كتاب من صندوق النقد يحذّر لبنان من «المهوار»
حاوره: عدنان الحاج وكامل صالح السفير 26-10-23013
كشف وزير المال محمد الصفدي لـ«السفير» أنه تلقى كتاباً من «صندوق النقد الدولي» في اليومين الأخيرين، يحذّر فيه من مخاطر زيادة العجز، وتخطي عتبة الـ6 آلاف مليار ليرة. وإذ أكد أن «صندوق النقد لم يطلب شيئا منّا، وكتابه مجرد تحذير»، إلا أنه أوضح أن «لغة التحذير جاءت عالية، ومنها: إذا لم تتمكنوا من لجم النفقات والعجز، فأنتم واصلون إلى المهوار». بناء عليه، أوضح الصفدي أنه طلب ارسال بعثة لدراسة الوضع في أسرع وقت ممكن، «لأنه إذا أشيع أن وضعنا المالي غير سليم، فذلك سيزيد الأمور سوءًا». أمام هذا الوضع، أكد أن «الوزارة متمسكة بسياسة سقف العجز وعدم تخطيه، مما يحافظ على سمعة لبنان تجاه الخارج، ويعزز من مصداقيته تجاه الدول المانحة، وإرسال إشارات إيجابية إلى المؤسسات الدولية». لكن في الوقت نفسه، لم ينفِ أن «الوضع المالي ليس جيداً، وأن عدم التقيد بسقف العجز والنفقات سيقودنا إلى مخاطر متعددة». وعلى الرغم من تزايد نفقات الموازنة خلال العام 2013 بحوالي 700 مليون دولار، مما انعكس زيادة في العجز، قال أن «الوزارة تحاول أن يبقى العجز لهذا العام قريباً من العام 2012، أي في حدود 6 آلاف مليار ليرة، ولن نسمح بأن ينمو أكثر من ذلك، إذ في حال ارتفاعه أكثر من ذلك يعني أننا أفلسنا». وأشار إلى تراجع الإيرادات العامة للدولة بحوالي 1.5 في المئة، أما النمو فسيتراوح بين 1 و1.5 في المئة في 2013، مؤكداً في هذا الإطار، أنه «إذا لم تبلغ نسبة النمو 8 أو 9 في المئة، فستبقى جميع مؤشراتنا متراجعة بسبب العجز الكبير». الناتج المحلي
أنجز «البنك الدولي» منتصف أيلول بالتعاون مع الوزارة المعنية، والأمم المتحدة، وفق الصفدي، «دراسة حول الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأزمة السورية على لبنان، تضمنت إشارة إلى أن الناتج المحلي اللبناني تراجع 7.5 مليارات دولار خلال 3 سنوات بين 2012 و2014»، لافتاً الانتباه إلى أن «هذا الواقع رتّب حاجة إضافية للإنفاق على البنية التحتية (مياه، كهرباء، خدمات وطرقات بحوالي 2.5 مليار دولار). وبعدما أكد على «تقيد وزارة المال بالتحويلات إلى المؤسسات والوزارات لتغطية الاحتياجات»، أشار رداً على سؤال، إلى أن الوزارة نفذت إصداراً لسندات الخزينة بالليرة اللبنانية بقيمة حوالي 2470 مليار ليرة لتغطية نفقات ما تبقى من العام 2013.
