مقالات صحفية مختارة > كيف تعالج مشكلات ومخالفات غير محددة الأحجام ومجهولة الأعداد وأماكن التواجد .
إحصاءات وأزمات بالأرقام: من القضية الاجتماعية إلى المعيشة والاقتصاد
كتب عدنان الحاج بتاريخ 17-4-2012
تتداخل الأرقام والإحصاءات في لبنان حول القطاعات والمؤسسات والنشاطات، منها التقديري ومنها الدقيق ومنها القريب من الواقع نتيجة الضباب الرسمي للإحصاء الموحد. على كل، فإن المتوافر من الأرقام والإحصاءات، الحقيقي منها والتقديري، يعكس أزمة أو مجموعة أزمات تطاول صلب حياة المواطن وسلامته من جهة، وتعكس سهولة التلاعب والغش في ظل ضعف الرقابة والسيطرة الرسمية من جهة ثانية. يمكن الاكتفاء ببعض الأمثلة المفيدة حول الإحصاءات والأرقام للتعرف على المشكلات والعجز الحالي للإدارة والوزارة عن المعالجة: 1ـ في ما خص أزمة ارتفاع أسعار المحروقات، وخصوصاً مادتي البنزين والمازوت، تكثر الأحاديث عن الغش في نوعية البنزين من قبل المحطات وخلط البنزين بمادة «النفطا» الأرخص سعراً، هذا سهل إذا ما عرفنا ان في لبنان 3250 محطة محروقات منها حوالي 1450 محطة مرخصة والباقي خارج الترخيص والشروط. وبين المحطات المرخصة هناك حوالي 50 في المئة تعود للشركات الكبرى العاملة في لبنان والباقي لمؤسسات وأشخاص عاديين دخلوا حديثاً إلى قطاع النفط. هنا يسهل الغش وتزيد أعباء المواطن بالسعر والنوعية. المشكلة هنا تتعلق بغياب السياسة النفطية التي يفترض أن تحدد كل مسالك العمل في قطاع المحروقات، من تنظيم وضبط عدد الشركات ضمن مواصفات محددة وقدرات فنية ومالية توحي بالثقة، وصولاً إلى تنظيم الاستيراد وتراخيص المحطات والمواصفات، من التخزين الى البيع للمستهلك، وهو أمر غير موجود حتى اليوم مما يساهم في الفوضى. السؤال كيف يمكن لقطاع يشكل حجمه حوالي 6,5 مليارات دولار سنوياً بين حجم الدولة والقطاع الخاص، أن يستمر من دون سياسة نفطية تحمي المستهلك بالنوعية والكمية والمخزون وتمنع الازمات وتحقق عائدات للدولة؟ هذا القطاع يطاول ليس فقط المواطنين بالمفرق بل القطاعات بالجملة، من الصناعة الى الرغيف والنقل والزراعة وحياة المواطن في مرافقها المختلفة. 2 ـ لبنان يحتاج سنوياً إلى انشاء 22 إلى 26 ألف وحدة سكنية لذوي الدخل المتوسط (الطبقة الوسطى) والدخل المحدود، يؤمن منها بواسطة القروض المصرفية والإسكانية أقل من ثلاثة آلاف. مما يجعل الطلب أكثر من العرض فترتفع الأسعار التي تضاعفت ما بين 200 و300 في المئة منذ حرب تموز الإسرائيلية وحتى اليوم. هذا يعكس غياب سياسة إسكانية تؤدي الى تنفيذ مشاريع المجمعات السكنية لتأمين 22 ألف وحدة سنوياً، وهو أمر متروك لتجار العقارات وتجار المناسبات ومستغلي فرص المضاربات. فمن يراقب الأسعار من الاسمنت إلى الحديد ومواد البناء حتى تخمين أسعار أمتار البناء والأراضي؟ 3 ـ يحتاج لبنان سنوياً وفق الإحصاءات المتضاربة والمتقاربة إلى خلق حوالي 33 ألف فرصة عمل سنوياً للشباب الخارج إلى سوق العمل. يتم تأمين 11 إلى 12 ألف فرصة سنوياً حسب إحصاءات «الضمان»، والباقي يورد للبطالة التي تخطت 50% في صفوف متخرجي الجامعات وحوالي 24 في المئة في سوق العمل. أما المحظوظ فيحظى بفرصة للهجرة إذا كان من اصحاب الكفاءة واليد العاملة الماهرة. 4 ـ يتميز لبنان من بين الدول العربية بأنه يصدر اليد العاملة الماهرة والخبيرة ويستورد اليد العاملة لقطاعات الخدمات التحتية من بناء وزراعة وخدم للمنازل وحجاب للبنايات. مالياً تبلغ تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج إلى لبنان حوالي 8,2 مليارات دولار (إحصاءات 2010 ـ 2011). في حين يخرج العاملون الأجانب من لبنان من عرب وغير عرب حوالي 4,2 مليارات دولار أي نصف ما يورده أبناء لبنان. فمن هي الجهة القادرة أو السياسة المطبقة لخلق فرص العمل ومناخ الاستثمار في لبنان وخصوصا شباب لبنان، ومن يضبط سياسة عمل الأجانب وغير اللبنانيين الذين يتخطى عددهم الـ750 ألف عامل ومستخدم بين مسجلين وغير مسجلين؟. ويرتفع العدد في المواسم السياحية. 