أصحاب عمل يتواطأون لحرمان عمّالهم من التقديمات
باسكال صوما السفير 22-10-2013
تقاعد توفيق (70 عاماً) قبل 6 سنوات من عمله في معمل للمواد الغذائية، وتقاضى تعويضه، وتوقف ضمانه الصحي، فاضطرّ إلى الاستدانة لسدّ تكاليف علاجه وأدويته حين بدأ يعاني من الضغط والسكري وأمراض القلب. يقول توفيق لـ«السفير»: «حالتي ساءت في السنوات الأخيرة، إلا أنّ الضمان الاجتماعي كان قد توقف عن تغطية علاجي، فكان عليّ أن أتكفّل بمعالجة نفسي»، ويسأل: «هل من العدل أن تتخلّى الدولة عن العامل في السنّ التي يصبح فيه أكثر حاجةً إلى الرعاية والتغطية، ويصبح عاجزاً عن العمل قانونياً وصحياً؟». لا ينسى توفيق أن يشير إلى أن «وزارة الصحة تساعد بشكلٍ جزئي»، لكنّ الدعم الذي تقدّمه «غير كافٍ»، لأنّ الأدوية التي يتناولها شهرياً تكلّفه «حوالي 500 ألف ليرة»، موضحًا أنه «دخل المستشفى أكثر من مرّة، ودائماً هناك مشكلة بالنسبة للمرضى الذين تغطيهم الوزارة، لأنّ الأخيرة لا تسدد النفقات في وقتها، وعدد كبير من إدارات المستشفيات باتت تفكّر كثيراً، قبل إدخال مريض على نفقة وزارة الصحة». معاناة على الأبواب تتكرّر المعاناة نفسها، مع سعيد ابن الـ60 عاماً، إذ بعدما أجرى جراحة قلبية قبل عشر سنوات، اضطرّ إلى إجرائها مرّة أخرى قبل أشهر. وهو عامل بناء، وليس لديه ضمان اجتماعي، موضحاً لـ«السفير»، أنه دفع في المرّة الأولى، «مبلغاً كبيراً لأنّ وزارة الصحة لم تغطِّ سوى جزء من التكاليف»، أما في المرّة الثانية «فكنت عاطلاً عن العمل بسبب تدهور صحّتي، ولم أكن أملك المال، ولم يوافق المستشفى على إجراء العملية قبل أن أدفع مبلغاً كبيراً ليضمن حقّه». سعيد اضطر لاستدانة 2000 دولار لتغطية علاجه، وهو اليوم يتناول أدوية كثيرة تكلّفه شهرياً حوالي 200 دولار، يستدين من أصدقائه وأخيه حتّى يؤمنها، «لأنني حتى الآن عاجز عن العودة إلى العمل»، كما يقول. أما الياس الذي التقته «السفير» أمام أحد مراكز الضمان، فتعاني زوجته من سرطان الثدي، وتتلقّى علاجاً مكثّفاً، وأدويتها غالية جداً، والآن بعدما قدّم الفواتير وعلب الأدوية إلى الضمان، لا يعلم ماذا سيفعل بالأربعة أشهر المقبلة في انتظار أن يردّ الضمان ما دفعه»، سائلاً: «خلال هذه الأشهر من أين أجلب المال لأستكمل علاج زوجتي، وليس لي سوى دخلٍ محدود؟». انتقالاً إلى قصة جمال التي تشير إلى أنها «صرفت من عملها قبل أشهر من إحدى شركات المعدات الصناعية من دون تعويض نهاية الخدمة»، فلم تعد بطبيعة الحال، تستفيد من فرع الضمان الصحي، وهي اليوم، تتطبّب على نفقتها الخاصة. أمام هذه الحالات، يبدو أن واقع «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي» لا يختلف عن غيره من القطاعات في البلد، إذ تبدو في معظمها مشمولة بالتقصير والإهمال والفوضى. هي الكارثة الصحية التي يعانيها المواطن اللبناني منذ ما قبل الاستقلال، العالق راهناً بين الضمان وشركات التأمين، ووزارة الصحة، والمستشفيات، إنه