١٨ حزيران ٢٠٢٥ في هذا الزمن السياسي والعسكري المعقّد، تتلاحق الاعتداءات على الشعوب الحرة في أكثر من ساحة، وتتوالى حلقات مشروع عدواني واحد، يتّخذ أشكالًا مختلفة، لكنه يهدف دومًا إلى إخضاع إرادة الشعوب وكسر قواها الحية، وفي مقدمتها المقاومة والطبقة العاملة. في لبنان، تستمر الاعتداءات الصهيونية على الضاحية الجنوبية والجنوب اللبناني بوتيرة تصاعدية، محاولة استنزاف المقاومة وكسر صمود الناس، من خلال ضرب البنية المدنية والمناطق السكنية والبنى التحتية. هذا العدوان لا يمكن فصله عن تاريخ طويل من الاستهداف الإسرائيلي المباشر للبشر والحجر، لكنه اليوم يتغذّى من هشاشة الداخل اللبناني، حيث تغيب الدولة عن أداء واجبها الوطني والإنساني، وتبدو الحكومة اللبنانية وكأنها خارج السياق، لا تخطط، لا تعوّض، ولا تعلن حتى خطة طوارئ واضحة لإعادة إعمار المناطق المتضررة أو حماية أهلها من التشريد والانهيار الاقتصادي والاجتماعي. نحن كاتحاد نقابي نرى في هذا التقاعس الرسمي خذلانًا موصوفًا لأهل الجنوب المقاوم الذين لم يترددوا يومًا في الدفاع عن الوطن، ويبدو أن البعض يريد معاقبتهم على صمودهم، بصمت يشبه التواطؤ، إن لم يكن جزءًا منه. أما على الساحة الإقليمية، فإن العدوان الإسرائيلي الأخير على الأراضي الإيرانية، والذي أسفر عن استشهاد قادة كبار من الصف الأول، هو فعل يؤكد مرة جديدة أن "إسرائيل" لم تعد تتحرك إلا بعقلية الهارب من الفشل. فكيان مأزوم داخليًا، متآكل سياسيًا، محاصر ميدانيًا، لم يجد ما يستعيد به "هيبته" سوى طائرات الاغتيال، في محاولة تعويض بائسة عن هزائمه المتراكمة في فلسطين ولبنان وغزة. لكن الأخطر في هذا الاعتداء ليس ما فعله العدو وحده، بل هو ذلك الاصطفاف الغربي الواضح خلفه، حيث شاركت الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، بشكل مباشر أو عبر التغطية، في هذا العدوان، ضاربة عرض الحائط بكل الأعراف الدولية وقرارات الأمم المتحدة، لتؤكد مجددًا أن القانون الدولي يُستخدم عند الحاجة، ويُنسى حين يتعلّق الأمر بحماية الكيان الصهيوني. ولم يكن مفاجئًا أن تتورّط بعض الدول العربية، سواء عبر اعتراض المسيرات أو تمرير معلومات استخباراتية، أو حتى عبر تبرير العدوان إعلاميًا، في دور وظيفي لا يحمي استقرار المنطقة كما تزعم، بل يطيل عمر الاحتلال، ويعرض أمن شعوبها للخطر. إنها أنظمة تخاف المقاومة أكثر مما تخاف العدو، وتفضّل البقاء تحت عباءة الهيمنة بدلًا من الوقوف مع الشعوب الحرة. رغم هذا المشهد القاتم، فإن صوت الشعوب لا يزال أعلى من ضجيج الطائرات، وصوت العمال أشد من قعقعة الدبابات، وقد أثبتت الوفود العمالية المقاومة – ومنها وفد اتحاد الوفاء – حضورًا مميزًا ومشرّفًا في مؤتمر العمل الدولي في جنيف، حيث جرى نقل صوت المعاناة من قلب الميدان، ورفع قضايا العمال اللبنانية والعربية، والتأكيد على الحرب ليست فقط عسكرية، بل اقتصادية ومعيشية أيضًا، تخنق الناس كما تخنق الحدود. لقد آن الأوان لتعزيز دور العمل النقابي كقوى مقاومة، لا مجرد أدوات مطالبية، ونحن في اتحاد الوفاء لنقابات العمال والمستخدمين نؤكد أن نضالنا لن يتوقف عند حدود تحسين الأجور والتقديمات، بل يتعداه إلى حماية الكرامة الوطنية، والتصدي لأي مشروع يريد سحقنا تحت عناوين الأمن، أو الحياد، أو الواقعية السياسية. نقف اليوم بوضوح: مع الجنوب الصامد رغم الجراح مع إيران المقاومة التي لن تنكسر بإذن الله مع فلسطين، كل فلسطين، رغم الحصار مع كل عامل يكدح في ظروف القصف أو البطالة ومع كل مواطن يرى أن صوته هو آخر ما يملكه في معركة الكرامة ونطالب الحكومة اللبنانية بتحمّل مسؤولياتها فورًا تجاه المناطق المنكوبة في الجنوب والضاحية، وأن تُطلق خطة إعادة إعمار جدية وعادلة، لا أن تترك الناس عرضة للنسيان أو المزايدة. العدو لا ينتصر بالقوة، بل يفشل حين تقف الشعوب على قدميها والمستقبل ليس للغزاة، بل لمن يصنعه بعرقه ودمه وكرامته اتحاد الوفاء لنقابات العمال والمستخدمين بيروت – 18 حزيران 2025 |