
الخميس,2025/04/10 عباس قبيسي تلجأ الدول أحياناً إلى إلغاء بعض مؤسساتها الحكومية أو إعادة هيكلتها كجزء من إصلاح إداري أو ترشيد للإنفاق العام، أو ربما بسبب تداخل المهام وضعف الجدوى الاقتصادية. ورغم أنّ هذا القرار قد يبدو ضرورياً في بعض الحالات، إلا أنه يثير العديد من التساؤلات حول آثاره على الموظفين والخدمات المقدمة للمواطنين، والسؤال هل سيؤدي الإلغاء إلى تحسين الأداء؟ أم أنه قد يخلق فراغاً إدارياً يؤثر سلباً على قطاعات حيوية والآثار المترتبة على ذلك، وما إذا كانت هناك بدائل أكثر فعالية لتحقيق الإصلاح المنشود ونقل لبنان إلى وطن المؤسسات. تخضع المؤسسة الوطنية للاستخدام لسلطة الوصاية (وزير العمل) ولها مجلس إدارة يرأسه الوزير ويتمثل فيه ثلاثي الأطراف (أصحاب العمل والعمال والدولة) ويتشكل مجلس الإدارة من ممثلي أصحاب العمل (5 أعضاء)، وممثلي الاتحاد العمالي العام (3 أعضاء)، وممثلي الدولة اللبنانية (3 أعضاء يمثلون الجامعة اللبنانية والمديرية العامة للتعليم المهني والتقني والمركز التربوي للبحوث والإنماء)، يعيّنون بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء، بموجب قانون العمل الصادر في 23 أيلول 1946 المادة 26- معدلة وفقاّ للقانون رقم 207 الصادر في 26/5/2000. المادة (70) التوجيه لسوق العمل تتولى المؤسسة الوطنية للاستخدام، بالتعاون والتنسيق مع وزارة التعليم المهني والتقني بشكل خاص، تأهيل المعوقين البالغين الثامنة عشرة من العمر، وتوجيههم الى سوق العمل العادية، او الى مشاغل محمية او الى مراكز المساعدة بالعمل، او الى مؤسسات طبية اجتماعية تشغيلية، ومتابعة عملهم، كما تتولى عملية المتابعة الدائمة لعملهم بهدف توجيههم اذا امكن الى سوق العمل العادية. ومن أبرز أهدافها ومهامها حسب القانون: *تتولى المؤسسة رسم سياسة الاستخدام في لبنان وتنفيذها بصورة عامة، *إنشاء مكاتب استخدام في بيروت والمناطق اللبنانية كافة والإشراف عليها، *مكافحة البطالة *المساهمة في تحسين وتنظيم سوق العمل، *المساهمة في تشجيع المشاريع ذات الانعكاس على سوق العمل، *القيام بالدراسات والأبحاث الرامية إلى تحديد السياسة العامة للاستخدام، *تلقي طلبات الاستخدام وعروض العمل وتأمين الإتصالات اللازمة لتلبية الطلبات، *جمع المعلومات عن فرص العمل المتوافرة واستخدام اليد العاملة، *إعلام المؤسسات عن وضع اليد العاملة المتوافرة ومساعدتها على تحديد احتياجاتها الآنية والمستقبلية، نوعاً وكمّاً، *الإسهام في وضع الإحصاءات العائدة لسوق العمل، *القيام بنشاطات التوجيه المهني وفقاً لتعليمات دائرة التوجيه المهني، *تقوم مكاتب الاستخدام باستقبال طالبي العمل لترشيحهم للوظائف الشاغرة في القطاع الخاص كل حسب إمكانياته. في الآونة الأخيرة، بدأ الحديث يتزايد عن توجه الحكومة نحو إلغاء بعض المؤسسات، ومن بينها “المؤسسة الوطنية للاستخدام” في إطار سياسة تخفيض وترشيد النفقات، غير أنّ الحكومات المتعاقبة ومن خلال وصايتها المباشرة على تلك الإدارات، أبقت موازانات هذه المؤسسة وغيرها مقتصرة على النفقات التشغيلية في حدّها الأدنى وأهملتها، وتركت مجلس إدارتها شاغراً لعدة سنوات وما زال وذلك بسبب وفاة بعض الأعضاء وسفر البعض الآخر إلى خارج الوطن مما حرمها من أيّ دور تطويري، وكان الأجدر دعمها وتعزيز قدراتها لتتمكن من أداء دورها بفعالية وفقاً للقانون، خاصة أنّ استمرارها سينعكس إيجاباً على خفض معدلات البطالة ونسبة الهجرة لا سيما بين فئة الشباب. أما عن الطرح الحالي القائم على إلغائها، فيمكن تحقيق أهدافه من خلال بدائل أخرى، مثل استحداث مديرية متخصصة بالدراسات والاستخدام ضمن وزارة العمل لتحلّ محلّ المؤسسة، ونقل موظفيها إلى ملاك الوزارة لضمان استمرار دورهم ومع ذلك، فإنّ الإبقاء على المؤسسة وتطويرها يظلّ الخيار الأكثر صواباً، إذ يتطلب ذلك إقرار موازنة تشغيلية كافية ودعمها بصلاحيات إضافية، من خلال استحداث جهاز تفتيش خاص بها، على غرار باقي الإدارات والوزارات لضمان تنفيذ مهامها ومراقبة التزام المؤسسات بتوظيف اللبنانيين، ومنحها سلطة تسطير محاضر ضبط بحق المرتكبين، والتحقق من المخالفات وإتخاذ إجراءات تنفيذية بحقهم. إنّ إلغاء ايّ مؤسسة عامة قائمة قد يبدو حلاً في غاية السهولة لمواجهة التحديات الإدارية والاقتصادية، لكنه ليس بالضرورة الخيار الأنسب، فبدلاً من الإلغاء الكامل يمكن للدولة أن تعتمد على حلول عصرية أكثر توازناً، مثل إعادة هيكلة المؤسسات لتحسين كفاءتها التشغيلية وتقليل التكاليف دون الإضرار بالخدمات المقدمة، كما يمكن تبنّي استراتيجية إصلاحية تعتمد على التحوّل الرقمي وتعزيز الحوكمة والشفافية مما يسهم في رفع الأداء والإنتاجية، وإن اتخاذ قرارات مصيرية كهذه ينبغي أن تستند إلى بحوث ودراسات دقيقة تأخذ بعين الإعتبار التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة لضمان تحقيق الإصلاح دون المساس بمصالح المواطنين والموظفين وبالتالي فقدان الكفاءات الوطنية المصدر : جريدة البناء ملاحظة : إن كل ما يُنشر في خانة "مقالات صحفية مختارة" لا يعبّر بالضرورة عن الرأي الرسمي لاتحاد الوفاء، وإنما يُعبّر عن آراء كاتبيها. |