مقالات صحفية مختارة > قصّة احتكار جديد على يد وزارة الداخلية
تلزيم «صناعة لوحات السيارات» لـ«حوت» بدلاً من 100 معمل يومياً، يثبت رجال السلطة والتشريع في لبنان أنهم يسعون إلى تكريس الاحتكارات التجارية. المناقصة الأخيرة التي أطلقها وزير الداخلية والبلديات، مروان شربل، تقدّم دليلاً جديداً على هذا النمط؛ تلزيم «صناعة لوحات السيارات» إلى شركة واحدة بدلاً من 100 جهة تؤدي هذا العمل حاليا
محمد وهبة الاخبار 20-4-2013
ورد على الموقع الإلكتروني لوزارة الداخلية والبلديات في 8 آذار 2013 إعلان يشير إلى إطلاق مناقصة عمومية لتلزيم أعمال تقديم وتركيب لوحات تسجيل المركبات والآليات العالية الأمان، وذلك «وفق المواصفات الفنية والشروط الإدارية المحدّدة في دفتر الشروط». ويضيف الإعلان إنه لمن يرغب في الاشتراك في هذه المناقصة، يمكنه الاطلاع والاستحصال على دفتر الشروط الخاص بالمناقصة لقاء مبلغ 10 آلاف دولار اعتباراً من 20 آذار حتى آخر يوم عمل يسبق موعد إجراء المناقصة المحدّد في 10 أيار 2013. في الشكل، تأتي المناقصة خلال فترة تصريف أعمال الحكومة، ما يترك انطباعاً بأنها لن تكون على مقدار كافٍ من الشفافية، وخصوصاً أنها لا تمثّل أمراً ملحّاً في إجرائها، بل تكاد تكون هامشية في ما خصّ قطاع السيارات ولجهة السلامة العامة والأمن المروري وكل ما يتعلق بالسير عموماً. لا بل إن الاستعجال في إجرائها يُخفي تساؤلات واسعة بين المتابعين الذين يشيرون إلى دفتر شروط «مفصّل على القياس»، وإلا لماذا الاستعجال ومخالفة قرارات مجلس الوزراء ذات الصلة؟ عن أي مخالفات يتحدث هؤلاء؟ وفق المستندات والوثائق الدامغة، فإن المخالفة المشار إليها هي تلك المتصلة بقرار مجلس الوزراء رقم 124. ففي 27 شباط 2013، عرض الوزير مروان شربل على مجلس الوزراء «موضوع تطبيق أحكام قانون السير الجديد». ويتضمن العرض القانون رقم 243 الصادر في 22 تشرين الأول 2012 واقتراح الوزير الرامي إلى تأجيل تطبيق قانون السير الجديد. وبحسب محضر جلسة مجلس الوزراء رقم 106، فقد قرّر المجلس الموافقة على «الطلب إلى الإدارات العامة والمؤسسات العامة المعنية استئخار تطبيق أحكام قانون السير الجديد والاستمرار بالعمل بأحكام القانون القديم إلى حين الانتهاء من إقرار التعديلات اللازمة على القانون الجديد، وتكليف وزير المال الاجتماع إلى ممثلي قطاع النقل العام للبحث في ما يطرحونه ورفع نتائج هذا الاجتماع مع الاقتراحات إلى مجلس الوزراء». إذاً، أقرّ مجلس الوزراء وقف العمل بالقانون في نهاية شباط 2013، لكن اللافت أن وزير الداخلية أصدر قراراً بعد 10 أيام مبنياً على القانون الذي أوقف العمل به! الأمر ليس مفاجئاً في دولة مثل لبنان، لكنه يثير الريبة، وخصوصاً إذا تبيّن أن القرار الصادر ورقمه 401 مبني على أحكام القانون 243 ولا سيما المادة 145 منه، وهو يتعلق بتعديل قرار ترقيم لوحات تسجيل