق النقابية» على السلسلة وتمويلها من ضرائب على الأملاك البحرية والنهرية ووقف الفساد والهدر في المال العام. 7ـ الصرخة الأخيرة التي تطلقها النقابات العمّالية هي المنافسة غير المشروعة لليد العاملة اللبنانية من قبل عمّال سوريين نازحين، فيستغل بعض أصحاب العمل هذه الأزمة للكسب الرخيص من اليد العاملة في المضاربة غير المشروعة، بحيث ساهم ذلك في اتساع البطالة بسبب البنية الاقتصادية الهشّة وارتكاز الاقتصاد اللبناني على اقتصاد الريوع وتهميش وضرب القطاعات الإنتاجية القادرة على خلق فرص العمل. في هذا السياق، لا يمكن اغفال العديد من نقاط الالتقاء بين «الهيئات الاقتصادية، والحركة النقابية، خصوصا بعدما لجأت الهيئات الى الاضراب ، تحت عنوان الاقفال، بينما ترفض تحرك النقابات والاتحادات العمالية وموظفي القطاع العام وتسميته اضراباً، بحجة انه يشل الحركة الاقتصادية.
مواقف «العمالي»
رأت «هيئة مكتب المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام» ان تعدّد الأزمات التي تضرب حياة اللبنانيين في مختلف أوجه معيشتهم وأمنهم واستقرارهم وتذهب بالدولة ومؤسساتها إلى المزيد من الشلل والانحلال وتهدّد الكيان اللبناني في أساسه ووجوده»، ودعت الطبقة السياسية الى «الارتفاع إلى مستوى خطورة الأزمة والإسراع بتشكيل حكومة وطنية جامعة وقادرة على وضع حدّ لهذا التدهور المريع». واعتبرت «إنّ احد تجليات الأزمة ومظاهرها المؤلمة تجسّدت في البطالة والسعي إلى الهجرة والتي كان احد فصولها وليس آخرها عشرات الضحايا المنكوبين من أبناء منطقة عكار وطرابلس الذين ضاق بهم سبل العيش والحياة الكريمة في وطنهم»، موضحة انّ «غرق العبّارة ومن عليها ليس أمراً عابراً ولا حادثاُ مؤسفاً فحسب، إنه فضيحة أخلاقية وسياسية واجتماعية وأمنية يتحمّل مسؤوليتها من الذين أمعنوا في إفقار البلاد والعباد على مدى العقود الأخيرة». وانتقدت الهيئة التغاضي عن التواطؤ الذي تمارسه وزارة التربية والجهات الرقابية المعنية بحماية المستهلك إلى ارتفاع أكلاف التعليم من أقساط وأسعار كتب ولوازم أخرى ونقل فقط، بل وصل الأمر لدى بعض الجامعات إلى طرد الطلاب المحتجّين على رفع الأقساط في سابقة ورأت ان ذلك «لا يعفينا من تنظيم حملات الاحتجاج والتصدّي لجريمة حرمان أبنائنا من التعليم وتعميم الجهل على اللبنانيين بسبب غياب المدرسة الرسمية وتقهقر مستوى الجامعة اللبنانية بسبب الاعتداء على استقلاليتها واختيار الأكفّاء من أساتذتها. واستغربت الهيئة غياب أي سياسة للنفط والطاقة تؤمّن المخزون الوفير ولا تبقِي أسعار المشتقات النفطية عرضةً لتقلبات الأسعار ولمزاج الاحتكارات. بل الأسوأ من ذلك هو ترك ثروة وطنية من الغاز في جوف البحر تحت رحمة خلافات القوى السياسية. هذا في حين يستمرّ التراشق يومياً بين من يفترض أنهم مسؤولون عن سلامة المواطنين على الطرق ومن فيضانات المجاري وانقطاع الكهرباء وبؤس الاتصالات، داعية الى «أوسع حملة ضاغطة في إطار برنامج تحرك يتضمّن رؤية مشتركة تضع في أولوياتها حماية المواطن وحفظ الكيان على مختلف مستوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية.» واعتبرت الهيئة انّ «تعاظم حجم النزوح إلى لبنان نتيجة استمرار الحرب على سوريا بات من المخاطر الكبرى. وقد فاقمت عملية النزوح الواسع هذه من اتساع البطالة بسبب البنية الاقتصادية الهشّة وارتكاز الاقتصاد اللبناني على اقتصاد الريوع وتهميش وضرب القطاعات الإنتاجية القادرة على خلق فرص العمل». عدنان حمدان
|