|
اخبار متفرقة > -لتقرير الاقتصادي لبنك عودة للنصف الأول: الاقتصاد اللبناني في دائرة المراوحة |
ا أداء أضعف للقطاع الزراعي نتيجة تراجع الطلب الداخلي وحركة التصدير4,1%
الوفاء : 11-8-2012
أظهر تقرير "بنك عودة" الاقتصادي للنصف الأول من العام 2012 تباطؤا في الاقتصاد اللبناني، مشيراً إلى أن نسبة التضخم سجلت حوالي 5,3 في المئة. ورأى التقرير أن القطاع المصرفي سجل نموًا معتدلاًحيث زادت الودائع حوالي 4,2 في المئة، في حين تراجعت ارباح القطاع حوالي 3,9 في المئة مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2011. على صعيد القطاع الزراعي، فإن أداءه جاء أضعف نتيجة تراجع الطلب الداخلي وتراجع الصادرات الزراعية بحوالي 4,1 في المئة. كما تراجع النشاط الصناعي نتيجة الأسباب المذكورة حيث تراجعت الصادرات الصناعية حوالي 2,3 في المئة. على صعيد قطاع البناء، فقد شهد حالة من التريث جراء التطورات الإقليمية والمحلية. ومع ذلك فقد زادت المبيعات العقارية خلال النصف الأول حوالي 7,8 في المئة وسجلت ما قيمته 4,1 مليارات دولار. لكن أسعار العقارات لم تشهد انخفاضاً ملحوظاً وبقيت مستقرة على الرغم من التريث وتراجع الحركة. على صعيد رخص البناء فقد تراجعت بنسبة 15,6 في المئة. ومما جاء في التقرير: تباطأ الاقتصاد اللبناني في الفصل الثاني من العام 2012 كما تشير إليه معظم مؤشرات القطاع الحقيقي، لكنه تمكن من تجنب الوقوع في فخ الركود الاقتصادي، مع الحفاظ على استقرار في المؤشرات النقدية والمالية. هذا ويبدو أن الاقتصاد الحقيقي تأثر سلباً جراء بعض الأحداث المحلية التي حصلت خلال الفصل الثاني من العام من جهة، بالإضافة إلى التداعيات المستمرة للاضطرابات الإقليمية من جهة أخرى، وذلك على الرغم من أن هذه الآثار غير المباشرة عوضت عنها بعض المفاعيل الأخرى. على صعيد القطاع الخارجي، إن النمو اللافت في الواردات بنسبة 17.9% والذي يعزى خاصة إلى واردات لبنان من المنتجات الاستهلاكية، فاق بكثير نمو إجمالي الصادرات البالغة نسبته 2.4% خلال النصف الأول من العام 2012، ما أدى إلى زيادة ملحوظة في العجز التجاري بنسبة 22.6% ليشكل هذا الأخير زهاء 42% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي ظل عدم قدرة تدفقات الأموال الوافدة على تعويض العجز التجاري كاملا، فإن مزيداً من الضغوط قد ظهرت على ميزان المدفوعات الذي سجل عجزاً بقيمة مليار دولار في النصف الأول من العام 2012، بعدما كان قد سجل عجزاً بحوالي ملياري دولار في مجمل العام 2011. أما على الصعيد النقدي، فإن الظروف العامة لا تزال مؤاتية في سياق تدني معدلات التضخم وفي ظل تحويلات صافية من وفورات بالعملات الأجنبية إلى وفورات بالليرة لبنانية، ما عزز الاحتياطيات الخارجية لدى مصرف لبنان. هذا وإن النمو المعتدل في الكتلة النقدية بنسبة 6.4% خلال النصف الأول من العام 2012 قد ترافق مع معدل تضخم بنسبة 5.3% خلال الفترة نفسها. في موازاة ذلك، إن الوتيرة المؤاتية للتحويلات من العملات الأجنبية إلى العملة المحلية سمحت لمصرف لبنان بشراء 1.5 مليار دولار من سوق القطع وتعزيز موجوداته الخارجية لتصل إلى مستوى قياسي جديد بلغ 35.2 مليار دولار في نهاية حزيران. كما شكلت عملية المبادلة بما يوازي ملياري دولار من سندات خزينة