الدولة تعيش سوء التوزيع بـ«الجملة» وتردّي التحصيل بـ«المفرق»
عدنان الحاج السفير 15-4-2013
تأتي مهمة تأليف حكومة الرئيس تمام سلام في مرحلة تعتبر الأصعب من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والمالية على صعيدي القطاعين العام والخاص، ناهيك عن المرحلة الدقيقة سياسياً وأمنياً في لبنان والمنطقة، والصراع الداخلي بين القوى السياسية على تحقيق المكاسب الخاصة والشخصية، وهي من أهم العناصر التي أعاقت حركة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. لذلك لن تكون ولادة الحكومة سهلة بما يكفي لتخطي الأزمات المتزاحمة على أبواب القطاعات المختلفة، خصوصاً أن الهمّ الانتخابي هو أولوية مهمة الحكومة في حال قيامها ونيلها الثقة في المجلس النيابي بعد عناوين البيان الوزاري. لن نحمّل الحكومة قبل ولادتها أكثر من طاقتها على الرغم من معاناة الدولة من مشكلة سوء التوزيع، وقدرة التحصيل بـ«الجملة» و«المفرق»، لكن الذكرى تنفع في سرد بعض الوقائع والتحديات وعناوين الأزمات في مختلف القطاعات ليتم تحديد الأولويات. بداية لا بد من تسجيل خطوة إيجابية وناجحة سجلتها وزارة المال خلال الأسبوع الماضي بتنفيذ تسويق إصدار سندات خزينة بالعملات الأجنبية «يوروبوند» بقيمة 1100 مليون دولار لتغطية مستحقات العام 2013، منها حوالي 480 مليون دولار استحقت في آذار الماضي. وهذه الخطوة تعتبر ناجحة لوزارة المال في مرحلة تصريف الأعمال، وتحدّ من صعوبة تمويل احتياجات الدولة لموازنة العام 2013 غير المقرّة. وتختلف المشكلات الاقتصادية والمالية بين القطاعين العام والخاص مما يزيد الضغوط المعيشية.
غياب الموازنة العامة أصعب الهموم
1- على صعيد المالية العامة، فإن غياب الموازنة العامة هو أصعب الهموم، وأبرز مؤشرات غياب مراقبة وإنجازات المؤسسات، من حيث تأمين التمويل في ظل تردد القطاع المصرفي ورفضه الاستمرار في تمويل النفقات غير المجدية، ومنها الموازنة العامة، لاسيما «سلسلة الرتب والرواتب» للقطاع العام التي تعارضها «الهيئات الاقتصادية». كذلك ما يتعلق بعجز «مؤسسة كهرباء لبنان»، والهدر في التلزيمات، وعدم إجراء إصلاحات على مستوى المالية العامة، لاسيما أن هناك صعوبات في تحصيل ايرادات بقيمة حوالي 2000 مليار ليرة من المكلفين، ناهيك عن الهدر في المرافق العامة الذي يقارب 1.5 مليار دولار، في الكهرباء والمياه والصحة والتعليم والاتصالات والمشاريع المختلفة. 2- الخطورة الكبرى هي في عودة نمو الدين العام البالغ حوالي 57.7 مليار دولار بنسبة 7 في المئة، في حين تراجع نمو الاقتصاد إلى ما دون الواحد في المئة. هذه هي المخاطر الأساسية بعودة نمو الدين بأكثر من الاقتصاد. 3- تبلغ قيمة نفقات موازنة العام 2013 حوالي 21 ألف مليار ليرة، هذا بعد تقليصها من قبل وزارة المال بحوالي 2000 مليار ليرة عن المشروع الأول الذي أعادته الحكومة. أما حصة الرواتب والأجور مع التعويضات ومعاشات التقاعد فتبلغ حوالي 7453 مليار ليرة (منها حوالي 1850 ملياراً للتعويضات والتقاعد بعد زيادة غلاء المعيشة وحوالي 270 مليار ليرة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي). 