المنتجات اللبنانية تستفيد من تراجع اللاعب السوري في الأسواق الخارجية
ا المنتج السوري لم يعد منافساً قوياً للمنتج اللبناني في الأسواق الخارجية. هذا الواقع يتأكد يوماً بعد يوم. الأزمة في سوريا تستفحل بصورة مؤسفة، لكنها تفتح الفرص أمام لبنان أيضاً. هذه مفارقة مشروعة محمد وهبة ازدادت الصادرات الزراعية إلى الأردن خلال عام 2012 بوتيرة متزايدة. السبب غير واضح باستثناء ما يتداوله التجّار همساً عن «تقطّع» التجارة على خط الأردن ــ سوريا، وهو ما يحفّز زيادة تصدير المنتجات الزراعية اللبنانية إلى الأردن. لكن وزير الزراعة حسين الحاج حسن، وفق ما ورد في مؤتمره الصحافي الاثنين الماضي، لمّح إلى أن الزيادة تأتي على خلفية الزيارة التي قام بها إلى الأردن قبل فترة، حيث وقّع اتفاقاً يسهّل انسياب المنتجات الزراعية... إلا أن السؤال الذي بقي بلا إجابة: إلى أي مدى تصبح السوق الأردنية بديلاً من السوق السورية بالنسبة إلى المنتجات اللبنانية؟ وكان وزير الزراعة قد خصّص مؤتمراً صحافياً الاثنين الماضي للحديث عن التصدير إلى الأردن، حصراً، بعد جولة له على المسؤولين هناك. ورأى الوزير أن الانتقادات الموجّهة إلى الوزارة بشأن تصدير التفاح والموز كانت ذات خلفية سياسية، موضحاً أنها تأتي في سياق «محاولات البعض اكتساب حضور إعلامي من خلال الحديث عن تصدير التفاح اللبناني، فيما البعض الآخر حاول تسجيل مكاسب سياسية، أما من أصيب بالضرر فهو المزارع الذي خاف على تسويق المحصول والأسعار». لكن رغم ذلك، كان لافتاً أن يصبح موضوع التصدير إلى الأردن حدثاً في وزارة الزراعة، لا بل إن العاملين في قطاع الزراعة يرون فيه أمراً مبالغاً فيه، إلى درجة تثير الكثير من التساؤلات عن واقعية هذا الأمر وانسجامه مع الوقائع العملية. قبل أن يعرض الحاج حسن أرقام الميزان التجاري الزراعي بين لبنان والأردن، تطرّق إلى نتائج زيارته الأخيرة للأردن حيث التقى ممثلين عن السلطات التجارية والاقتصادية هناك، وتوصّل معهم إلى اتفاق يتضمن: تسهيل انسياب المنتجات الزراعية، تنظيم الكميات، معالجة مشكلة أي شحنة وعدم ردّها من دون إيجاد حلول، تصدير الموز والتفاح وغيرهما من المنتجات الزراعية. ومن أبرز نتائج الاتفاق، بحسب الحاج حسن، «تصدير 220 طناً من الموز يومياً إلى الأردن». إلا أن الأمر لم يقتصر على ذلك؛ فقد «صدّر لبنان إلى الأردن نحو 5059 طناً مقارنة بكمية تعادل 2500 طن في السنوات السابقة، وصدّرنا أيضاً 5588 طناً من الموز». وأضاف أن «الميزان التجاري في المجال الزراعي بين لبنان والأردن، يشير إلى فائض بقيمة 11 مليون دينار (7.8 ملايين دولار) لمصلحة لبنان»، لافتاً إلى أن «التبادل التجاري الزراعي هو لمصلحة لبنان في ما يتعلق بالفاكهة والخضار». وعرض وزير الزراعة إحصاءات تشير إلى أن الأردن استورد في عام 2008 نحو 2890 طناً من التفاح، ثم انخفضت قيمة وارداته من التفاح اللبناني إلى 1600 طن في 2009، وإلى 