موازنة الكهرباء
في المقابل، كشف الصفدي أن «وزارة المال بدأت بخفض موازنة مؤسسة كهرباء لبنان في إطار خفض عجزها، ليبلغ ألفاً و500 مليار في خمس سنوات، بمعدل 300 مليار ليرة سنوياً، وذلك في إطار تحفيز المؤسسة على الجباية وتحقيق تنمية إيراداتها»، مشيراً إلى أن المؤسسات الدولية كلها التي تم التباحث معها تثير موضوع عجز الكهرباء الذي يتزايد سنوياً من دون معالجة، وهو يقدّر بحوالي 2700 إلى 3 آلاف مليار ليرة سنوياً، ويأكل القسم الأكبر من عجز الموازنة ونفقاتها. وعلّق على مطالب موظفي الكهرباء الأخيرة، حوّل ما يتعلق بالموازنة، موضحًا أن «وزارة المال وافقت على موازنة الكهرباء بداية العام 2013، ولم يطلب منًا أحد حتى تاريخه، التعديل فيها». وأضاف: «إذا اكتشفوا بعد 9 أشهر أنهم أخطأوا، فلسنا مسؤولين عن ذلك». وأوضح في هذا السياق، أن «العجز المسموح أن نتحمّله هو ثمن المحروقات للمعامل، وليس شيئاً آخر»، مشيراً إلى وجود هدر، ويجب التنبه له. ولفت الانتباه إلى أنه «بعد كل 3 أشهر، يتم التأكد من قيمة المبالغ المدفوعة لبواخر الفيول المستوردة، وإذا لم تكن ضمن المتفق عليه، نبقي الباخرة في البحر». وأشار إلى أن المعنيين في الكهرباء «اعترضوا على هذا الموضوع، وأبلغناهم أننا لن نتراجع عن قرارنا، فردّوا: سنقول إن وزارة المال هي المسؤولة عن تفاقم التقنين». وقال الصفدي: «مسؤولية وزارة المال أكبر من كل الوزارات، وإذا لم تتمكن من الحفاظ على وضع المالية العامة، فالبلد كله سينهار». في السياسة قال الصفدي إنه ما زال عند موقفه من عدم الترشح إلى الانتخابات النيابية على أساس القانون الحالي، مشيراً إلى إمكانية إعادة بحث الموضوع في حال تطبيق القانون النسبي.
الوضع المالي
في تفاصيل اللقاء، قال الصفدي لـ«السفير»: «الوضع المالي ليس جيدًا»، كاشفًا أن «الواردات انخفضت نسبة إلى العام الماضي، بالأخص نظراً إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، مقابل زيادة في النفقات وبالأخص النفقات الاستثمارية (مجلس الإنماء والإعمار) والتحويلات (الضمان الاجتماعي) والرواتب والأجور»، مشيراً هنا إلى أن «الزيادة في النفقات الاستثمارية كما في التحويلات، كانت بشكل رئيسي لضرورة تفعيل النشاط الاقتصادي في وجه التباطؤ، وحتى الركود الاقتصادي في قطاعات عدة». لكن وعلى الرغم من كل هذه المعوقات، قال: «سنحاول قدر المستطاع أن يكون عجز الموازنة لهذا العام مساوياً أو قريباً من عجز العام الماضي أي حوالي 6000 مليار ليرة (أو 4 مليارات دولار)»، مقدّرًا معدل النمو في العام 2013 بحوالي 1 إلى 1.5 في المئة، «وهذا ليس سيئًا، إذ ان نسبة النمو لا تزال إيجابية».
البنك الدولي
عن دراسة البنك الدولي، وانعكاسات الأزمة السورية، قال الصفدي: «أنجز البنك مؤخراً، بالتعاون مع الأمم المتحدة وكل الوزارات المعنية وعلى رأسها وزارة المال ومع رئاسة الحكومة، وفي وقت ضيّق ومحدود، دراسة تفصيلية مهمة عن «الوقع الاجتماعي والاقتصادي على لبنان من جراء النزاع في سوريا». ومن أبرز نتائج هذه الدراسة التي أجرت تقييماً على مدى السنوات الثلاث 2012 2014، وفق الصفدي: - انخفاض في قيمة الناتج المحلي مقداره 7.5 مليارات دولار على مدى فترة السنوات الثلاث (أي بمعدل 2.5 مليار دولار كل عام). - الوقع الإجمالي على الخزينة 2.6 مليار دولار، أي ان الوقع على عجز الموازنة هو تقريباً 900 مليون دولار سنوياً. - سنكون بحاجة إلى إنفاق إضافي مقداره 2.5 مليار دولار لإعادة البنية التحتية (مياه، كهرباء، طرقات، مجارير...) فقط إلى ما كانت عليه قبل دخول النازحين، أي في العام 2011 تقريباً. - زيادة عدد الفقراء اللبنانيين (حد الفقر هو 4 دولارات باليوم للشخص الواحد) بمقدار 170 ألفاً، في حين أن عددهم قبل النزوح، كان يقدّر بحوالي المليون. - ازدياد نسبة البطالة، بالأخص لدى ذوي المهارات المتدنية. - ارتفاع عدد النازحين إلى حوالي 1.3 مليون نهاية هذا العام، هذا إضافة إلى عدد السوريين الموجودين في لبنان، بشكل عادي وقبل بدء النزوح. خلاصة القول: «إن الوقع الاقتصادي والاجتماعي قوي وغير مسبوق، ومن الصعب إن لم يكن من المستحيل، الاستمرار به من دون أن يتحول إلى أزمات اقتصادية واجتماعية في مجتمع ذي استقرار هش في الأساس».
