مقالات صحفية مختارة > خطة الحكومة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي (1)
عائدات الغاز مسخّرة لخفض الدين إلى ما دون 60% من الناتج المحلي
العدد ١٦٨٧ الخميس ١٩ نيسان . جريدة الاخبار
أنجز الفريق التابع لرئاسة مجلس الوزراء ما سمّاه «خطة العمل للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي»، ووُزِّعَت على الوزراء للاطلاع على مضامينها وإبداء الملاحظات عليها، في مهلة 15 يوماً، تمهيداً لطرحها وإقرارها في جلسة ستعقد في الشهر المقبل بالتزامن مع جلسات أخرى مخصصة لمناقشة وإقرار مشروع موازنة عام 2012 ومشروع تعديل سلاسل الرتب والرواتب في الإدارات والأسلاك العامّة تسلّم الوزراء أمس الخطّة التي أعدّها الفريق التابع لرئاسة مجلس الوزراء تحت عنوان «خطّة العمل للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي»، وهي تقع في 25 صفحة، وتنقسم إلى قسمين: الأول يتناول المبادئ التوجيهية وأولويات السياسة الاقتصادية والاجتماعية. والثاني يعرض مقوّمات «الإصلاح» في مجالات إدارة الدين العام وإصلاح المالية العامّة وتنمية القطاع الخاص وإعادة تأهيل البنية التحتية (الطاقة، النقل، المياه والصرف الصحي، البيئة، والاتصالات) والتنمية البشرية والتنمية المناطقية والبلدية والإصلاح المؤسساتي والإداري، فضلاً عن عوامل مساعدة أخرى. وقد أُرفقت هذه الخطّة بما تسمّيه «مصفوفة إجراءات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي»، وهي عبارة عن جداول قطاعية تتضمن المحاور المطروحة والإنجازات المطلوبة ومدّة العمل والجهة الحكومية المسؤولة والتمويل المطلوب وموقع هذه المحاور في البيان الوزاري وأولويات الناس (لا توضح الخطة مصدر تحديد أولويات الناس، إلا أنها تشير إلى عام 2009، ما يعني أنها تستند إلى استطلاع رأي جرى في العام المذكور في ظل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة أو سعد الحريري). ملاحظة تمهيدية تنشر «الأخبار» ملخّصاً (غير رسمي) عن هذه الخطّة، بهدف إطلاع القرّاء على أبرز مضامينها، وإشراكهم في النقاش الذي يؤثّر في حياتهم ومستوى عيشهم وحقوقهم على الدولة كمواطنين ومقيمين... لكن قبل ذلك، يجدر تسجيل ملاحظة عامّة «تمهيدية»؛ إذ ينطوي القسم الأول من «الخطّة» على تعديل «إنشائي» يصيب الخطاب السائد المهلل لمزايا الهجرة والارتهان للتحويلات الخارجية؛ فالمبادئ التوجيهية، كما سمّيت، تدعو إلى تركيز الجهود على زيادة الإنتاجية في المجالات التي تحمل ميزة تفاضلية نسبية تمكّن الاقتصاد اللبناني من تعزيز موقعه التنافسي، وجعله قادراً على توسيع حجم السوق المحلية وتمددها إلى خارج الحدود الجغرافية الضيقة، وتعبّر «الخطّة» عن اقتناع بأن ذلك يمكن أن يتحقق من خلال الاستفادة من الطاقات البشرية وتصدير الخدمات والسلع بدلاً من تصدير البشر... بل إن «المبادئ التوجيهية» تحدد حاجتين متلازمتين: تحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة وخلق فرص عمل ذات قيمة مضافة عالية بما يكفي لترسيخ «الوئام الأهلي» و«الحد من الهجرة»... إلا أن القسم الثاني من الخطّة، أي «مقوّمات الإصلاح»، هو كما في بعض فقرات القسم الأول، يتعامل مع هذه الأهداف المهمّة بالعقلية السائدة التي لطالما أسست للاختلالات والتشوّهات البنيوية وأدّت إلى زيادة الفروق الاجتماعية وأقصت أكثرية اللبنانيين عن منافع النمو المحقق في العقدين الماضيين؛ فالخطّة تتعامل