بالليرة اللبنانية إلى سندات يوروبوندز سيادية يحملها مصرف لبنان دعماً لمستوى موجودات المصرف من العملات الأجنبية. هذا وفي موازاة الأداء الماكرو اقتصادي العام، سجل النشاط المصرفي نمواً معتدلاً هذا العام. إذ نمت الودائع المصرفية بقيمة 4.2 مليارات دولار خلال النصف الأول من العام 2012، أو بنسبة 13% أقل من متوسط النمو المسجل في الفترة المماثلة من السنوات الخمس الماضية. أما نشاط التسليف فقد حافظ على زخمه، مع إطلاق موجات جديدة من القروض للقطاع الخاص بقيمة 2.3 مليار دولار، أي ما يقارب نمو الفترة نفسها من العام الماضي والنمو المحقق في الفترة المماثلة من السنوات الخمس الماضية. هذا ولا تزال الظروف التشغيلية للمصارف العاملة في لبنان صعبة نسبياً، بحيث سجلت الأرباح الصافية تراجعاً بنسبة 3.9% في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2012، وهي السنة الثانية على التوالي التي يشهد فيها القطاع المصرفي تقلصاً صافياً في الأرباح. وعلى صعيد الأسواق المالية، سجلت أسواق الأسهم والسندات أداءً ضعيفاً نسبياً. فقد انخفض المؤشر العام لأسعار الأسهم المدرجة في بورصة بيروت بنسبة 3.3% في النصف الأول من العام 2012، أي بتراجع صافٍ للسنة الثالثة على التوالي. ومع بلوغ متوسط السعر إلى المردود نسبة 6.9 ومتوسط السعر إلى القيمة الدفترية نسبة 1.1، فإن سوق الأسهم تبدو جاذبة جداً بالنسبة إلى المتوسطات الإقليمية والعالمية لكنها لا تزال تفتقر إلى السيولة والفعالية، إذ لا تتجاوز قيمة التداول السنوية فيها نسبة 5% من قيمة الرسملة السوقية. في موازاة ذلك، ارتفع متوسط هوامش السندات من 321 نقطة أساس في نهاية العام 2011 إلى 363 في نهاية حزيران 2012، أي باتساعٍ صافٍ مقداره 42 نقطة أساس، وذلك بعد اتساع بحوالي 139 نقطة أساس في العام 2011 ككل. وفي ما يلي تحليل مفصل لتطورات القطاع الحقيقي والقطاع الخارجي والقطاعين العام والمالي في حين أن الملاحظات الختامية تتناول تحديات المالية العامة في سياق إبرام موازنة العام 2012، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الاقتصادية والسوقية غير النمطية المرتبطة بالسياق اللبناني العام. 1-1- القطاع الاقتصادي الحقيقي: الزراعة والصناعة في النصف الأول من العام 2012، سجّل القطاع الزراعي أداءً أضعف نسبياً جرّاء التباطؤ الخفيف للنشاط على مستوى مكوِّنيه الداخلي والخارجي. ففي الواقع، تأثّر نشاط القطاع بتراجع الطلب المحلي في ظل بعض الاضطرابات الأمنية كما بالأوضاع غير المستقرة في بعض البلدان المجاورة والتي ألقت بثقلها على حركة النقل، علماً أن القسم الأكبر من نشاط القطاع يتركّز في المناطق المحاذية للحدود اللبنانية. في التفاصيل، بلغت قيمة الصادرات الزراعية 93 مليون دولار في النصف الأول من العام 2012، أي بانخفاض نسبته 4.1% مقارنةً مع الفترة ذاتها من العام 2011.. في المقابل، شهد القطاع الصناعي بمكوِّنيه الداخلي والخارجي تباطؤاً نسبياً. ففي النصف الأول من العام 2012، بلغت قيمة الصادرات الصناعية 1286,1 مليون دولار، بانخفاض نسبته 2,3% مقارنةً مع الفترة ذاتها من العام 2011. باختصار، جاء نشاط القطاعين الأول والثاني انعكاساً للتطورات المحلية وفي البلدان المجاورة باعتبار أن الأرقام دلّت على ركود الطلب المحلي والخارجي. ففي الواقع، ما زال المستثمرون يعتمدون خيار التريّث ويبدون أقلّ ميلاً للاندفاع في مشاريع جديدة في ظلّ الأجواء العامة السائدة. 