السيارات والمركبات الآلية وتحديد نماذجها لتصبح على النحو الآتي: تعدل المادة السابعة من القرار رقم 17 تاريخ 28 كانون الأول 1998 لتحدّد نماذج لوحات التسجيل وقياساتها على نحو تكون فيه «مصنوعة من مواد عالية الجودة والكتابة ناتجة عن كبس حراري»، على أن يكون قياس اللوحات المعتمدة موحداً لجميع المركبات لتميّز بين اللوحة المستطيلة (تستعمل عادة للآليات الكبيرة) وبين اللوحات المعتمدة للدراجات النارية. وبالنسبة إلى اللوحات المستطيلة يكون قياسها العام 51.5 سنتم * 11.5 سنتم، أو 34 سنتم * 17 سنتم. أما بالنسبة إلى لوحات الدراجات فيكون قياسها العام 25 سنتم * 12 سنتم. ويقسّم القرار اللوحات ذات القياس 51.5 سنتم * 11.5 سنتم إلى قسمين بشكل عمودي: القسم الأيمن ومساحته 47 سنتم * 11.5 سنتم ويكون قعر اللوحة أبيض يتضمن أرقام المركبة باللغة العربية فقط، والأحرف التي تبيّن الرمز المحدّد لها باللغة اللاتينية وتكون باللون الأسود. أما القسم الأيسر من اللوحة فتكون مساحته 4.5 سنتم * 11.5 سنتم ويتضمن كلمة لبنان بالعربية باللون الأبيض... ويتضمن القرار تفاصيل مملّة عن كل لوحة، سواء كانت خاصة أو عمومية أو غيرها، فيما عدلت الرموز لتصبح بالأحرف اللاتينية وليس بالعربية، وحدّدت ألوان كل هيئة أو جهة وغيرها من التفاصيل التي تنطوي على كل التفاصيل المتصلة بمالك كل لوحة. الهدف من تغيير اللوحات، وفق ما يظهر من دفتر الشروط والقرار المذكور، أن يتم التعرف على صاحب السيارة بسهولة وأن تقرأ اللوحة عن بعد بواسطة ما يشبه الرموز للتمييز بين المزوّر واللوحة الصادرة عن الإدارة الرسمية. لكن ما يثير الاستغراب في هذا الأمر، أن وزير الداخلية كان يشير خلال الفترة الأخيرة إلى قانون الستين بوصفه ساري المفعول طالما أنه لم يُلغَ بقانون، لكن بالنسبة إلى قانون السير فهو تفاعل مع القانون الذي أوقف العمل به بدلاً من أن يستند إلى القانون القديم! هذه المفارقة تخفي الكثير من الحقائق التجارية. فالمعروف أن هناك 1.5 مليون آلية مسجلة في لبنان بين سيارة سياحية وشاحنة ودراجات نارية، وبالتالي فإن كلفة اللوحة الجديدة بمعدل لا يقل عن 15 دولاراً للواحدة وبهامش ربح لا يتجاوز 25%، تساوي ربحاً للملتزم لا يقلّ عن مبلغ 5.6 ملايين دولار. وإذا أضفنا إلى هذا الحساب وجود نحو 74 ألف سيارة إضافية تدخل سنوياً إلى السوق المحلية ونحو 50 ألف لوحة ناتجة من حركة بيع السيارات المسجّلة أصلاً، فإن هناك ربحاً سنوياً يقدّر بنحو 465 ألف دولار ستذهب إلى الشركة الملتزمة. واللافت أن هذه الشركة، بصرف النظر عن ملكيتها ومدى انطباق دفتر الشروط عليها حصراً، ستلغي نحو 100 رخصة منحتها وزارة الداخلية لمعامل صغيرة ومتوسطة تقوم بصناعة اللوحات لتستبدلها بشركة واحدة، ما يعزّز الاحتكار في هذا المجال. بأيّ خلفية أطلقت هذه المناقصة، ولمصلحة من يتم إحلال «الحوت» بدلاً من السمك الصغير؟