طريق طويل من الشقاء، قد يحلّه الميسور بماله، في ما يُكتب على الفقير الانتظار، وأحياناً الموت على أبواب المستشفيات. يعاني المواطن الأمرّين بدءاً من «تراكم المعاملات التي تجعله أحياناً ينتظر أكثر من 6 أشهر وأحياناً سنة، بعد تقديم فاتورة دواء ليقبض التغطية التي هي من حقّه»، وصولاً، وفق مواطنين مضمونين، إلى «اضطرارنا لتحمّل سوء معاملة الموظّفين الذين في الواقع يعيشون بفضل اشتراكاتنا». ويوضح هؤلاء المواطنون لـ«السفير» أنّ «أبسط فاتورة أو علبة دواء تقدّم إلى الضمان على صاحبها أن ينتظر ما لا يقلّ عن ثلاثة أشهر في الحد الأدنى، حتّى يسترد قيمتها، لأنّ كل معاملة تسير في طريقٍ طويل: من الاستلام إلى التصفية، وصولاً إلى المحاسبة». وإذ تفيد مصادر الضمان نفسه، «السفير»، بأن «بعضاً من موظفي الصندوق لا يتّمتعون بالكفاءة المطلوبة؛ فنسبة كبيرة منهم وصلوا إلى ما هم عليه اليوم، بفضل تعييناتٍ سياسية، ومحسوبيات، كما هو الحال في هذا البلد»، تعتبر أن «التغطية الصحية التي يحصل عليها المواطن المتمثلة بتغطية 80 في المئة من ثمن الدواء و90 في المئة من كلفة الاستشفاء، تجبر المواطن على تحمّل الذل»، لافتةً الانتباه إلى «وجود سماسرة ورشوة علنية وبالخفاء». غضّ النظر تؤكد مصادر أخرى معنية بملف الضمان لـ«السفير»، أن «المخالفات تبدأ من قلب مراكز الضمان، حيث يساند بعض الموظّفين والمفتّشين أرباب العمل بتغطية مخالفاتهم، وغضّ النظر عن حرمان العمّال من حقوقهم في شمولهم في الضمان الاجتماعي». وتكشف جهات نقابية لـ«السفير» أن «معظم الشركات تلجأ إلى التحايل، ليبقى عدد كبير من المستخدمين محرومين من تقديمات الضمان، فيما يهددهم أرباب العمل بتهديدهم بالصرف إذا ما حاولوا التصريح عن أنفسهم». من دون تغطية يبلغ عدد المستفيدين من خدمات صندوق الضمان الذي تأسس في العام 1963، مليونًا و200 ألف شخص، بينما تبقى شريحة كبيرة من المواطنين من دون تغطية صحية، وعلى رأسهم أصحاب بعض المهن الحرّة وعائلاتهم، وغيرهم ممّن يعملون لسنواتٍ طويلة في مؤسساتٍ وشركات، من دون أن يحصلوا على حقوقهم في تقديمات الضمان، ومن دون أن ينتبه أحد لمعاناتهم. يضاف إليهم المتقاعدون الذين يحرمون من الضمان في السنّ التي يصبحون فيها بأمسّ الحاجة إلى التغطية الصحية. وليست خدمات وزارة الصحة أفضل من الضمان بكثير، فهي أيضاً لا تشمل جميع الحالات المرضية، ولا يشكّل ما تغطيه من تكاليف العلاجات سوى نسبة غير كافية، لا سيما أنّ عدداً كبيراً من الذين يعالجون على حساب الوزارة هم من الفقراء، وأصحاب الدخل المحدود، أو المتقاعدين. وترى مصادر الضمان أنّ «الصندوق، ما زال في زمن المعلوماتية يعاني من تراكم الملفات، التي ما زالت عالقة بين أيدي المسؤولين عنها». وتضرب مثلاً أن «مفتّش الضمان في منطقة المتن مثلاً، لديه أكثر من 300 ملف للمتابعة، وهذا رقم كبير، فيما تقلّ هذه الكمية في مراكز أخرى لتصل إلى 50 ملفاً لكل مفتّش». باسكال صوما
|