مقالات صحفية مختارة > باسيل لم يوقّع جدول الـ40 ألفاً.. فيما الشركات تسلّم المحطات كالمعتاد"مصادر الطاقة" تفنّد لـ"السفير" أسباب ارتفاع سعر البنزين.. والبدائل الممكنة
كتب حسن الحاف في جريدة السفير بتاريخ 19-4-2012
أمس أيضاً لم يوقع وزير الطاقة والمياه جبران باسيل «جدول تركيب أسعار المشتقات النفطية الأسبوعي». وأمس أيضاً راح اللبنانيون يتساءلون بحميتهم المعهودة ولسانهم السليط: ما العمل مع هذا الجدول اللعين الذي يخرّب علينا صباحنا كل أربعاء؟ طبعاً، الحلول ليست بالسهولة التي يتصورها البعض. لكنها ممكنة فيما لو قرّر أهل الحكم في هذا «البلد العظيم» تحمّل مسؤولياتهم ولو لمرة واحدة. بهذا المعنى، يصير السؤال ما العمل بإزاء جدول كان إنجازه الوحيد يوم شرعت وزارة الطاقة في اعتماده تكريه اللبنانيين بعلوم الحساب ومشتقاتها؟ وهل تستطيع وزارة الطاقة تخفيف الأعباء عن المواطن بواسطة إدخال تعديلات على بنيته وآلية احتسابه؟ مصدر مطّلع في وزارة الطاقة والمياه (خبير في الملف النفطي) يقول لـ«السفير» إن المشكلة في جوهرها لا تتعلق بتركيبة الجدول، إنما بالارتفاع الحاصل على مستوى سعر برميل النفط العالمي. إذ، «مهما كانت طبيعة التعديلات التي قد ندخلها على الجدول، فإن سعر صفيحة البنزين لن ينخفض».
كيف ذلك؟
يشرح المصدر رأيه قائلاً «على سبيل المثال، يتحدّد سعر صفيحة البنزين في الجدول بناء على متوسط سعر كيلو ليتر البنزين خلال الأسابيع الأربعة السابقة على احتسابه. فإذا خفضنا المدة إلى 15 يوماً فقد يخسر المواطن من جراء الانخفاض الذي قد يكون تحقق خلال الـ15 يوماً المحذوفة. أما إذا أطلنا مدة الاحتساب من شهر الى 3 أشهر، يصير احتمال خسارة المواطن أكبر بكثير، نظراً لعدم قدرته على الإفادة من الانخفاض المحقق لبضعة أسابيع متوالية وقت حصوله. هذا يعني أن الجدول في تركيبته الحالية هو أفضل الممكن، وهو الأمر الذي تنبّهت اليه شركة برايس ووتر هاوس كوبرز عندما صمّمت الجدول في العام 2001 بطلب من وزارة الطاقة». ويمكن تفسير السعر العالي في لبنان، برأي المصدر، من خلال إجراء مقارنة نسبية بيننا وبين فرنسا. إذ يبلغ سعر مبيع صفيحة البنزين 95 أوكتان في باريس 28 يورو، أي حوالي 57 ألفاً و500 ليرة، فيما يبلغ سعر صفيحة البنزين 98 أوكتان حوالي 34 يورو، أي ما يقارب الـ70 ألفاً! كذلك، لا يمكن رد الارتفاع الحاصل على مستوى سعر برميل النفط الى الطلب العالمي المتزايد، أو إلى بعض الاضطرابات الإقليمية، على أهمية هذين العاملين بطبيعة الحال. وإنما هناك أسباب لا تقل أهمية مردّها الى التراجع العالمي المسجل على مستوى الاستثمار في مصافي التكرير التي لم تعد تكفي لسد الحاجات العالمية. وهو ما يؤدي بالنتيجة إلى ارتفاع في أسعار المشتقات النفطية بوتيرة متسارعة هدفها توسيع هوامش ربح المصافي. لا يكتفي المصدر بذلك بل يذهب بعيداً في القول «البعض يتهم وزارة الطاقة بأنها تتلاعب بالجدول، فترفع الأسعار بوتيرة أسرع بكثير من الانخفاض. بيد ان ذلك غير صحيح البتة. ذاك أن مكوّنات الجدول وآلية احتسابه معروفة للجميع، خصوصاً للشركات وأصحاب المحطات. وهــــؤلاء يحتسبون قيـــمة الزيادة في أغلب الأحيان قبـــل وزارة الطاقة. ويوضـــح أن سعر صفيحة البنزين يتألف من المكونات الآتية: أولاً، الضريبة على القيمة المضافة (10 في المئة). ثانياً، رسوم الدولة البالغة حوالي 4700 ليرة. ثالثاً، جعالة المحطات البالغة 1600 ليرة. رابعاً، جعالة أصحاب الصهاريج البالغة حوالي 15 ألفاً على الطن الواحد، أو ما يقارب الـ300 ليرة على الصفيحة. خامساً، حصة الشركات البالغة حوالي 5 في المئة. سادساً، كلفة التخزين والتلوين وفحوص المختبرات الخ...