اجتماعات واشنطن
أما عن الاجتماعات في واشنطن، ونتائجها، فأوضح الصفدي، أنها «كانت مكثفة وطويلة»، مضيفًا «حصلت اجتماعات عديدة مع كبار مسؤولي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ومعاونيهم الرئيسيين. كما أجرينا اجتماعات مع مسؤولين كبار في وزارة الخارجية ووزارة المال ومجلس الأمن القومي. وجرت أيضاً اجتماعات جانبية مع ممثلي دول مانحة كرئيس مؤسسة الإنماء الدولي البريطانية (Department for International Development DFID)». وأفاد بأن «معظم الأسئلة تمحورت حول النزوح السوري، ووقعه على مجمل الوضع اللبناني. وأكدنا للجميع صعوبة الوضع، وأن المسألة لها طابع المسؤولية الدولية وليس اللبنانية البحتة، لذا فإن لبنان بحاجة ماسة إلى مساعدات مالية كبيرة، وهذا ما أظهرته بوضوح دراسة البنك الدولي التي بيّنت الخسارة التي يتكبدها لبنان ليس الإجمالية فحسب بل في مختلف القطاعات». ونبّه هنا إلى أن «أية مساعدات قد تأتي في هذا السياق، هي لمساعدة اللبنانيين أو الاقتصاد اللبناني تحديداً، وليس النازحين السوريين الذين يحصلون على مساعدات مباشرة من مؤسسات غير حكومية عديدة، كذلك من لبنان في مجالات التعليم والطبابة وغيرهما».
خريطة طريق
قال الصفدي: «وضع البنك الدولي في سياق المساعدات المرتقبة للبنان خريطة طريق من أربع مراحل: - الأولى آنية لتفعيل (مع مبالغ إضافية) البرامج الإنمائية القائمة مع البنك الدولي ومؤسسات أخرى. - الثانية في المدى القريب، لإنشاء وتفعيل صندوق المساعدات (Trust Fund) لمشاريع إنمائية. - الثالثة لتمويل برامج بنى تحتية طويلة المدى. - الرابعة لتفعيل دور القطاع الخاص. في ما يتعلق باجتماع الدول المانحة، قال الصفدي: «جرى الاجتماع التقني الأول (Technical meeting) في البنك الدولي، تحضيراً لاجتماع للدول المانحة قد يحصل في المستقبل القريب»، موضحا أن «كل الدول الكبرى، والدول العربية المعنية، والمؤسسات الدولية والعربية المهتمة بالوضع اللبناني، تمثلت في الاجتماع، فكان عدد الدول والمؤسسات الحاضرة 20 دولة». وأكد أن «الاجتماع التحضيري كان جيداً، وتم التحضير له من قبل البنك الدولي خلال فترة قصيرة وبكفاءة عالية». واستدرك قائلاً: «ربما ما زال من المبكر الحديث الآن، بعد هذا الاجتماع، عن مدى استعداد الدول والمنظمات المعنية لمساعدة لبنان. إلا انه من الممكن الإشارة إلى أن كلاً من بريطانيا والولايات المتحدة والنروج... أظهرت اهتماماً أكبر من الدول الأخرى. كما أبدت بعض الدول والمنظمات (مثل فرنسا...) عن استعدادها الكبير والقوي لدعم لبنان في حال قرر الاقتراض لمواجهة الأزمة الحالية الناتجة عن النزوح السوري. وقد سارعت إلى القول بوضوح، في هذا الخصوص، أننا بحاجة إلى مساعدات، وليس إلى قروض نملك الكثير منها حالياً».
|