مقالات صحفية مختارة > 5 ملاحظات أولية على الباب الثاني من قانون الايجارات
طباعة ع- ع+ السفير : غسان رباح 9-4-2014
عندما تقرأ أحكام قانون الإيجارات الجديد للمرة الأولى يدهشك كم فيه من هفوات أو هنّات أو نواقص بشكل عام اعترت بعض مواده، والحال أن مشترعه كان قد لجأ إلى الكثير من أحكام القانون السابق رقم 160 الصادر عام 1992. ولعل التسرّع الواضح في إصدار القانون بمادة وحيدة، هو أحد الأسباب وراء ذلك، ولعل إرضاء المطالب الشعبية كان الدافع الحقيقي للإقدام على هذه الخطوة الناقصة بامتياز، والأمر يستدعي إعادة النظر بما سنأتي على ذكره مستقبلاً وبالسرعة الممكنة. ملاحظة أولى؛ ورد في المادة 5 أنه في حال وفاة المستأجر أو تركه المأجور يحل محله حكماً في الاستفادة من عقد الايجار الأساسي، أو الممدد عند الاقتضاء بكافة شروطه الاخيرة أو المعدّلة بحكم القانون: أ ـ زوج المستأجر وأصوله وأولاده فقط الذين يقيمون معه في المأجور ما عدا من سبق أن ترك المأجور وشغل مسكناً آخر. ب ـ أنسباؤه الذين دخلوا معه الى المأجور عند بدء تنفيذ الإجارة وكانوا لا يزالون مستمرين في إشغاله بدون انقطاع. والحال أن المادة 5 من القانون السابق رقم 160 / 92 في الفقرة ب منها أوردت ما يلي بالنسبة للأنسباء: «أنسباؤه الذين دخلوا معه الى المأجور بموافقة المؤجر الخطية واستمروا في إشغاله بدون انقطاع». فلماذا أهمل المشترع الموافقة الخطية المسبقة من المالك بالنسبة لاستمرار الأنسباء؛ وما أكثرهم ؛ لكي يستمروا في الاستفادة من إشغال المأجور؟
التنازل عن المأجور أو تأجيره
ملاحظة ثانية؛ ورد في المادة 6 أنه لا يجوز للمستأجر التنازل عن المأجور أو تأجيره كلياً أو جزئياً إلا بموافقة المالك الخطية وبالشروط التي يتفق عليها. والحال أن القانون الملغى رقم 160 / 92 وفي مادته السابعة أيضاً أضاف الى ما ذكر سابقاً في القانون الجديد ما يلي: ... «اذا تنازل المستأجر الأصلي عن المأجور وكان مرخصاً له بذلك صراحة في عقد الايجار الاساسي، او الممدد بحكم القانون، يستفيد المتنازل لهم من التمديد القانوني ويحلون محل المستأجر الأصلي وتصبح علاقتهم مباشرة مع المالك. «وفي حال التأجير الثانوي الكلي أو الجزئي بموافقة المالك الصريحة في العقد الاساسي أو الممدد، تبقى العلاقة التأجيرية محصورة بين المالك والمستأجر الأصلي، وتنتهي مدة الايجار الثانوي بانتهاء مدة الايجار الأصلي. «على المالك أن يدعو الى المحاكمة المستأجر الثانوي في كل دعوى تقام بوجه المستأجر الاصلي، ويكون للحكم الصادر بوجه المستأجر الأصلي قوة القضية المحكوم بها بوجه المستأجر الثانوي، على أنه يحق للمستأجر الثانوي مطالبة المستأجر الأصلي بالتعويض في حال ثبوت سوء نية أو خطأ أو إهمال هذا الأخير». فماذا سيحل بالمستأجر الثانوي عند حصول التنازل بموافقة المالك المسبقة. كان على المشرع الأخذ بالنص الكامل للمادة كما وردت في القانون القديم أعلاه، فقانون الإيجارات كما هو معلوم قانون استثنائي وليس بإمكان القاضي التشريع في النواقص، كما جاء في قانون أصول المحاكمات السويسري مثلاً.