مع تحقيق أهداف «النمو المستدام» و«الحدّ من الهجرة»، وكأنها لا تنبع من فعل إرادي تمارسه «الدولة» انطلاقاً من المصلحة العامّة لا من مصلحة ما يسمى «اللاعبين الاقتصاديين» الذين مهما ازداد وعيهم، سيبقون رهائن لحسابات ضيقة على قياسهم، ولذلك تنحو «الخطّة» نحو إبقاء قدر قليل من «الدولة»، في مقابل «تمجيد» ما تسمّيه مبادرات القطاع الخاص وتوفير «بيئة» مناسبة للشركات و«مناخ» مناسب للاستثمار، من دون أن تقارب «كيفية» توجيه هذه المبادرات نحو خدمة الأهداف المعلنة إلا من خلال عناوين عامّة وفضفاضة لا تقول شيئاً بالفعل، ما عدا تمنيات بأن تكون التغطية الصحية «شاملة»، على سبيل المثال، وأن يكون النظام الضريبي «عادلاً»، وأن تكون البنى التحتية مؤهلة وبأسعار مقبولة... وهذه التمنيات لا تقترن بخيارات محددة، على عكس الخيارات التي تتبناها الخطّة في مجال «أولويات» خفض الدين العام، عبر تبنّي كامل للخصخصة (ولا سيما خصخصة الهاتف الخلوي) وتسخير العائدات المتوقّعة من اكتشاف واستخراج الغاز لهذا الهدف دون سواه (وهو أمر خطير؛ إذ تقول الخطّة إن نيّة الحكومة أن تمنع أي تمويل لأي مشروع من عائدات الغاز قبل أن يتراجع الدين العام إلى ما دون 60% من مجمل الناتج المحلي، وهذا يعني أن اللبنانيين لن ينتفعوا من هذه الثروة أبداً، بل ستذهب، كما الضرائب، إلى جيوب قلّة من المكتتبين في الدين العام الذي شكّل الأداة الأهم لإعادة التوزيع المعتمدة!).وتتحدّث «الخطّة» عن «تغيير» سيبدأ من مشروع الموازنة العامة لعام 2012 المنتظر، وتستعرض «المفاضلات» في مجال الضرائب وانواعها واستهدافاتها، الا انها لا تحسم اي مفاضلة ستختار، مع أن كل خيار يترك آثاراً مختلفة بالكامل على المستويات الاجتماعية والاقتصادية، بين أن تستمر عملية استهداف الأسر في استهلاكها وأن تصيب الضرائب الأرباح الطائلة المحققة من المضاربات العقارية والمالية، وتكتفي «الخطّة» بالدعوة إلى دراسة الخيارات التالية لزيادة الإيرادات:(أ) فرض ضريبة على مكاسب رأس المال المحققة على الممتلكات، التي قد تسفر عن 75 مليون دولار لمعدل ضريبي 5% مع وقف الضريبة بعد 5 سنوات من الملكية، و230 مليون دولار عن معدل 15% مع وقف الضريبة بعد 5 سنوات من الملكية، و575 مليون دولار لمعدل 25% مع وقف الضريبة بعد 10 سنوات من الملكية.(ب) فرض ضريبة قيمية على الممتلكات المبيعة، حيث إن معدل 1% يحقق نحو 80 مليون دولار من العائدات.(ج) زيادة الضريبة على دخل الفائدة على الودائع المصرفية من 5%، حيث إن ارتفاع معدل الضريبة بنسبة 1% يسفر عن 45 مليون دولار من العائدات.(د) زيادة معدل الضريبة على القيمة المضافة من 10%، حيث إن ارتفاع بنسبة 1% يحقق عائداً بنحو 220 مليون دولار.(هـ) زيادة ضريبة البنزين، حيث إن زيادة مبلغ 1000 ليرة إضافية على كل صفيحة ستحقق 80 مليون دولار.(و) تسوية المخالفات على الأملاك البحرية والنهرية والتي تسفر عن قرابة 200 مليون دولار.