١١ تموز ٢٠٢٥ 
كتب فؤاد بزي وضعت مؤسسات الاتحاد الأوروبي عينها على المؤسسات المملوكة من الدولة، أو المؤسسات العامة. والهدف واضح، هو العمل على خصخصتها، وتسليمها للقطاع الخاص وإن اختلفت الطرق المعتمدة للوصول إلى هذه الغاية، مثل إنشاء هيئة مستقلّة للإشراف على المؤسسات العامة، أو إنشاء شركة قابضة واحدة تخضع لقانون الشركات التجارية للإشراف على المؤسسات العامة وعملها. ولكن نتيجة التقرير واحدة وتتلخّص في أنّ المؤسسات العامة مهترئة وغير فعّالة ولا جدوى من بقائها في لبنان. تحت عناوين كبيرة وبرّاقة، مثل «تعزيز الإطار القانوني والحوكمة في المؤسسات العامة»، وبطلب من الحكومة، وضع البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير «EBRD» المؤسسات العامة في لبنان على المشرحة. وتعاون في دراسته مع «كونسورتيوم» قانوني مؤلّف من الاستشاري «Sodali» المتخصّص في إصلاح المؤسسات العامة، ومكتب المحاماة «Alem» اللبناني الذي سيتولى دراسة الإطار القانوني للمؤسسات العامة في لبنان، بحسب مقدّمة التقرير. بُني التقرير على أمرين، الأول عبر مراجعة قانونية لأنظمة المؤسسات العامة في لبنان، والثاني عبر إجراء عدد من المقابلات مع وزراء سابقين ورؤساء مجالس إدارة المؤسسات العامة، والتي تعطي فكرة عن أحد أسباب الوصول إلى خلاصات بضرورة خصخصة المؤسسات العامة. فالأسماء التي أجريت معها المقابلات هي حاملة راية صندوق النقد والبنك الدولي وبيع القطاع العام مثل وزير المالية السابق يوسف خليل، ووزير الاتصالات السابق جوني القرم، ووزير الاقتصاد السابق أمين سلام، ونائب رئيس الحكومة السابق سعادة الشامي. خلص التقرير إلى أنّ معالجة وضع المؤسسات العامة ممكنة من خلال تحويلها إلى شركات تجارية، خاضعة لـ«قواعد الإدارة الخاصة». وقد طالب معدّو التقرير، وبإلحاح، بإجراء عملية جرد أصول وموجودات المؤسسات العامة وحساباتها وأموالها المنقولة وغير المنقولة. وحمّلوا وزارة المالية مسؤولية هذا الإجراء، والذي أسموه «سجلّ أصول الدولة». وهذه فقط الخطوة الأولى، وسيليها قيام هيئة إشراف مستقلّة، أو لجنة تنسيق، بتصنيف المؤسسات العامة إلى 4 فئات: مؤسسات استراتيجية يجب أن تتحوّل إلى شركات خاصة، مؤسسات استراتيجية يُقرّر مصيرها في لجنة تنسيق، مؤسسات غير استراتيجية تلحق بمؤسسات الفئة الأولى، ومؤسسات غير استراتيجية تقرّر لجنة التنسيق مستقبلها. ولكن، غابت الموضوعية عن كلّ جوانب التقرير، إذ أهمل تماماً دراسة الأوضاع الاقتصادية التي أدّت إلى تراجع أداء المؤسسات العامة، وتهالك مواردها البشرية. كما لم يأتِ على ذكر التدخلات السياسية التي أفرغت المؤسسات من مهامها الأساسية، وحوّلتها إلى بقرة حلوب وأدخلتها في الزواريب السياسية عبر سياسة التوظيف العشوائي، ما أدّى إلى تراجعها على المستوى الخدماتي. ولتشويه صورة المؤسسات العامة في لبنان، قام معدّو التقرير بمقارنتها على المستويين المالي والبشري مع مؤسسات في دول في الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا وهولندا واليونان. لبناء الدراسة، ارتكز التقرير على عمل المؤسسات العامة في 3 قطاعات، الطاقة والنقل والاتصالات. لذا، انتقى معدّو التقرير 4 مؤسسات عامة لبنانية لدراسة أوضاعها، وهي كهرباء