5 ـ تشير إحصاءات العمل غير الرسمية والمتداولة الى ان القوى العاملة في لبنان يفوق عددها حوالي المليون و100 ألف عامل ومستخدم بين موظفي القطاعين العام والخاص، منهم حوالي 275 ألفاً في القطاع العام بين عسكريين ومدنيين. في المقابل يبلغ عدد المكتومين غير المصرح عنهم للضمان الاجتماعي أكثر من 20 إلى 25 في المئة من بين عمال القطاع الخاص. فمن يحصل حقوق الضمان والمضمونين من هذه المؤسسات المكتومة. المسجلون في الضمان اليوم 552 ألف مضمون يستفيد على عاتقهم 1,2 مليون شخص، فكيف الحال لو زيد عدد المضمونين بحوالي 20 في المئة وارتفع عدد المستفيدين إلى 1,6 مليون شخص؟ من يضمن حقوق العمال، القانون أم وزارة العمل أم الضمان؟ 6 ـ حسب الإحصاءات والتقديرات، في لبنان حوالي 14 ألف مطعم ومؤسسة تقدم الطعام، منها حوالي 3500 مطعم معروفة حسب النقابات المعنية، فكيف يمكن ضبط السلع والمواد الغذائية وضمان السلامة العامة والصحة الغذائية إذا كانت المؤسسات تعجز عن تحديد أماكن وتصنيف هذه المؤسسات المنتشرة. 7 ـ في لبنان حوالي 55 إلى 60 وكيل دواء يملكون وكالات لحوالي 522 وكالة عالمية، يستورد منها لبنان أكثر من 3700 صنف من الأدوية، عدا التهريب والسهو على نقاط الحدود والمداخل، فهل لبنان يحتاج إلى هذا العدد غير المعروف من حجم الأدوية وكيف يمكن ضبطها؟ وهناك من يقول إن الأصناف تفوق 5200 صنف من دون أدوية الأعشاب والأشجار والحشائش. 8 - تشير الأرقام والإحصاءات أيضاً إلى أن الناتج المحلي اللبناني أصبح اليوم (وهي أرقام وتقديرات نهاية العام 2011) حوالي 41,5 مليار دولار ، في حين تقدر إحصاءات أخرى هذا الناتج بحوالي 40,5 مليار دولار تبعاً لطريقة الاحتساب، وهذا أمر يحتاج الى التدقيق على الرغم من أنه يعكس صورة ايجابية إلى حد ما في معدلات النمو الاقتصادي السنوي، وهي إشارات إلى الخارج أكثر منها داخلية، على اعتبار ان المسؤولين في الحكومة والدولة يتلهون في قضايا وخلافات تضرب النمو الاقتصادي وتعطل الإشارات الايجابية على الرغم من مصادر الثقة القليلة المتوافرة في بعض المؤسسات اللبنانية لاسيما المالية منها. 9 - في الإحصاءات ايضاً وتضاربها، ما يتعلق بمعدلات الفقر وتردي التقديمات الاجتماعية، إذ تبين آخر التقديرات أن ثلث الشعب اللبناني، أي أكثر من 33 في المئة، تحت خط الفقر، أي يعيشون بمعدلات لا تتجاوز الدولارين يومياً وهناك ثلث آخر عند خط الفقر ويمسكون فيه نتيجة تردي ألمداخيل الأسرية وتراجع فرص العمل، وهذه أيضاً من الأزمات التي تحتاج إلى معالجات من طرق أخرى وبوسائل مختلفة، على أن هذه الظاهرة مدخل لعدم الاستقرار الاجتماعي الذي يهدد بدوره ألاستقرارين الأمني والاقتصادي، في حال استمرار غياب المؤسسات والإدارة القادرة على تدقيق الإحصاء وحصر أسبابه ومناطقه للدخول من باب محاولات تنمية المناطق الأكثر فقراً ومن ثم عن طريق استهداف مساعدة العائلات الأكثر فقراً, وما أكثرها في لبنان نتيجة الأزمات المتتالية على مختلف المستويات وأولها تقلص فرص العمل في الداخل وتزايد التضييق على اللبنانيين من الخارج. كلها أرقام تعكس أزمات ولا تؤثر أية سياسات للمعالجة. هذا ولم نتطرق إلى مصانع الأغذية والمسالخ والصناعات التحويلية التي تحتاج إحصاءات ومساحات خاصة.