250 ألف صفيحة بنزين يومياً
على أن «مصروف لبنان اليومي من البنزين يقارب الخمسة ملايين ليتر في اليوم. وهو يرتفع في كل من تموز وآب ليراوح ما بين سبعة وثمانية ملايين ليتر بفعل تزايد حجم الاستهلاك في هذين الشهرين. ما يعني أن حجم الاستهلاك اليومي يبلغ حوالي 250 ألف صفيحة»، وفق ما يقول المصدر ذاته. وقد أظهرت إحصاءات المحطات أن استهلاك البنزين لم يتراجع على الرغم من الارتفاع الكبير المسجل خلال الأشهر الأخيرة. ومردّ ذلك إلى غياب خطة نقل تتيح للبناني الاستعاضة عن سيارته بوسيلة نقل عامة. هذا كلّه يدفعنا إلى الخلوص، وفق المصدر، إلى أن ما يحتاجه المواطنون لا علاقة له بالحلول المؤقتة والجزئية، بل بتوفير البدائل لهم من خلال المشتقات الأرخص، لا سيما الغاز والمازوت. ذاك أن «بمقدور سيارة الغاز أن تقطع المسافة عينها التي تقطعها سيارة البنزين، انما بكلفة لا تتعدى الـ50 الى 60 في المئة من كلفة صفيحة البنزين. كذلك الأمر بالنسبة الى سيارات المازوت». أكثر من ذلك ان «إقرار خطة النقل العام، التي كان يفترض بها ان تنجز منذ العام 1996، قد يؤدي الى توفير جزء كبير من كلفة النقل التي يتكبدها المواطن يومياً، وبنسبة تفوق حتى النسبة الكبيرة المحققة من خلال استخدام سيارات الغاز والمازوت». لكن، هل خطوة باسيل في عدم توقيع الجدول تصب في هذا الاتجاه؟ الخطوة غير كافية بطبيعة الحال، يعلّق المصدر. فالتجار، وعلى رأسهم الشركات المستوردة وأصحاب المحطات، قد يتوقفون عن التسليم والبيع. لكنها الطريقة الوحيدة للضغط على «لجنة الأشغال العامة والطاقة والمياه والنقل» من أجل الموافقة على استخدام السيارات العاملة على المازوت والغاز. ذاك ان المشروع عالق في اللجنة منذ سنتين وهو وحده القادر على إجازة المحروقات البديلة.
إلغاء الرسوم؟
بيد أن مشكلة الجدول ليست جديدة. كذلك الأمر بالنسبة إلى عدم توقيعه الذي تواتر في الآونة الأخيرة. ولهذا السبب بالذات شكّل باسيل لجنة من وزارة الطاقة قبل أكثر من عام، كلّفها بلورة مقترحات لإعادة النظر في «جدول تركيب الأسعار». فما كان منها إلا أن خلصت، على ما يقول مصدر مطلع على أعمالها، إلى ان الحل الوحيد يكمن في إلغاء الرسوم المفروضة على سعر صفيحة البنزين، بمكوّنيها: الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الثابتة. وهي التوصية التي ردّد باسيل صداها أكثر من مـــرة من خــلال دعواته المتكررة لإلغاء «الضريبة على القيمة المضافة» عن البنزين. إذ عندما تجاوز سعر برميل النفط العالمي حد الـ140 دولاراً وصل سعر الصفيحة الى 38 ألفاً، أي أقل من السعر المسجل اليوم بقليل، لأن الضريبة لم تكن مفروضة. ولمّا عاود سعر البرميل انخفاضه بالغاً حد الـ30 دولاراً، اقترح رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة فرض ضريبة ثابتة مقدارها 9538 ليرة على كل صفيحة. وهكذا كان. ومذّاك راح السعر يرتفع من جديد، إنّما مضافاً إليه هذه المرة قيمة الرسم الثابت. وفي شباط من العام 2011، وفيما الحكومة كانت تضطلع بمهمات تصريف الأعمال، بلغ سعر الصفيحة 36 ألفاً. فأقدم باسيل، وبعد مناوشات طويلة مع وزيرة المال وقتها ريا الحسن، على اتخاذ قرار إلغاء خمسة آلاف ليرة من المكون الضريبي لسعر الصفيحة. لكن السعر واصل ارتفاعه مجدداً بحيث امتص الحسم السالف بسرعة. وفي المقابل، لم تتخذ الحكومة أي قرار بتخفيف الأعباء عن المواطن، يعلّق المصدر.
