كتب محمد وهبة, رشا أبو زكي في جدريدة الاخبار بتاريخ 17-4-2012 أزمة خبز تلوح في الأفق. ككل المرات السابقة، يحاول أصحاب الأفران والمطاحن زيادة سعر ربطة الخبز (رسمياً)، متذرعين بارتفاع أسعار القمح، الأجور، المحروقات، النقل... وإلا فالإضراب في 20 نيسان. أما وزير الاقتصاد نقولا نحاس، فيطرح «مقاربة جديدة لسعر ربطة والخبز ووزنها»، من دون أن يؤكد ما إذا كانت هذه المقاربة ستزيد السعر أو ستواصل لعبة التصرّف بالمال العام
انتقلت عدوى الإضراب إلى تجار الخبز. البداية كانت مع إضراب أصحاب المستشفيات، ثم تلاها إضراب تجار المحروقات على اختلاف أنواعهم. اليوم انتشرت هذه «الموضة» لتصيب صانعي الرغيف من أصحاب أفران وأصحاب مطاحن. فهؤلاء يتوعّدون بقطع الخبز عن الأسر اللبنانية، في 20 نيسان المقبل، احتجاجاً على ارتفاع كلفة إنتاجهم، ويتذرّعون بأن الدولة اللبنانية هي من يحدّد سعر الرغيف، فيما الأكلاف ارتفعت؛ فالدولة قرّرت زيادة الأجور، وألغت ضريبة القيمة المضافة عن المازوت، ما يحول دون استرداد المبالغ التي يدفعها تجار الخبز، فيما ارتفعت أسعار المحروقات باطراد... كل هذه الزيادات ترتّب أعباءً إضافية وتقلّص أرباحهم. وبصرف النظر عن مدى أحقية مطالبهم، وعن قدرتهم على تنفيذ الإضراب، إلا أن المستهلك اللبناني هو وحده من يدفع ثمن كل ذلك، سواء حصل المطالبون على الزيادات بتمويل من الخزينة العامة بواسطة الدعم، أو من جيوب المواطنين مباشرة بعد زيادة أسعار السلع والخدمات. فهل يرضخ وزير الاقتصاد لضغوط التجّار ويزيد سعر الربطة؟ يوم الخميس المقبل سيكون اللبنانيون على موعد مع إضراب شامل لصانعي الرغيف (إذا حصل). فبحسب قرار الجمعية العمومية لاتحاد نقابات أصحاب الأفران والمخابز، سيشمل الإضراب سائر قطاعات الأفران والمخابز في المحافظات والمناطق. واتخذ قرار الإضراب بعد مفاوضات استمرت لنحو 4 أشهر بين الأفران والمطاحن من جهة، ووزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس من جهة أخرى، «من دون أي جدوى»، بحسب ما يقول رئيس اتحاد نقابات الأفران كاظم إبراهيم. فبرأيه إن الزيادات التي طرأت على أسعار المحروقات «تحرقنا كلنا»، مضيفاً أنه «عندما ألغوا ضريبة القيمة المضافة عن المازوت، كنا نستردّ عن كل طن 150 ألف ليرة، لكن اليوم ندفع ولا نستردّ». لائحة إبراهيم للزيادات المترتبة على كلفة إنتاج الرغيف تشمل «زيادة الأجور أيضاً التي تلاها ارتفاع كلفة التعليم، وكلفة النقل... رغم كل ذلك لا أحد يريد أن يسمع، ولا أحد يردّ علينا، فيما نقبل مرغمون، لأن الدولة هي من يسعّر، أن يكون سعر ربطة الخبز 1500 ليرة لوزن 1000 غرام». هكذا عادت الأفران «بخفي حنين»، لافتاً إلى «أننا سئمنا الوعود، ولن نتكل إلا على أنفسنا». إذاً، ما هي المعادلة التي يطالب بها أصحاب الأفران؟ يجيب إبراهيم بأن الحكومة «هي التي تقرر زيادة سعر ربطة الخبز أو خفض وزنها أو دعمها، لكن في رأينا حرام خفض الوزن أكثر من ذلك، أما الدعم فيذهب سرقة بين الأفران والمطاحن وناقلي الطحين... لذلك نحن مع أي قرار نحصل فيه على حقنا». لكن الأفران ليست وحدها في هذه المطالب؛ فالشريك الأساسي لها هي المطاحن، وأصحابها لهم مطالب أيضاً. شكواهم متصلة بارتفاع الكلفة أيضاً؛ لأن «آلية احتساب كلفة عمل المطاحن لم تتغير منذ 30 عاماً، رغم التغييرات الكبيرة في حجم السوق وفي كل عناصر الكلفة»، يشرح عضو تجمع أصحاب المطاحن نزار شبارق. وأبرز العناصر التي تؤثّر على المطاحن هي المحروقات والأجور، إضافة إلى ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الداخلة في صناعة الطحين. ويلفت إلى أن التضخم الذي يعانيه المواطن، هو ذاته يصيب المطاحن وجميع قطاعات الإنتاج المحلية. يذهب شبارق إلى مثال آنيّ: «تبلغ كلفة تعقيم المطحنة 7 آلاف دولار، وهي كلفة كانت رمزية في