لرفع سقف الإنتاج في الجنوب إلى مليوني كيلوغرام سنوياً
كتب عدنان طباجة في جريدة السفير بتاريخ 21-6-2012
باتت زراعة التبغ في الجنوب منذ سنوات عدة، ملجأ لآلاف المزارعين، خاصة في المناطق التي لم تصل إليها مشاريع الريّ، إذ تحولت إلى مصدر وحيد للدخل، وبالتالي إلى عاملٍ مهم في تثبيت المزارع في أرضه، ما دام مطمئناً إلى ثبات هذا الدخل، حتى في القرى والبلدات التي كانت ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي سابقاً، والتي لم يتخل أهلها عن زراعة التبغ طيلة سنوات الاحتلال، بالرغم من الظروف الأمنية الصعبة التي كانت تحيط بهم. دفعت الأسعار التشجيعية المدعومة من قبل الدولة الآلاف من المزارعين، الذين تخلوا عن تلك الزراعة في سنوات الحرب، إلى العودة إليها مجدداً. كما جذبت مزارعين آخرين لا يملكون تراخيص لمزاولتها، الأمر الذي ضاعف أعداد مزارعي التبغ في الجنوب، ما حمل المسؤولين في وزارة المالية وإدارة «الريجي»، على تحديد سقف الإنتاج من التبغ في الجنوب إلى خمسة ملايين كيلوغرام سنوياً، مع التأكيد على عدم مسؤوليتهم عن شراء أي زيادات قد تطرأ على سقف الإنتاج المحدد. ويستفيد من زراعة التبغ في الجنوب في الوقت الحالي ما يزيد على خمسة عشر ألف عائلة، من بينها نحو 2500 عائلة في منطقة النبطية، التي تنتج ما مجموعه مليون كيلوغرام من التبغ سنوياً. وتعتبر بلدة عدشيت من أكبر القرى المنتجة للتبغ، حيث بلغ إنتاجها ما يقارب مئتي ألف كيلوغرام، أي ما نسبته عشرون في المئة من زراعة التبغ في المنطقة المذكورة، في حين يستفيد من تلك الزراعة، إضافة إلى زراعة التنباك، أكثر من عشرة آلاف عائلة في منطقتي البقاع والشمال. ولم يبادر المسؤولون إلى تنفيذ توصية «مجلس النواب»، التي اتخذها في جلسته التاريخية التي عقدها في بنت جبيل بعد التحرير مباشرة، كما يقول نائب رئيس «الاتحاد العمالي العام»، ورئيس «اتحاد نقابات مزارعي التبغ والتنباك في لبنان» حسن فقيه، والتي «تقضي بزيادة سقف إنتاج محصول التبغ في الجنوب إلى مليوني كيلوغرام، ليصبح السقف الإجمالي سبعة ملايين كيلوغرام. وبذلك يسمح لجميع المزارعين الجنوبيين بزراعة التبغ، ما يساعدهم على حلّ مشاكلهم الحياتية والمعيشية الصعبة التي يعانونها، ولا سيما سكان ما كان يعرف بالشريط الحدودي المحتل، الذين لم يكن أمامهم سوى العمل في تلك الزراعة». وذلك كان يتطلب توزيع رخص زراعية جديدة على المزارعين، «خصوصاً على أصحاب الرخص الزراعية القديمة قبل العام 1975 (المزارعين القدامى)، الذين كانت تلك الرخص قد كلفتهم أموالاً طائلة في السابق، ولأنه لا يجوز إهدار حقوقهم باعتبارهم أصحاب امتيازات، ولهم الأفضلية على بقية المزارعين»، وفق فقيه. ويطالب فقيه بـ«زيادة سعر الكيلوغرام الواحد من التبغ، المحدد في الوقت الحالي بـ12500 كسعر وسطي، ليتناسب مع المؤشرات الرسمية لغلاء المعيشة، نظراً للأعداد الكبيرة من العائلات التي تعتاش من زراعة التبغ، إضافة إلى شراء الزيادات على المحصول من اليوم، وحتى