«حزب البنزين» ضد «حزب الغاز»؟
هذا وتبدو حجج وزارة الطاقة الداعمة لاعتماد بدائل الغاز والمازوت، متعارضة مع حجج رئيس «لجنة الأشغال العامة والطاقة والنقل والمياه» محمد قباني. إذ يقول الأخير لـ«السفير» ان الحجج التي تسوقها الوزارة حجج ديماغوجية. فقاعدة الحل تكون من خلال إقرار خطة النقل العام، ولا حل آخر غير ذلك. ويؤكد قباني كذلك أن لا قدرة على خفض سعر صفيحة البنزين في ظل الرسوم المفروضة، وفي ظل الارتفاع الحاصل على مستوى سعر برميل النفط العالمي. ويدعّم حججه بالقول ان المازوت «يستخدم في لبنان على مستوى الحافلات وهو لا يشكل حلاً لارتفاع سعر البنزين. أما الغاز فإذا تقرّر استخدامه من دون تقدير عواقبه فإن تداعيات ذلك قد تكون وخيمة، حتى لا أقول تدميرية». فمسألة ضبط استخدام الغاز في السيارات تقتضي عملية تحضير وتجهيز قد لا تقل عن السنوات الثلاث او الأربع، يلفت قباني. ولا يمكن «القبول باستخدام سيارات الغاز ما دامت وسائل الرقابة غير متوافرة وهو الأمر الذي يتجاهله تماماً باسيل». فالأخير يعتقد، كما يقول قباني، أن السيارات الموجودة حالياً ستتحول نحو الغاز بمجرد موافقة مجلس النواب. وهو أمر غير صحيح وغير ممكن. اذ يجب ان تكون السيارة في الأصل قائمة على الغاز. على أي حال، يختم قباني قائلاً «نحن لسنا حزب البنزين. وباسيل ليس حزب المازوت او الغاز. والمسألة ليست مسألة نكايات أو مزايدات، ونحن سنواصل النقاش في لجنة الأشغال حول البدائل المقترحة ووسائل الرقابة الممكنة حيالها حتى نقتنع بأحدها».
المحطات تبيع كأن شيئاً لم يكن
بالعودة إلى عدم توقيع باسيل الجدول، يقول رئيس «نقابة أصحاب المحطات» سامي البراكس لـ«السفير» ان الخطوة لم تترك أي أثر على سوق المحروقات في لبنان. فالشركات المستوردة واصلت تزويد المحطات بحاجاتها كالمعتــاد، إنمــا وفـــق أسعار جدول تركيب أسعار الأسبوع الماضي. وهو ما حدا بالمحـــطات الى استكمال بيع مختلف أصناف المحروقات طبيعيا. كذلك، يعزو البراكس سبب عدم توقيع باسيل على الجدول إلى ان «سعر صفيحة البنزين كان سيقفل على 40 ألفاً فيما المازوت كان سينخفض 300 ليرة، بمجرد ان يوقع باسيل الجدول»، لافتا إلى أن «القصة أصبحت مزاجية في التوقيع على جدول أسعار المحروقات». وإذ ينـفي البراكس حصول أي نوع من أنواع التواصل مع وزارة الطاقة، لا يتردّد في الجزم بأن باسيل سيوقع الجدول إن ليس يوم غد، ففي اليوم الذي سيليه.