1-2- البناء: بعض التصحيح في النشاط في مناخ إقليمي ملبّد ما زالت السوق العقارية اللبنانية تعيش حالة تريّث جرّاء التطورات الإقليمية الأخيرة، ما ولّد انعكاسات غير مؤاتية أُضيفت الى المخاوف من انزلاق الأوضاع الأمنية المحلية، الأمر الذي ألقى بثقله على مناخ الثقة لدى الشارين والمستثمرين. ففي الواقع، لا تزال السوق في المرحلة التصحيحية التي بدأت قبل بضعة أشهر والتي تعبّر عن بعض التصحيح في السوق عقب معدلات النمو المسجّلة في السنوات السابقة والتي كانت تزيد عن العشرة في المئة. وتظهر أرقام السجلّ العقاري أن حركة السوق العقارية تتعافى ببطء من التقلّص الذي أصابها في العام 2011. ففي النصف الأول من العام 2012، زادت قيمة المبيعات العقارية بنسبة 7,8% على أساس سنوي لتصل الى 4149 مليون دولار. ولا تُعدّ هذه الزيادة كبيرة، كونها تنطلق من قاعدة ضعيفة في العام 2011، وهي لا تزال دون المستويات المحقّقة في عامي 2009 و2010. والأداء ذاته يظهر على مستوى عدد المبيعات الذي انخفض بنسبة 8,0%. في موازاة ذلك، يبدو أن تصحيح المبيعات بالقياس الى قاعدة مرتفعة في السنوات السابقة يصيب قطع الأراضي والشقق في آن، إذ تبيّن الإحصاءات انخفاض حجم مبيعات العقارات المبنيّة وغير المبنيّة على السواء. - التجارة والخدمات: تباطؤ طفيف يبدو أن البيئة غير المستقرّة نسبياً انعكست نوعاً ما على نشاط القطاع الثالث الذي اتّسم في الفصل الثاني من العام 2012 بنمو أضعف قليلاً منه في الفصل الأول. فمن جهة، لا يزال النشاط السياحي والنقل الجوي يسجّلان اتّجاهات متعارضة بحيث إن الأول ما زال يعاني تقلّصاً واضحاً في حين أن الثاني، رغم محافظته على منحاه التصاعدي، سجل تحسّناً أضعف نسبياً بالمقارنة مع الفصل الأول من السنة. من جهة أخرى، حافظت حركة النقل البحري على الزخم ذاته بدفعٍ من النفقات الاستهلاكية للقطاع الخاص، فيما تعكس النفقات الاستثمارية استمرار حال التريّث لدى المستثمرين. القطاع الخارجي: ازدياد العجز التجاري إن ارتفاع فاتورة الاستيراد وصعوبة الأوضاع الاقتصادية العالمية واشتداد الأزمة في البلدان المجاورة أسهمت الى حدّ كبير في تضخيم العجز التجاري الذي بلغ مستوى قياسياً جديداً خلال النصف الأول من العام 2012، معرّضاً حسابات لبنان الخارجية لمزيد من الضغط. ففي الواقع، ازداد العجز التجاري بنسبة 22,6% على أساس سنوي ليصل الى 8,7 مليارات دولار أميركي في النصف الأول من العام 2012، عقب ازدياده بنسبة 9,9% في الفترة ذاتها من العام 2011، في ظلّ نمو إجمالي للواردات فاق نمو الصادرات. فقد زادت الواردات بنسبة 17,9% لتصل قيمتها الى 10,9 مليارات دولار في النصف الأول من العام 2012 بسبب كل من مفعول السعر ومفعول الكمّ. ويبدو أن الطلب الاستهلاكي الخاص صمد إزاء الاضطرابات المحلية والإقليمية فيما تأثّر الطلب الاستثماري الى حدّ ما، ذاك أن الواردات من السلع الاستهلاكية زادت بنسبة 31,4% بينما ارتفعت الواردات من السلع الاستثمارية بنسبة 1,2% في الفترة ذاتها. ولكن، تجدر الإشارة الى أن نمو الواردات في الفصل الثاني من السنة جاء أضعف بكثير منه في