مواجهة مخاطر تمويل الدولة في 2013 بين «المركزي» والقطاع المصرفي مصرف لبنان يحمل سندات بـ 6 مليارات دولار على الدولة و31,3 % من الدين بالليرة
عدنان الحاج السفير 21-1-2013
لا يبدو أن المخاطر الاقتصادية الاجتماعية، في ظل غياب الموازنة، ستكون أقل خطورة من أوضاع المالية العامة، في ظل غياب موازنة تعكس الحجم الحقيقي لحاجات الدولة ونفقاتها منذ سنوات، وفي ظل تزايد الإنفاق غير المجدي والذي سيزداد خلال سنة الترضيات الانتخابية. كل ذلك على حساب المال العام والعجز وتردي المالية العامة، التي تزيد حجم الخطورة والتراكمات المالية في ظل تراجع النشاط الاقتصادي من جهة، وتزايد الأزمة الاجتماعية وتزايد البطالة نتيجة الركود الاقتصادي وتراجع فرص العمل وضرب مصادر إيرادات الدولة والهدر والتهريب والمخالفات . لقد كان موضوع المخاطر التي تواجه قضية تمويل الدولة مدار بحث خلال الأسبوع الماضي بين المصارف ومصرف لبنان. وهو أمر حقيقي يفترض التوقف عنده على اعتبار أن هذا الأمر يواجه نوعين من المخاطر الكبرى هما : 1 - المخاطر الأولى، وهي تظهر عندما يبدأ المصرف المركزي في عملية «التنقيد» (من كلمة النقد) بما يعني زيادة تسليفاته للدولة بالليرة اللبنانية، أي التسليف بعملته (الليرة)، وهذه طريقة غير سليمة في حال استمرارها، وتقود إلى مفاعيل تضخمية، على اعتبار أن الدولة تمول نفقاتها جزئياً من خلال آلية تضخمية ، انطلاقاً من مبدأ محاذير اللجوء إلى طبع العملة وزيادة الضغوط من الديون بالعملة الوطنية . إشارة هنا إلى أن مصرف لبنان يحمل حالياً حوالي 15900 مليار ليرة من ديون الدولة بالليرة اللبنانية البالغة حوالي 51 الف مليار ليرة، أي ما نسبته حوالي 31,5 في المئة . وهذه قضية لا يفترض أن يستمر مصرف لبنان في تكبيرها. بمعنى أدق ان مصرف لبنان يحمل سندات دين على الدولة بالنسبة المذكورة . 2 - المخاطر الثانية، هي في أن البنك المركزي يحمل بالعملة الأجنبية على الدولة ما يفوق 6 مليارات دولار. هذا يعني أن مصرف لبنان يمول احتياجات الدولة بالعملات الأجنبية، ويستنزف احتياطاته بالعملات، مما يستوجب السؤال الآتي: أين تقف هذه العملية في ظل الضغوط السياسية والأمنية، وارتفاع وتيرة النفقات على عجز كهرباء لبنان بمعدل ملياري دولار سنوياً. هذا الموضوع تحديداً كان موضع بحث في الاجتماع الأخير بين جمعية المصارف وحاكمية مصرف لبنان، حيث رأى حاكم البنك المركزي أن مؤشرات العام 2012 كانت مقبولة وجيدة، لجهة نمو الودائع التي زادت 7 في المئة تقريبا والتسليفات التي ارتفعت للقطاعات بحوالي 10 في المئة. في حين بقي عجز ميزان المدفوعات مرتفعاً حيث سجل حوالي 1850 مليون دولار، وهو كان سجل خلال العام الماضي عجزاً تخطى 2100 مليون دولار. وكشف حاكم مصرف لبنان أن البنك المركزي يعتمد طريقتين أو توجهين لإعادة تنظيم السيولة. التوجه الأول يقوم على أساس استبدال شهادات الإيداع التي تستحق خلال العامين 2013 و2014 بشهادات لآجال أطول. والتوجه الثاني يقضي بتسويق جزء من سندات الخزينة بالعملات «يوروبوند» من محفظة مصرف لبنان بقيمة 3 مليارات دولار مع المصارف والمؤسسات المالية لدعم سيولة مصرف لبنان بالعملات وتحسين ميزانيته التي بدأت تتأثر بتمويل احتياجات الدولة بالعملات الأجنبية. وأكد حاكم مصرف لبنان خلال اللقاء على استمرار سياسة الاستقرار النقدي المتمثلة بسعر صرف الليرة ومعدلات الفوائد التي ستبقى من دون تغيير خلال الفترة المقبلة. من جهتها، جمعية مصارف لبنان بحثت في مجلس إدارتها الاحتياجات التمويلية الجديدة للقطاع العام، وأبدت قلقها إزاء استمرار تزايد الإنفاق العام، على الرغم من تراجع كلفة خدمة الدين العام بنسبة 8 في المئة خلال العام 2012 من حوالي 2950 مليار ليرة في 2011 إلى 2708 مليارات خلال العام 2012 . وبدلاً من تعزيز الفائض الأولي في الموازنة والاستفادة من تراجع كلفة الدين العام، فإن النفقات العامة تزداد في مجالات أخرى وتزيد العجز. إلى ذلك، يضاف عجز الكهرباء الأزلي الذي يستنزف احتياطي مصرف لبنان بالعملات بمعدل ملياري دولار سنوياً. وأبدت جمعية المصارف تخوفها من تصاعد الإنفاق العام والهدر