إن سرد هذه الخيارات بهذا الشكل، أي بمعزل عن الأهداف التي تتحدّث عنها «الخطّة»، يدفع إلى الاعتقاد بأن معدّيها ما زالوا أسرى السياسات المعتمدة التي تحاول أن توهم اللبنانيين بأن الضرائب هي مسألة تقنية، والمفاضلة بينها تتصل فقط بحجم العائدات التي ستجنيها الخزينة العامّة، في حين أن السياسة المالية (وسلاحها الأساسي الضرائب) هي تحديداً سياسة إعادة التوزيع التي تجسّد العقد الاجتماعي ودور الدولة ومشروعيتها. ملخّص المبادئ التوجيهية تقول «خطة العمل» إن الحكومة ملتزمة دعم مبادرات القطاع الخاص التي من شأنها تعزيز قدرات الاقتصاد على النمو. وهي تسعى إلى اعتماد استراتيجية شاملة ومتكاملة من الإصلاحات القانونية والتنظيمية والمؤسسية والمالية، بما يخفف من العوائق الهيكلية القائمة منذ عقود، التي حالت دون تحقيق النمو الاقتصادي المنشود وخلق فرص عمل جديدة وحدّت من قدرات القطاع الخاص على التوسع والمنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية. وإن أية خطوة في التنمية الاقتصادية والتنشيط يفترض أن تركز على تفعيل عناصر مثلث النمو الاقتصادي في لبنان اليوم، وهو يتألف من:* تشجيع حركة الرساميل الوافدة والتحويلات لخلق استثمارات جديدة من خلال تحقيق الاستقرار وتوفير مناخ مشجع للاستثمار للبنانيين وغير اللبنانيين مع التسهيلات.* تنشيط حركة الصادرات اللبنانية التي يفترض أن تنمو ما بين 12 و20% سنوياً بما يعزز ميزان المدفوعات ويقلص من عجز الميزان التجاري.* تنشيط حركة السياحة عن طريق آليات أكثر فعالية من ممارسات الارتجال التي يعمل بها حالياً. وهذه العناصر تعزز مصادر العملات الأجنبية وتخلق فرص عمل بشكل أفضل وأوفر.تهدف مجموعة الإصلاحات التي وضعتها الحكومة إلى الآتي:(أ) استعادة العافية المالية المستدامة على المدى المتوسط من خلال معالجة مسألة الدين العام ووضع استراتيجية فعالة لخفض حجمه وتحسين إدارته.(ب) تعزيز السياسات وسن التشريعات والأنظمة التي من شأنها تحسين مناخ الاستثمار ودعم القطاع الخاص في تحريك العجلة الاقتصادية وتحقيق النمو والازدهار الاقتصادي.(ج) تطوير وإعادة تأهيل البنية التحتية المتهالكة لتوفير حاجات ومتطلبات الشركات والأسر اللبنانية من كهرباء ونقل وإمدادات المياه والصرف الصحي والمعلومات والاتصالات، وذلك بشكل كافٍ وبأسعار معقولة تتناسب مع نوعية الخدمة المتوافرة وجودتها. إضافة إلى وقف التدهور البيئي وما يرافقه من تدمير المواقع الطبيعية من شواطئ البحر وأحواض الأنهار والأودية، وكذلك الحفاظ على التراث الحضاري والمعماري والثقافي.(د) تعزيز برنامج التنمية البشرية في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية لتوفير التعليم الجيد بمختلف مراحله، وهو أساس لاقتصاد المعرفة، وتمكين جميع المواطنين من الاستفادة من الرعاية الصحية بأسعار معقولة وتنظيم عمليات الرعاية الاجتماعية الأساسية من خلال التعاون بين القطاعين العام والخاص. وفي ما يخص الحماية الاجتماعية، تركز الحكومة على موضوع نظام التقاعد (ضمان الشيخوخة) للفئات العاملة في القطاع الخاص التي تفقد كل التقديمات الصحية والاجتماعية بعد ترك العمل. وهذه مشكلة أساسية للطبقة العاملة التي تقدم خدماتها للقطاع الخاص وتخرج من دون غطاء صحي أو راتب تقاعدي على مدى الحياة. لهذا، يجب العمل على إيجاد مصادر تمويل إضافية، حيث إن هناك مجالات لتوظيف أموال الضمان الاجتماعي في قطاعات مختلفة لتأمين زيادة في المردود؛ إذ يملك الضمان حالياً أكثر من 9000 مليار ليرة أكثرها من سندات الخزينة وقد تفقد قيمتها الشرائية. كما استحدثت الحكومة برنامجاً يستهدف فئات المجتمع الأكثر عرضة للخطر _ من فقراء ومسنين ومحرومين _ عبر شبكات أمان مستدامة.(هـ) الترويج لاستراتيجية تنموية اقتصادية واجتماعية متوازنة تشمل مختلف المناطق اللبنانية خارج المراكز التقليدية _ بيروت الكبرى وجبل لبنان _ حيث تتركز الآن معظم الأنشطة الاقتصادية، وذلك لتوفير فرص العمل. ولا بد من إقامة مجمعات صناعية أو مدن للتصنيع الزراعي، حيث إن هدف الحكومة هو تحقيق التنمية المستدامة ورفع الضغوط عن العاصمة وضواحيها.