الفصل الأول (5,5% و30,5% على التوالي). القطاع العام: مخاطر المالية العامة في صلب التحديات شهدت أوضاع المالية العامة مزيداً من التردي في الفصل الثاني، وهو نمط ساد منذ بداية العام 2012، عاكساً التحسن النسبي الذي شهدته المالية العامة خلال السنوات القليلة الماضية. وإذا استثنينا تحويلات إيرادات قطاع الاتصالات، يكون العجز العام قد ازداد بنسبة 42.7% سنوياً ليبلغ 1734 مليون دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2012. ويبقى هذا المستوى من بين الأعلى في المنطقة، مما يضع ضغوطاً إضافية على المديونية العامة التي بلغت 55.1 مليار دولار في نهاية أيار 2012، ما يشكّل 136% من الناتج المحلي الإجمالي. أما الفائض الأولي، الذي يستثني خدمة الدين من النفقات العامة، فقد بلغ 491 مليون دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2012. على صعيد النفقات، وبما أن الحكومة لا تزال تنتظر الموافقة على موازنة العام 2012، لم ينفذ حتى الآن أي برنامج إنفاقي كبير. 4- القطاع المالي الوضع النقدي: نمو معتدل للكتلة النقدية اتّسمت الأوضاع النقدية في النصف الأول من العام 2012 بنمو معتدل للكتلة النقدية، وبتحويلات نقدية صافية لمصلحة الليرة اللبنانية وبمستوى قياسي جديد لاحتياطيّات القطع الأجنبي لدى مصرف لبنان. ففي النصف الأول من العام 2012، شهدت سوق القطع تحويلات صافية لمصلحة العملة الوطنية على الرغم من التوتّرات السياسية المحلية والمخاوف من الوضع الأمني في سوريا. وهذه التحويلات عائدة بخاصة الى ثقة المتعاملين المستمرّة بالسياسة النقدية الاحترازية التي ينتهجها مصرف لبنان وبقدرة هذا الأخير على الدفاع عن الثبات الاسمي لسعر صرف الليرة في حال حدوث ضغوط طارئة. وفي النصف الأول من العام 2012، زادت الكتلة النقدية بالليرة بقيمة 3164 مليار ليرة (ما يعادل 2099 مليون دولار أميركي)، بخاصة نتيجة التحويلات من الدولار الى الليرة والنمو الملحوظ للديون الصافية على القطاع العام بالليرة، علماً أن الكتلة النقدية بالليرة كانت قد تقلّصت بقيمة 4205 مليارات ليرة في الفترة ذاتها من العام 2011 (ما يعادل 2789 مليون دولار أميركي). هذا وإن ازدياد الكتلة النقدية بالليرة نجم بخاصة عن ازدياد ودائع الإدخار بالليرة بقيمة 3014 مليار ليرة (ما يعادل ملياري دولار أميركي). - النشاط المصرفي: نمو معتدل للنشاط منذ بداية العام ومكانة مالية مصونة حقّق النشاط المصرفي نمواً معتدلاً في النصف الأول من العام 2012 في ظل ظروف تشغيلية صعبة اتّسمت بهوامش ضيّقة وبانخفاض المداخيل من خارج الفوائد وسط نمو بطيء وبمتطلّبات رصد المزيد من المؤونات لفروع المصارف اللبنانية كتدبير احترازي إزاء التطورات الإقليمية. وقد نما النشاط المصرفي، الذي يُقاس بتغير الموجودات المجمّعة للمصارف العاملة في لبنان، بنسبة 3,8% في النصف الأول من العام 2012 بحيث وصلت هذه الموجودات الى 145,9 مليار دولار في حزيران 2012. غير أن ازدياد إجمالي الموجودات بقيمة 5,3 مليارات دولار جاء أقل بنسبة 18.2% من الزيادة المحقّقة في النصف الأول من العام 2011 وأقلّ بنسبة 15,1% من متوسط الزيادة المسجّلة في الفترة ذاتها من السنوات الخمس الأخيرة. لقد ظلّت ودائع الزبائن المحرّك الأساسي للنشاط المصرفي، وقد سجّلت