في سنة انتخابية تزيد خلالها النفقات ذات الطابع الانتخابي. وعلم أن الجمعية طرحت أمام حاكم مصرف لبنان تساؤلات جدية حول الاستمرار في تمويل أي نفقات جديدة غير مجدية وغير مبررة لتمويل أي عجز إضـافي، في الوقت الذي تعجز فيه القطاعات عن تحمل أية ضرائب أو أعباء جديدة أو إضافية. وكان رأي حاكم مصرف لبنان هو ضرورة حصول إصلاحات على صعيد المالية العامة، مؤكداً على وجود مخاطر في المنحى الانفاقي الحاصل . ^^ مؤشرات أساسية و مؤثرات خارجية وسط هذه المخاطر التمويلية التي تعيشها البلاد في ظل غياب ملامح الموازنة العامة منذ سنوات، حضرت بعض الطروحات حول مصير مشاريع القوانين التي أقرتها الحكومة والمتعلقة بتنفيذ التزامات لبنان تجاه المجتمع الدولي لإبعاد مخاطرالتضييق والتشدد الخارجي والدولي، تجاه القطاعين المالي والمصرفي اللبناني والتي تؤثر على تصنيف لبنان ومديونية الدولة وكلفتها ومخاطرها في ظل تردي أوضاع المنطقة. وهناك التزامات ومشاريع قوانين كانت أقرتها الحكومة لتحصين السمعة المالية والقطاع المالي تتعلق بالتشدد في مكافحة تبييض الأموال لم تقر حتى الآن نتيجة انشغالات الحكومة والمجلس النيابي بقضايا انتخابية عطلت كل المشاريع الأخرى التي وضعتها الحكومة ضمن التزامها المبدئي مع المعايير الدولية. لقد سبق للحكومة اللبنانية أن أقرت منذ أشهر مجموعة مشاريع قوانين اصلاحية تحمل اشارات للمجتمع الدولي ابرزها مشروع القانون االذي يتعلق بتبادل المعلومات الضريبية وغيرها في اطار مكافحة تبييض الأموال ومحاربة تمويل الارهاب . يذكر أن وزارة المالية كانت وضعت هذا المشروع بتبادل المعلومات الضريبية في مجال القانون الدولي انسجاماً مع الأصول والتعديلات المعتمدة في القانون الرقم 318 المتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وذكرت الأسباب الموجبة للمشروع أن التهرب الضريبي بات يتخذ بعداً دولياً بعد قيام منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بإصدار توصيات عديدة بشأن سبل مكافحة هذه الظاهرة لا سيما أن أعضاء مجموعة العشرين الدولية يلتزمون باتخاذ عدد من الإجراءات ضد الدول التي لا تحترم المعايير الدولية المتعلقة بالشفافية الضريبية وتبادل المعلومات . كما تعتبر وزارة المالية «أن مشروع القانون يمنح عملية تبادل المعلومات الضريبية مع الدول الأجنبية إطاراً قانونياً مناسباً ويساهم في إظهار لبنان كدولة متعاونة تلتزم بالشفافية وبالمعايير الدولية». وكانت هناك آراء لكل من وزارة العدل وهيئة التشريع والاستشارات حول مشروع تعديل القانون 318 الخاص بتعديل قانون مكافحة تبييض الأموال ليصبح قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، إذ رأت الهيئة انه من المستحسن عدم تعديل تسمية القانون ليصبح «قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب» على اعتبار أن جرائم الإرهاب المنصوص عليها في قانون مكافحة تبييض الأموال هي واحدة من «الجرائم الأصلية» التي ينشأ عنها مال غير مشروع، ما يقتضي عدم ربط مكافحة تبييض الأموال بتمويل الإرهاب فقط. في المجمل، ومهما كانت التوجهات ووجهات النظر الداخلية، فقد جاءت الخطوات ضمن إطار الحرص على سمـعة لبـنان لجهـة إظهار جديته في التقيد بالتدابير في مكافحة تبييض ألأمـوال وتمويل الإرهاب وحماية الوضع المالي والمصرفي في لبنان من الحملات التي يتعرض لها من وقت إلى آخر لأسباب منها السياسي، ومنها غير السياسي الذي طاول العديد من الأجهزة والمؤسسات ومنها القطاع الجمركي اللبناني، إضافة إلى القطاع المصرفي. هذه الخطوة التي يعتبرها البعض تتعارض مع السرية المصرفية المعمول بها في لبنان، يعتبرها البعض الآخر استكمالاً للقانون 318 الذي يقضي بمكافحة تبييض الأموال الذي يلحظ قضايا مكافحة تجارة المخدرات وتمويل الإرهاب والجريمة المنظمة واختلاس المال العام والسرقة واستغلال النفوذ، وهي أمور يقتضي التصريح عنها إلى هيئة مكافحة تبييض الأموال في لبنان، وهي تعديلات جديدة تسمح للبنان تبادل التطبيق الضريبي في الدول التي يتعامل معها، وهو أمر مطبق في الدول الأخرى، مما يضع لبنان في مصاف الدول المتقدمة في هذا الصدد.