تقر الحكومة توصية مجلس النواب برفع سقف الإنتاج إلى مليوني كيلوغرام، وذلك مراعاة للظروف المعيشية والاقتصادية التي يعانيها المزارعون». كما جدد مطالبته المسؤولين في الدولة والحكومة بـ«إدخال المزارعين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالفعل وليس بالقول، الذي وعدوهم به منذ سنوات عدة»، معرباً عن أسفه لبقاء هذا الوعد حبراً على ورق إلى يومنا هذا، علماً بأن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي درس ملف مزارعي التبغ وصيادي الأسماك وأحاله على مجلس الوزراء منذ العام 2000». ويلفت فقيه إلى «المساحات الكبيرة من الأراضي الزراعية التي لا تزال مزروعة بالألغام في المناطق التي كانت تفصل بين ما كان يعرف بالشريط الحدودي المحتل والأراضي المحررة، إضافة للأراضي التي قصفتها قوات الاحتلال الاسرائيلي بالقنابل العنقودية خلال عدوان 2006 وحرمان أصحابها من استثمارها حتى اليوم»، متمنياً على المسؤولين المعنيين، والجيش اللبناني، والقوات الدولية، والمؤسسات والمنظمات التي تعنى بإزالة الألغام والقنابل العنقودية في الجنوب «المسارعة إلى تنظيف الأراضي من المتفجرات لإفساح المجال لإعادة زراعتها من قبل أصحابها»، لافتاً إلى أن «معظم الذين أصيبوا بالقنابل العنقودية هم من المزارعين والفلاحين والعمال ورعاة المواشي». كما يشكو المزارعون من بقاء الأسعار كما كانت عليه منذ عشرين عاماً، مناشدين المسؤولين المعنيين في وزارة المال وإدارة الريجي العمل على رفعها بما يتناسب مع أكلاف زراعة التبغ المرتفعة دوماً، بما يؤدي إلى تكبدهم خسائر فادحة، خصوصاً أن هذه الزراعة كانت الدافع الأول لصمود الجنوبيين في أرضهم أثناء الاحتلال الاسرائيلي وما تزال العمود الفقري بالنسبة لهم. ويعتبر المزراع حسن ناصر أن «المزارعين لا يقدمون على زراعة التبغ حباً بها، بل لأنها الزراعة الوحيدة التي يسهل تسويقها، ولا سيما بعد سياسة الدعم التي اعتمدتها الدولة في شرائها للمحصول من سنوات عديدة»، مطالباً الرؤساء الثلاثة والمسؤولين في وزارة المالية وإدارة «الريجي» بـ«مواصلة دعم هذه الزراعة باعتبارها الخيار المتبقي للمزارعين الجنوبيين». ويشدد المزارع عباس حمامص على مطالبة المسؤولين المعنيين بـ«العمل بالسرعة القصوى على إدخال المزارعين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، كي يضمنوا عائلاتهم على الصعيدين الصحي والاجتماعي، وبإنشاء بنك لتسليف المزارعين بفائدة لا تتجاوز الواحد في المئة، ورفع سقف إنتاج الدونم الواحد من التبغ، إضافة لمساعدة المزارعين بالأسمدة والمبيدات والأدوية الزراعية». ويرى المزارع حبيب ياغي أن «زراعة التبغ في الجنوب لم تكن يوماً تتعرض للمنافسة كما تتعرض اليوم، ولا سيما من قبل الآلاف من المزارعين الجدد والوهميين، ما انعكس سلباً على تطور الأسعار وتحجيماً للمساحات المزروعة، الأمر الذي يهدد مستقبل الزراعة في المدى المنظور، وبالتالي يهدد مصالح المزارعين الحقيقيين بأفدح الخسائر والأضرار».