نمواً معتدلاً بنسبة 3,6% بين كانون الأول 2011 وحزيران 2012 لتبلغ 119,9 مليار دولار أميركي. وهذا النمو الذي بلغت قيمته 4,2 مليارات دولار عائد بخاصة الى ودائع المقيمين التي استحوذت على 76% من إجمالي نمو الودائع في النصف الأول من السنة الجارية، علماً أن ودائع غير المقيمين زادت بنسبة 4,8% في الفترة ذاتها. ولكن، تجدر الإشارة الى أنه على الرغم من استمرار نمو الودائع المصرفية هذه السنة، فقد كان هذا النمو أبطأ نسبياً في ظلّ الظروف التشغيلية الصعبة والمخاوف من انعكاسات التطورات الإقليمية على الساحة المحلية. وقد جاء نمو الودائع المصرفية أقلّ بقليل منه في النصف الأول من العام 2011 وأقلّ بنسبة 12,9% من متوسط نمو الودائع في الفترة ذاتها من السنوات الخمس الأخيرة. ويُظهر تحليل بنية الودائع حسب نوع العملة أن الودائع بالليرة اللبنانية كانت لها المساهمة الأكبر في نمو إجمالي الودائع المسجّل في النصف الأول من السنة، عاكسةً بذلك ظروفاً مريحة في سوق القطع على الرغم من الحوادث الأمنية المتقطّعة وبعض المخاوف المرتبطة بالتطورات الإقليمية. ففي الواقع، زادت الودائع بالليرة بقيمة 2,5 مليار دولار في النصف الأول من العام 2012، أي بما يعادل 61% من إجمالي نمو الودائع، بينما زادت الودائع بالعملات الأجنبية بقيمة 1,6 مليار دولار في الفترة ذاتها. وقد جاء هذا التطور معاكساً للمنحى المسجّل في العام 2011، الذي شهد في بدايته تحويلات لمصلحة العملات الأجنبية في ظروف سياسية صعبة. ومن جرّاء ذلك، تراجعت نسبة دولرة الودائع بعض الشيء، بانخفاضها من 65,9% في كانون الأول 2011 الى 65,0% في حزيران 2012. - البورصة وسوق السندات: انخفاض الأسهم واتّساع الهوامش على "اليوروبوندز" إن التطورات الأمنية المحلية والمخاوف المستمرّة من انعكاسات الوضع في سوريا على الساحة اللبنانية أثّرت على أسواق الرساميل في النصف الأول من العام 2012، كما يُظهره انخفاض أسعار الأسهم، واتّساع متوسطات الهوامش على سندات اليوروبوندز وعلى شهادات الإيداع. فقد عرفت سوق سندات اليوروبوندز بعض العروض لسندات الدين اللبنانية خلال النصف الأول من العام 2012 وسط مخاوف من الاضطرابات المحلية ومن تداعيات الوضع في سوريا على الساحة الداخلية، علماً أن إعادة النظر في آفاق دين لبنان السيادي من قبل "ستاندرد أند بورز" أسهمت الى حدّ ما في ظهور هذه العروض. ذاك أن وكالة "ستاندرد أند بورز" عدّلت في أيار 2012 تصنيف آفاق دين لبنان السيادي الطويلة الأجل من "مستقر" الى "سلبي"، وثبّتت تصنيفها لهذا الدين بالليرة وبالعملات الأجنبية على الأجلَيْن الطويل والمتوسط بمستوى "B/B". وتعبّر الآفاق السلبية عن تقدير الوكالة المذكورة بأن الوضع الأمني في لبنان قد يتدهور جرّاء التطورات في سوريا، الأمر الذي من شأنه تهديد الاستقرار الداخلي. خلاصة: إلزامية الحد من تنامي العجز على الرغم من فائض الأصول على المديونية مع بداية النصف الثاني من العام الحالي، صادقت الحكومة على مشروع قانون موازنة العام 2012 وأرسلته إلى المجلس النيابي لدراسته والموافقة عليه. وكان هذا الأخير قد وافق بدوره على رفع سقف النفقات العامة لسنة 2012 بعد إدخال بعض التعديلات عليه. وقد خصصت هذه المسودة نفقات بقيمة 9,248 مليار ليرة على شكل مدفوعات وسلفات