السابق، ونحتاج إلى إجراء هذه العمليّة+ مرّة كل أسبوعين، علماً بأن هذا العنصر لا يُحتسب في معادلة أكلاف الإنتاج. يضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار المازوت وانقطاع الكهرباء الذي يجبرنا على تشغيل مولدات خاصة. في ظل هكذا واقع، لا يمكننا الحديث عن أرباح». يقول شبارق إن أسعار القمح ارتفعت منذ شهرين، وكذلك أسعار المواد الأخرى الداخلة في صناعة الطحين. ورغم ذلك لم تعمل الوزارة على إيجاد حلول لهذه الأزمة. فمنذ 8 أشهر، دعمت وزارة الاقتصاد القمح ليصبح بسعر 269 دولاراً، والطحين بسعر 540 ألف ليرة. انتهت فترة الدعم بالتزامن مع انخفاض أسعار القمح والطحين الذي أصبح سعره 480 ألف ليرة لكل طن. ومن ثم عادت أسعار القمح إلى الارتفاع لتبلغ 300 دولار عن كل طن. حينها رفعت المطاحن السعر، إلا أن وزير الاقتصاد طلب خفضه، ووزّع قمحاً مدعوماً بحجم 17 ألف طن في شباط الماضي، لكن الأسعار استمرّت بالارتفاع، ولم تقم الوزارة بأي مبادرة أخرى. اليوم نحن في منتصف نيسان والوزارة لم تتحرك بعد، لذلك سنقوم بالتحرك اعتباراً من الخميس المقبل لعلنا نُوصل صوتنا. ويرى شبارق أن الوزير يستغل الخلافات الحاصلة بين أصحاب المطاحن لكي لا يحرك ساكناً. ويقول إن ثمة مضاربات في قطاع المطاحن، ارتفعت حدتها مع دخول رجل الأعمال الإماراتي عيسى الغرير إلى السوق، بحيث بدأ السيطرة على السوق سعياً إلى احتكارها، وهو يبيع طن الطحين بأقل بـ 100 دولار من المطاحن العاملة الأخرى، ما جعل هذا القطاع في هستيريا حقيقية. المشهد ليس مختلفاً كثيراً بالنسبة إلى الوزير نقولا نحاس؛ ففي الشارع هناك تحرّكات عديدة مرتبطة بارتفاع أسعار المحروقات، مثل الأفران والسائقين العموميين، وهناك تحرّكات أخرى لمطالبات بدعم سلع أو خدمات... لذلك، على الدولة أن تأخذ في الاعتبار كل المشهد، وأن تكون لها مقاربة شاملة. إلى هذا الأساس يستند نحاس، ليقول إنه يجب البحث بجدية عن حلول لهذه المشاكل. لذلك، إن الخيارات المطروحة هي على النحو الآتي: _ إن اقتراح دعم السلع والخدمات مرحلياً هو أمر مطروح، لكنه ليس محبذاً، فإذا أعطينا الدعم للمطالبين به، فسنضطر في النهاية إلى أن نذهب إلى حالة تضخّم. _ أما الخيار الثاني المطروح أمامنا، فهو أن نضع مقاربة جديدة لوزن الربطة والسعر الجديد. _ استبعدنا من لائحة الخيارات المتاحة، تحرير سعر الرغيف. ويعتقد نحاس أنه في ظل ارتباط هذه الأسعار بالمحروقات، فإن الخيارات يجب أن تكون دينامية، لكنه يرى الحل «قريباً جداً». لكن مقاربته الجديدة تثير المخاوف بين المواطنين؛ لأنها قد تنطوي على مقاربة تزيد السعر، أي تحميل المستهلك كلفة إضافية تمتصّ زيادة الأجور التي حصل عليها الأجراء وتزيد العبء على من هم ليسوا أجراء. ________________________________________ 446.1 ألف طن هو حجم واردات القمح في عام 2011 وفق إحصاءات الجمارك اللبنانية، وقد بلغت القيمة الإجمالية لها نحو 143 مليون دولار، أي بمعدل وسطي يبلغ 322.4 دولاراً لكل طن قمح ________________________________________ صفقة أم مطالب؟ يرى رئيس جمعية المستهلك زهير برو، أن الحلّ الوحيد لأزمة الخبز المتكرّرة، هو أن يدعو وزير الاقتصاد نقولا نحاس، المجلس الوطني لحماية المستهلك إلى الانعقاد. فالمجلس يضمّ إلى ممثلي الأفران والمطاحن، جمعيات المستهلك وممثلين عن 9 وزارات، وهؤلاء يمكن أن يضعوا الآليات الضرورية لحفظ حق الفقراء والأفران، وأي مقاربة ثانية ستؤدي كالعادة إلى صفقة بين الوزارة والأفران. فالسنوات الماضية تثبت تكرار عملية الابتزاز التي يقوم بها أصحاب الأفران والمطاحن، فيُرفَع سعر الرغيف على الفقراء، وتنتهي القضية بتوزيع القمح المدعوم على هذه الجهات، وهدر الأموال من دون معادلات واضحة لاحتساب الأكلاف والأرباح. اقتصاد العدد ١٦٨٥ الثلاثاء ١٧ نيسان