لبنان، وطيران الشرق الأوسط، وهيئة أوجيرو، و«تاتش». وقارنت كلّ مؤسسة مع شبيهاتها في عدد من الدول الأوروبية. على سبيل المثال، قورنت كلّ من «تاتش» و«أوجيرو» مع شركة «أورانج» الفرنسية، والتي تبلغ عائداتها السنوية حوالي 46 مليار دولار، أي أكثر من مجمل قيمة الموازنة في لبنان بـ10 مرّات، فيما يصل عدد العاملين في هذه الشركة تحديداً إلى 139 ألف موظف، ما يقارب نصف العاملين في كلّ القطاع العام في لبنان. وعلى الرغم من هذا التفاوت الكبير في حجم المؤسسات مقارنةً بمؤسسات القطاع العام في لبنان، أو بحجم الاقتصاد اللبناني، إلا أنّ معدّي التقرير استخدموا هذه النماذج للتصويب على ما أسموها «نقاط ضعف» مؤسسات القطاع العام. فركّزوا على أمور مستغربة، مثل «عدم وجود تشريعات موحّدة للمؤسسات العامة، وغياب تعريف حقيقي لمفهوم الشركات المملوكة من الدولة». كما ركّز التقرير على صلاحيات وزارة المالية، والتي وصفها بـ«الكبيرة»، وتتركّز على الموافقة على الموازنات والمعاملات المالية، فضلاً عن صلاحيات وزارات الوصاية على المؤسسات، والتي وجد أنّها «تخلق غموضاً بدلاً من الشفافية». وفي أكثر من جانب من التقرير، تمّ التركيز على سلبيات مركزية الدولة في الإدارة، والتي تتدخّل عبر وزارات الوصاية في تعيين أعضاء ورؤساء مجالس الإدارات، ما يحدّ من دور هذه المجالس، على الرغم من أنّ مقارنة المؤسسات العامة اللبنانية في مطلع التقرير جاءت مع دول فيها مركزية في اتخاذ القرار، وفقاً لما ورد في مقدّمة التقرير، مثل فرنسا واليونان والسويد. وفي مقاطع أخرى من التقرير، يصف الإدارة اللبنانية للمؤسسات العامة بأنّها «لا مركزية، ولا تعتمد نمطاً إدارياً واحداً»، وهو ما عدّه من نقاط الضعف التي يجب معالجتها. من هي لجنة التنسيق؟ بهدف تصنيف المؤسسات العامة وتحديد مصيرها، اقترح معدّو التقرير إنشاء ما يُسمى بـ«لجنة تنسيق» أو «Coordination Council»، من دون تحديد مواصفات من هو رئيسها ومن هم أعضاؤها بشكل تفصيلي، بل تُركت هذه اللجنة غامضة على الرغم من المهام الدقيقة المرتبطة بها مثل تحديد مصير المؤسسات العامة. وعلى سبيل المثال، أُسند تحديد رئاسة اللجنة إلى رئيس مجلس الوزراء، وحُدّدت هرميتها على أنّها أعلى من الوزارات، لذا يجب أن تضم جميع الوزراء ولا سيّما وزير المالية. نسبة تملّك الدول في المؤسسات 100% هي نسبة ملكية الدولة في لبنان لمؤسساتها العامة. ومن ناحية المقارنة مع المؤسسات الشبيهة لها في عدد من الدول، لا يوجد سوى شركة الطيران المغربية مملوكة من دولتها الأم بنفس النسبة. أما في الدول الأوروبية، فلا تتخطى نسبة تملّك الدولة لشركات الطيران حاجز الـ44%، وهي نسبة تملّك دولتَي السويد والدنمارك لشركة «SAS» للطيران. وفي قطاع الاتصالات، تنخفض نسب تملّك الدول في المؤسسات إلى ما دون 40%، إذ لا تستحوذ الدولة الفرنسية مثلاً على أكثر من 13.4% من شركة «أورانج» للاتصالات، بينما تمتلك الدولة اللبنانية نسبة 100% من شركتَي «تاتش وأوجيرو»، وفقاً لما ورد في تقرير البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير. المصدر: صحيفة الاخبار ملاحظة: المواد المنشورة في هذا الباب تمثل آراء كاتبيها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ادارة الموقع. |