خزينة. وتضاف هذه الأخيرة إلى سقف الإنفاق السابق البالغ 10,000 مليار ليرة والمعتمد وفق آخر موازنة مصدقة من قبل المجلس في العام 2005، لتتيح تغطية المبالغ المتضخمة المتراكمة منذ ذلك الحين، لا سيما على صعيد خدمة الدين وكلفة الأجور والتحويلات المالية إلى مؤسسة كهرباء لبنان. يجدر الذكر أن التطور اللافت تجلى بالتوافق الكامل داخل المجلس النيابي في التصديق على سقف الإنفاق العام لينهي بذلك أشهراً طويلة من التجاذب السياسي في هذا المضمار. أما التطور البارز على صعيد مشروع قانون الموازنة 2012، فقد تجلى بإلغاء أبرز التدابير الضريبية المقترحة سابقاً، في حين أن الإنفاق العام قد حافظ تقريباً على مستواه الإجمالي المرتفع المقترح في السابق. على هذا النحو، فإن العجز العام المقترح في الموازنة العامة قد يصل إلى 5,900 مليار دولار، أي ما يعادل نسبة 9.2% من الناتج المحلي الإجمالي في لبنان، علماً أن عدداً من النفقات الإضافية قد انتقل إلى خارج الموازنة (أهمها سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام)، والتي كانت تقدر بما لا يقل عن 2,200 مليار ليرة، تعمل الحكومة على البحث عن مصادر تمويل لها. يجدر الذكر أنه حتى يوافق المجلس النيابي على مشروع القانون، ينبغي التحقق من إغلاق جميع الحسابات السنوية منذ العام 2005. هنا، تجدر الإشارة إلى أن تصديق الحكومة على مشروع قانون موازنة العام 2012 يأتي في ظل المناخ العالمي اللا نمطي الطارئ حيث تبرز فيه قضايا الديون السيادية العالمية والعجوزات المالية الناشئة على رأس اهتمامات المستثمرين حول العالم، ما يجعل من مسألة تفادي الانحراف في المالية العامة أمرا جوهريا في لبنان الذي ما زالت نسبة مديونيته في العشرة الأول بين البلدان حول العالم. إن التعثر المحتم لدولة اليونان والمخاطر الجامحة التي تلف عدداً كبيراً من البلدان المتقدمة يجب أن تشكل عبراً وافية للدول التي تعاني من اختلالات مالية حقيقية، ومن بينها لبنان، بحيث تعمد إلى تبني سياسات احترازية واجتنابية لتفادي الانزلاق نحو حلقة مفرغة من الانحرافات السوقية والاقتصادية. هذا وفي حين أن العجز العام في لبنان المتوقع في مشروع قانون موازنة العام 2012 والآيل إلى مزيد من الارتفاع عند الأخذ بالحسبان النفقات المقترحة من خارج الموازنة، يعد مرتفعاً بالقيم المطلقة والنسبية ويجب احتواؤه، فإن هناك عدداً من العوامل التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تحليل شؤون المالية العامة في لبنان والانحرافات المالية فيه. يجدر الذكر أن مثل هذه الاعتبارات غير النمطية تجعل الوضع اللبناني مختلفاً عن ذلك السائد في بلدان منطقة اليورو المثقلة بالديون والعجوزات، بحيث يمكن تلخيص تلك الاعتبارات بما يلي: أولاً، على الرغم من أن نسب المديونية في لبنان تعد مرتفعة، إلا أن ديناميكيات الدين جاءت مؤاتية على مدى السنوات القليلة الماضية. فنسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي والتي كانت تصل إلى حدود 180% في العام 2006، تبلغ اليوم حوالي 135%. ويأتي هذا التحسن في نسب المديونية في لبنان بالمقارنة مع تدهور صافٍ في هذه النسب في جميع أنحاء العالم، بحيث ارتفع متوسط نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في البلدان المتقدمة