الاسترداد للضرورة العائلية
ملاحظة ثالثة؛ جاء في المادة 7 من القانون الجديد، وفي الفقرة الثانية منها ما يلي: حول الاسترداد للضرورة العائلية... «وللمالك أن يطلب استرداد مأجور ملاصق للمسكن الذي يقيم فيه، سواء كان هذا التلاصق أفقياً أو عمودياً، اذا كانت الغاية من الاسترداد ضم المأجور المسترد لسكنه وجعله مسكناً مؤمناً لحاجات العائلة». والحال أن المشرع لم يورد حالات أخرى لدواعي استرداد المالك للمأجور كما كان قد ورد في نص القانون القديم 160/92 (المادة 8 فقرة ب) حيث أعطي امكانية الاسترداد لمالك المستشفى أو المؤسسة التربوية أو التعليمية أو الخيرية أو الميتم المؤجر قسما من عقاره أو عقاراته المتلاصقة للسكن، فلهؤلاء المالكين أن يستردوا هذا القسم شرط إضافته الى الأصل واستعماله لأغراض الجهة المستردة. ذلك أن هذا الاسترداد لدواعي تطوير مؤسسات مهمة كهذه، سواء في المجال الصحي أو الاجتماعي، من شأنه تعميم وتوسيع الاستفادة من خدماتها، وللمستأجر بالطبع ضمان مستقبله السكني بالتعويض الملائم والعادل الذي سيحصل عليه مقابل الإخلاء، فما بال المشترع شرد سهواً أو قصداً عن ذلك؟
سقوط حق التمديد
ملاحظة رابعة : أوردت المادة 9 من القانون الجديد سبباً واحداً لسقوط حق التمديد للمستأجر، حاصرة الأمر بعدم دفع المستأجر للبدل المستحق وذلك خلال شهرين بعد تبلغّه بنفسه أو بواسطة أحد أفراد عائلته الراشدين المقيمين معه أو بواسطة ممثله القانوني إذا كان شخصاً معنوياً، إنذاراً موجهاً اليه بموجب بطاقة مكشوفة مضمونة مع إشعار بالاستلام أو بموجب كتاب بواسطة الكاتب العدل أو بإنذار صادر عن دائرة التنفيذ وفقاً لما نصت عليه المادة 29 من هذا القانون... لكن، ماذا لو تعذر تبليغ المالك للمستأجر بالإنذار بالدفع سواء بواسطته، او عن طريق دائرة التنفيذ؟! لم يستدرك المشترع الجديد كلا من هاتين الحالتين، وكان بإمكانه تداركهما بالإبقاء على ما جاء في نص المادة 10 من القانون الملغى القديم رقم 160/92، إذ في الحالة الاولى، يتم التبليغ بواسطة النشر في جريدتين يوميتين يعينهما قاضي الامور المستعجلة بعد تثبته من تعذر التبليغ... الخ، وفي الحالة الثانية، تعذر التبليغ عن دائرة التنفيذ،.. يتم التبليغ بواسطة النشر كذلك وفقاً للأصول عينها بموجب قرار يتخذه رئيس دائرة التنفيذ؛ ويتحمل المستأجر نفقات هذه المعاملات...
مفهوم الإساءة
ملاحظة خامسة؛ لم يورد المشترع في النص الجديد أسباباً أخرى للإسقاط من حق التمديد، وكأنه بذلك أجازها، وليس للمالك التذرع بها، وكان القانون الملغى رقم 160/92 قد أوردها في المادة 10 نفسها، في الفقرة «ب» منها: «إذا أساء استعمال المأجور بأن أحدث فيه تخريباً غير ناشئ عن الاستعمال العادي أو استعمله على وجه مضر يتنافى وشروط العقد من دون موافقة المؤجر الخطية». ثم يشرح المشترع القديم مفهوم الإساءة التي تقود الى إسقاط المستأجر من حقه بالتمديد، وأهمها استحضاره المؤجر أمام القاضي المنفرد المدني لاستئذانه بأن يجري الأعمال التي يرغب في إجرائها والتي يجب عليه تحديدها لتمكين المحكمة من تقدير قانونيتها وملائمتها؛ بالإضافة إلى أنه لا تدخل قيمة التحسينات الحاصلة من جراء الأعمال المذكورة في هذا البند «ب» في حساب تعويض الاسترداد ولا في حساب البدل العادل. كذلك ما ورد في الفقرة «ج» من نفس نص المادة المذكورة في القانون القديم (التنازل) الخ أو الفقرة (د) (إشغال المستأجر لمأجورين) الخ أو الفقرة (هـ) (إذا أنشأ المستأجر بناء للسكن، أو شغر له، أو تملك بناءً شاغراً يملك ثلاثة أرباعه على الأقل) الخ. كذلك الترك لأسباب غير أمنية، بالنسبة للبناني أو الأجنبي لمدة سنة بالنسبة للأول، وستة أشهر بالنسبة إلى الثاني من دون انقطاع؛ ولمحاكم الإيجارات العديد من الاجتهادات الصادرة في ظل القانون القديم 160/92 تقطع الطريق على المستأجرين الذين يتركون الأماكن المؤجرة لهم لسنوات طويلة من دون حاجة إليها وبدون أسباب مبرّرة أمنياً، طمعاً بالتعويض... فما بال المشترع الجديد سها عن كل ما تقدم، ولو بقي أمام المالك مدد مقبولة نسبياً، لتحرير مأجوره؟!! بخاصة أن الأسباب الموجبة المرفقة لا تشير إلى مبرر هذا السهو من قريب أو بعيد. إن ما تقدم هو ملاحظات أولية عما ورد في الباب الثاني من القانون الجديد الذي يتناول إيجار الأماكن السكنية، أما ملاحظاتنا حول ما ورد من مواد في البابين الثالث والرابع، فلنا عليها ملاحظات تبدو للوهلة الأولى عديدة ومعقدة، سوف نتطرق إلى تفاصيلها لاحقاً.
(]) الناظر بقضايا الإيجارات بين العامين 1981 و1990