4- هناك حوالي 2869 مليار ليرة لتمويل عجز «مؤسسة كهرباء لبنان»، بعد تخفيض هذه الكلفة حوالي 300 مليار ليرة من قبل وزير المال محمد الصفدي، وهو ما اعترضت عليه وزارة الطاقة. مع الإشارة إلى أن موازنة الكهرباء موضوعة على سعر 90 دولاراً لبرميل النفط، وهو أعلى من ذلك. 5- أما كلفة خدمة الدين العام للعام 2013 فتقدر بحوالي 5700 مليار ليرة على الرغم من أن هذه الكلفة كانت أكبر من ذلك خلال السنوات الماضية، لكنها خفضت نتيجة تراجع معدلات الفوائد على سندات الخزينة، وهذا يظهر ببساطة، من خلال بنود النفقات، حيث كلفة الدين وحدها التي تراجعت خلال العامين 2012 و2013 حتى الآن. هذه بعض أرقام النفقات التي ترعب القطاع الخاص، وتجعله يتردد في متابعة تمويل حاجة الموازنة. مع الإشارة إلى أن هناك مصارف تستمر بتمويل حاجة الدولة للحفاظ على سلامة ديونه للدولة. بمعنى آخر، فانه لا بد من التذكير مرة جديدة، أن اجمالي أرقام الإنفاق من دون النفقات الاستثمارية، ونفقات تسيير أمور الدولة من الصحة والخدمات والتعليم والجيش والشؤون الاجتماعية تبلغ حوالي 16022 مليار ليرة. في حين أن اجمالي الإيرادات المقدرة والمحققة خلال العام 2012 بلغت حوالي 14700 مليار ليرة.
مشاكل القطاع الخاص وتراجع المؤشرات
عندما يكون البيت مأزوماً في الاستقرار، بمعنى الدولة وأجهزتها يصيب الشلل القطاعات الأخرى، وكل أفراد العائلة الاقتصادية. كل المؤشرات متراجعة لاسيما عناصر النمو الاقتصادي من صناعة وتجارة وسياحة واستثمارات وتحويلات خارجية. - القطاع التجاري وحسب آراء أصحابه ومؤسسات، مصاب بالتراجع الكبير والمتفاوت بين منطقة وأخرى، وان كانت العاصمة تشكو سوء التوزيع والمناطق تشكو سوء التحصيل لتراجع عمليات البيع. بمعنى آخر أن تجّار الجملة يعانون سوء التحصيل، وتجار المفرق يعانون سوء التوزيع بفعل الجمود. مما يهدد بتزايد المؤسسات المتعثرة والديون المشكوك في تحصيلها. - القطاع الصناعي ونتيجة الأوضاع الداخلية من جهة والإقليمية من جهة أخرى، يشكو من تراجع الصادرات بفعل الظروف السورية الصعبة، ومن ارتفاع كلفة التصدير البحري، وهذا الوضع ترافق مع صعوبة إيجاد أسواق جديدة نظراً لأهمية التصدير البرّي لهذا الإنتاج الذي يقارب حوالي 4 مليارات دولار سنوياً وهو باب دائم لخلق فرص العمل. - القطاع السياحي الأكثر تضرراً كما القطاع التجاري على اعتبار أن تراجع السياحة يضرّ الإنتاج الوطني والقطاع التجاري معاً، لاسيما مع تراجع نشاط المطاعم والفنادق والنقل، والتسوق. كل هذه الأمور مجتمعة تضرب مكونات النمو وتعيق معالجة المشكلة المالية العامة من جراء تراجع عائدات الدولة من دون اللجوء إلى ضرائب جديدة. - القطاع العقاري يعاني من التراجع بفعل الجمود العام، وتراجع الطلب الخارجي على الاستثمار في القطاع، وتقارب معدلات التراجع 15 في المئة من الحركة من دون تراجع الأسعار الجامدة منذ العام الماضي. في الخلاصة، إن عدوى العجز في المالية العامة تنتقل بسرعة إلى مؤسسات القطاع الخاص، بحيث تزداد تعقيدات المعالجة، ما لم يدخل القطاع الخاص في مشاريع الدولة الاستثمارية ضمن خطوات تعزيز الانتاجية ومؤسسات الدولة، وتخفيف المديونية العامة بحيث تموّل المشاريع من السيولة المتوافرة لدى القطاع الخاص، لاسيما المصارف من المساهمة في الإدارة وتعزيز دور الدولة في الرقابة والإشراف ومنع الاحتكارات.