بأكثر من 30% خلال الفترة نفسها. كما أن التحسن في بنية الدين العام في لبنان لا يقل أهمية عن التحسن في نسب المديونية بحيث إن الدين العام بالعملات الأجنبية الذي كان يستحوذ على أكثر من نسبة 50% من إجمالي الدين العام، يصل اليوم إلى نسبة 39%، مع ما يترتب على ذلك من قدرة على تسديد الديون من قبل السلطات اللبنانية والتي تتحكم بعملتها المحلية تماما. إضافةً إلى ذلك، وخلافاً للبلدان التي تواجه أزمة ديون، فإن الدين العام في لبنان هو دين محلي إلى حد بعيد، لا سيما أن نسبة الديون التي تحملها المؤسسات والأفراد اللبنانيون تمثل حوالي 90% من مجموع الدين العام. ناهيك عن أن هؤلاء المستثمرين اللبنانيين قد اعتادوا على المخاطر اللبنانية وهم على استعداد لتحمل مثل هذه المخاطر ولا يتسرعون بالخروج من السوق المحلية مع أولى إشارات الاضطراب. كما يضاف إلى هذه الاعتبارات تلك المتعلقة بالوضعية الخارجية للبلاد. فقد تجاوزت الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان عتبة الـ35 مليار دولار (باستثناء الذهب)، وهو رقم قياسي جديد، يمثل نسبة 86% من الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية وحوالي 20 شهراً من الواردات. وعند احتساب الذهب، تصل هذه الموجودات الخارجية إلى ما يقارب عتبة الـ50 مليار دولار، أي ما يناهز مرتين ونصف مرة ديون لبنان بالعملات الأجنبية. وحتى عند الأخذ بعين الاعتبار الموجودات الخارجية الصافية، تتجاوز هذه الموجودات مجموع الدين العام بالعملات الأجنبية. أبعد من ذلك، وعند النظر إلى الوضعية المجمعة للدولة اللبنانية اليوم وتقدير مجموع أصولها وخصومها، تبرز قيمة إيجابية للأصول الصافية ناتجة بوضوح عن الفائض في احتياطياتها والحسابات الدائنة والأشكال المختلفة للممتلكات مقارنة مع إجمالي الدين العام المجمع بالليرة وبالعملات الأجنبية. كما أن هنالك اعتبارات أخرى ترتبط باحتمالات سيناريو الهبوط الآمن في أوضاع المالية العامة في قطاع لديه نسب اقتطاع متدنية، إضافةً إلى وجود فجوة كبيرة بين الناتج الإجمالي الحالي والناتج الممكن تحقيقه. وتقدر العائدات الإضافية التي يمكن جبايتها في سياق الناتج الممكن تحقيقه بحوالي 3 مليارات دولار، وهو ما يتجاوز العجز المالي للعام الماضي. ناهيك عن إمكانية سد الفجوة الكبيرة في التهرب الضريبي جزئياً بشكل تدريجي والمقدرة اليوم بحوالي 2.6 مليار دولار، وهي نابعة بشكل رئيسي من التهرب من دفع الضرائب على الدخل ورسوم الكهرباء والضرائب العقارية وغيرها. أخيراً، هذه الاعتبارات الخاصة لا تعني أنه لا تحديات جمة مرتبطة بديون لبنان السيادية في الأفق. في الواقع، إن اختلالات المالية العامة غير قابلة للاستدامة في الأجلين المتوسط والطويل. إن البلاد تمكنت حتى الآن من تجنب الوقوع في فخ المديونية والوقوع في حلقة مفرغة من نسب المديونية والعجوزات العامة المتراكمة. إلا أنه من أجل أن يدوم صمود اقتصاد لبنان في المدى المتوسط والطويل، هناك حاجة لإطلاق العديد من الإصلاحات الهيكلية الجذرية في محاولة لضمان سيناريو هبوط آمن في أوضاع المالية العامة التي لا تزال شائكة إلى حد كبير والتي تشكل في الواقع الهشاشة الأبرز لاقتصادنا اللبناني في أيامنا هذه.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|