1420 طناً في 2010، و1383 طناً في 2011، لكنها عادت لتضرب الرقم القياسي عام 2012 حين ارتفعت الكمية المصدّرة من التفاح خلال 11 شهراً إلى 5059 طناً «ولم ينته الموسم بعد» يقول الحاج حسن. في الواقع، لا تتضارب أرقام الحاج حسن مع إحصاءات إدارة الجمارك اللبنانية. فهذه الأخيرة تشير إلى أن مجمل صادرات البنود الزراعية إلى الأردن من مواشٍ وخضر وفواكه وسواها من المنتجات الزراعية بلغت خلال عام 2011 ما قيمته 18 مليون دولار، علماً بأن لبنان استورد من الأردن بما قيمته 9 ملايين دولار. أما في الأشهر العشرة الأولى من عام 2012، فإن صادرات لبنان بلغت 13.3 مليون دولار مقابل واردات زراعية أردنية بقيمة 7.7 ملايين دولار، أي إن الميزان الزراعي بين البلدين يفيض لمصلحة لبنان لغاية نهاية أيلول 2012 بقيمة 5.6 ملايين دولار. لكن أرقام الجمارك التفصيلية تظهر تحوّلاً في الصادرات الزراعية التي بدأت تستبدل السوق السورية بالسوق الأردنية؛ ففي الأشهر العشرة الأولى من السنة الجارية، بلغت حصّة التفاح من الصادرات الزراعية الإجمالية إلى الأردن 13% مقارنة بنسبة 5% في عام 2011، فيما ارتفعت حصّة الموز إلى 23% مقارنة بنسبة 9% في عام 2011، علماً بأن 90% من صادرات الموز كانت تذهب إلى سوريا. وفي السياق نفسه، زادت حصّة البطاطا اللبنانية من 8% إلى 9%... إلا أن ما كان نافراً هو أن يستورد الأردن من لبنان خرافاً وماعزاً بما يوازي 19% من مجمل الصادرات الزراعية، علماً بأن لبنان ليس بلداً منتجاً للخراف والماعز، بل مستورد لها! في هذا الإطار، يرى رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين، أنه لم تكن هناك عقبات جديّة تعوق تصدير المنتجات الزراعية إلى الأردن بمقدار ما كان المنتج السوري منافساً في هذه السوق. وما حصل أخيراً، وفق الحايك، هو «تسويق دعائي لا أكثر؛ لأن ما يجري تبادله بين التجّار اللبنانيين والتجّار الأردنيين هو أمر يحصل بين شركات القطاع الخاص، فيما دور السلطات الرسمية محدود في هذا المجال. أيضاً، يشير تجار عاملون على خطّ الأردن ــ لبنان، إلى أن تحسّن بعض أنواع الصادرات إلى الأردن، ولا سيما التفاح، يُعزى إلى تقلص الإنتاج السوري وتراجع قدرته على تلبية الطلب الأردني بسبب الأوضاع الأمنية، ما دفع التجّار الأردنيين إلى التوجّه نحو السوق اللبنانية. لكن السؤال هو: إلى متى يدوم هذا المنحى التجاري بين لبنان والأردن؟ يجيب مصدر رسمي مسؤول، بالإشارة إلى أن كلفة النقل من لبنان إلى الأردن ارتفعت خلال الفترة الأخيرة بسبب مخاطر المرور في سوريا، لكن هذه المخاطر مرشحة للارتفاع أكثر بعدما «أعلنت منطقة درعا ــ دمشق منطقة عسكرية، فهناك ما لا يقل عن 80% من صادرات لبنان الزراعية تمرّ عبر هذا الخطّ، فيما الخطّ البحري بين لبنان والأردن ممكن عبر ميناء العقبة، إلا أن البضائع ستتأخر بسبب مسار الطريق الطويل». اقتصاد العدد ١٨٨٧ الخميس ٢٠ كانون الأول ٢٠١٢