(و) تنفيذ إصلاح مؤسسي وإداري شامل لرفع مستوى الخدمة المدنية وقدراتها، وتحسين الحوكمة على صعيد مؤسسات القطاع العام.(ز) إدخال عوامل مساعدة للإصلاح، مثل تنفيذ خطة تحسين القدرات الإحصائية للدولة وتدعيم لجنة المؤشر ومجلس الأسعار ومجلس إدارة الضمان الاجتماعي وإقرار قانون سلامة الغذاء ومحاربة الفساد في الاقتصاد وبناء إطار واضح لعمليات الحد من مخاطر الكوارث وإدارتها. ومن الضروري أيضاً إعادة تفعيل دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي عبر إحياء الهيئات الثلاثية التمثيل بين العمال وأرباب العمل والدولة. إدارة الدين العام وإصلاح المالية العامة تضع «خطّة العمل للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي» أولوية واضحة لخفض الدين العام، لا خفض خدمة الدين العام، التي تمثّل العبء الأكبر على الموازنة العامة، بعد رواتب القطاع العام وتعويضاته، بحسب ما تقول، والتي تستنزف نحو ثلثي إيرادات الضرائب و40% من إجمالي العائدات (...)؛ فحجم الدين العام يحدّ من قدرة المالية العامة على تخصيص الاعتمادات اللازمة للإنفاق على الاستثمارات الضرورية لإعادة تأهيل البنية التحتية المتقادمة، ويحدّ كذلك من القدرة على تطوير نطاق ونوعية الخدمات المقدمة للمواطنين.وأطلقت وزارة المال «الإطار لإدارة الدين العام للفترة 2010 _ 2015»، وذلك ضمن مخططها لوضع استراتيجية متوسطة الأجل لإدارة هذا الدين. ومع الأخذ بالاعتبار المخاطر المرتبطة بمختلف مكونات الدين، وُضعت استراتيجية تشمل 5 أهداف رئيسية متوسطة الأجل، وتهدف إلى:(أ) الحد من مخاطر إعادة التمويل من خلال الحفاظ على نمط منظّم في عملية سداد الديون.(ب) الحد من مخاطر إطفاء الدين بالدين، وذلك عبر إطالة متوسط فترة سداد محفظة الديون.(ج) الحد من المخاطر المتعلقة بخدمة الدين.(د) الحفاظ على حصة الدين المقوّم بالعملات الأجنبية لا تتعدى نسبة 50% في حد أقصى من إجمالي الدين العام.(هـ) زيادة حصة تمويل مشاريع الاستثمار من القروض الميسرة.وتلتزم الحكومة وضع استراتيجية فعالة وعملية لخفض الديون، يتخطى النهج المعتمد حتى الآن، حتى نصل إلى حل دائم لمأزق الديون. وتهدف الحكومة إلى خفض حجم الدين باطّراد على مدى السنوات السبع القادمة، من نسبة 140% من الناتج المحلي الإجمالي إلى ما هو دون نسبة 100%، وما يقارب النسبة المتفق عليها بموجب معايير التقارب في منطقة اليورو. وهذا سيعتمد على مزيج من السياسات الاقتصادية المحفّزة للنموّ، وعلى تدابير محددة لإعادة هيكلة الديون، التي تعمل الحكومة حالياً على تقويمها. وعلى وجه الخصوص، إن تقليص حجم العجز في مؤسسة كهرباء لبنان (الذي يمثّل نسبة 4.5% من إجمالي الناتج المحلي) له أثر ملموس على تقليص مجمل العجز، ما يسهم كثيراً في تراجع معدل نمو الدين العام. وبالإضافة إلى ذلك، ستعطى الأولوية في ما يتعلق باستخدام التدفقات المتوقعة من إيرادات «الصندوق السيادي الناتج من عائدات البترول والغاز» لسداد مستحقات الدين العام. وتجدر الإشارة إلى أن نية الحكومة متجهة إلى منع أي تمويل لأي نفقات أخرى من هذا الصندوق السيادي قبل أن يتراجع حجم الدين العام إلى ما دون نسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي.(الاخبار) اقتصاد