14 تموز 2025 كتبت زينب حمود 
كما كان متوقّعاً، يمرّ اللبنانيون بصيفٍ صعب نتيجة النقص الحاد في مياه الريّ والشفة والاستخدام المنزلي، أي في شريان حياتهم اليومي. السبب المباشر، في رأي كثيرين من الخبراء، هو التراجع الحاد في كميات المتساقطات. لكن ذلك لا يُخفي جذور الأزمة الممتدة منذ عقود، والمتمثلة في الهدر المزمن والفساد وسوء استثمار الثروة المائية. نهجٌ لم يؤدِّ فقط إلى تفاقم الشح، بل إلى عجزٍ واضح في إدارة الأزمة أيضاً. وفقاً لتقديرات المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، سجّل الهطول هذا العام تراجعاً بنسبة 30% عن معدلاته الموسمية، ما انعكس انخفاضاً حاداً في منسوب مياه نهر الليطاني بنسبة تقرب من 50% مقارنة بالعام الماضي، إلى جانب تراجع المخزون المائي وتدنّي التغذية من الينابيع والآبار الجوفية. في البقاع، بحسب المديرة العامة لمؤسسة مياه البقاع بولا حاوي، تراجعت مصادر المياه السطحية، وخصوصاً الينابيع التي يعتمد عليها المزارعون في الري، بنسبة 30% نتيجة انخفاض الهطول. أما الآبار الارتوازية، فسجّلت انخفاضاً حاداً في منسوب المياه تراوح بين 30 و40 متراً مقارنة بالعام الماضي، ما أدّى إلى جفاف عدد من الآبار الخاصة، وزاد الضغط على المؤسسة التي اضطرت إلى «إقفال باب الاشتراك في مياه الشبكة لضمان الاستمرارية في تأمين المياه للمشتركين الحاليين». ومع ذلك، تؤكد المؤسسة أنها لم تلجأ بعد إلى التقنين، وتواصل توزيع الكميات القصوى المتاحة على المشتركين. رغم ذلك، تعلو صرخة البقاعيين، كما غيرهم في بقية المناطق اللبنانية، شاكين من تقنين قاسٍ في مياه الشبكة: انقطاع يمتد لأيام طويلة، تليه ساعات معدودة من الضخّ، غالباً ما تكون المياه فيها ضعيفة جداً. وعبر تتبّع برامج التغذية في العاصمة، يبرز نمطان أساسيان: الأول هو غياب الانتظام في مواعيد وصول المياه، والثاني هو التفاوت الصارخ بين أحياء مهملة تتغذى بـ 3 إلى 4 ساعات كل خمسة أيام، وأحياناً 10 أيام، وأخرى «مدعومة» تحظى ببرنامج تغذية واضح، كما في سن الفيل، حيث تصل المياه بمعدل عشر ساعات كلّ يومين. لماذا يختلف التوزيع؟ التوزيع غير العادل لساعات التغذية بالمياه بين منطقة وأخرى، وحتى في المنطقة نفسها بين حي وآخر، تعيده حاوي إلى «طبيعة كل منطقة وخصوصيتها»، مشيرة إلى عوامل عدة مؤثرة في وصول المياه عبر الشبكة، من بينها الجاذبية التي تساعد على صعود المياه إلى الخزانات. وتعطي، مثلاً، زحلة حيث «تصل المياه من نبع البردوني إلى الخزانات من دون استخدام الطاقة وتستغرق العملية نحو 5 ساعات». كما إن للكوارث الطبيعية أثرها أيضاً، إذ «أدت الهزة الأرضية العام الماضي مثلاً إلى خلل في البئر الارتوازي في ضهور زحلة، وباتت تعبئة الخزان تحتاج إلى 13 ساعة بدلاً من 6 ساعات». كذلك يتأثر توزيع المياه بالعوامل الديموغرافية وحجم الطلب على المياه وفقاً للتعداد السكاني في كل منطقة. إذ إن «سعة البئر الارتوازي في ضهور زحلة مثلاً تساوي 500 متر مكعب، تكفي لـ500 وحدة سكنية، بينما تضم المنطقة نحو 13 ألف وحدة». ومن أهم العوامل المؤثرة في وصول المياه توافر الطاقة لضخّ المياه. إذ إن ساعات التغذية بالكهرباء تتباين بين منطقة وأخرى، فتصل إلى 24/24 في زحلة بينما لا تتعدى أربع ساعات في أماكن أخرى من البقاع والشمال والجنوب والعاصمة. كما لا تتوافر الطاقة الشمسية أينما كان، و«لا تكفي كل عائدات الجباية في تأمين كلفة الطاقة من المولدات الخاصة». مافيا الصهاريج نتيجة الانقطاع المزمن والمتكرر لمياه الاستخدام، لا يبقى سوى اللجوء إلى صهاريج المياه التي بدأ أصحابها يشكلون ما يشبه المافيا، ما يضيف أعباء مالية إضافية إلى الفواتير الشهرية المثقلة أصلاً. في منطقة برج أبي حيدر في بيروت، مثلاً، تغيب المياه عن الشبكة لأربعة أيام متتالية، و«عندما تصل، بالكاد تملأ برميلاً واحداً»، كما تقول لينا التي تسكن في المنطقة، «ما يضطرنا إلى شراء خمس نقلات مياه شهرياً، كلّ منها تحتوي على خمسة براميل وتكلّف 600 ألف ليرة». وبحسبة بسيطة، يضطر المواطن، في فصل الصيف، إلى اقتطاع نحو 33 دولاراً شهرياً من دخله لتأمين مياه الاستخدام. وتصل الكلفة إلى 165 دولاراً على الأقل لعائلة من خمسة أفراد، وقد تتضاعف تبعاً للاحتياجات. المصدر : صحيفة الاخبار ملاحظة: المواد المنشورة في هذا الباب تمثل آراء كاتبيها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ادارة الموقع. |