هذه حال الناس، على اختلاف مشاربهم، بعد أن بلغ الوضع المعيشي الخط الأحمر، كذلك الوضع السياسي، المشبع بخطابات التحريض المذهبي المخصّب، والتي كادت أن توصل البلد إلى حافة الفتنة، لولا البقية الباقية من حكماء وشرفاء هذا البلد. التقى مؤخراً، طرفا المعادلة اللبنانية، في جلسة مجلس النواب، على لملمة الملف المالي، بعد أن أقر مشروع الإنفاق الحكومي معدلاً، بعد خفض قيمة النفقات بنسبة 20%، مع تعهد الحكومة بإصدار الموازنة خلال شهر أو أقل. وقد ترك هذا الاتفاق الجزئي، ارتياحاً عاماً لدى اللبنانيين، وشعروا بأن قضاياهم الاجتماعية يمكن أن تكون نقطة تلاق وطني وشعبي عام، وفي خدمة الوطن والشعب، إذا ما تم تقديمها على المواقف السياسية، التي دائما ما تكون لخدمة الخارج ومصالحه. وهذا فتح قلوب الناس جميعاً، على حقيقة ناصعة، أنه عندما يلتفت سياسيو هذا البلد إلى الداخل، تكون النتيجةـ ولو بسيطةـ ارتياح عام على المستوى الوطني والشعبي. ماذا لو تعمّمت هذه التجربة، ودفعت الحكومة إلى إقرار سلسلة الرتب والرواتب للأساتذة، وأعطت هذه الشريحة المتقدمة حقوقها الطبيعية، بدل هذا الامتهان لكراماتهم ومسؤولياتهم التعليمية الكبرى. واقتنصت الحكومة الفرصة لتصويب البوصلة نحو الداخل أكثر، وامتلكت الجرأة لإقرار مجموعة قرارات إستراتيجية، سيكون لها انعكاسات مالية واقتصادية واجتماعية ايجابية لا تمييز طائفي أو مذهبي فيها، منها: 1ـ فرض ضريبة على الفوائد المصرفية مدروسة لا تشمل تعويضات نهاية الخدمة للعمال، وقد قيل أن ما يمكن أن تؤمنه هذه الضريبة يتجاوز ال300 مليون دولار. 2ـ استعادة الأملاك البحرية والنهرية، أو فرض ضرائب عالية على المستثمر منها، كالفنادق والمنتجعات والنوادي والمقاهي.. 3ـ فرض ضريبة مدروسة على العقارات تحديداً على التجار الذين يتخذون من هذه التجارة مهنة دائمة. 4ـ فرض ضريبة عالية على الكحول والتبغ والمستوردات الأجنبية. 5ـ وضع حد لمافيا المحروقات وضبط استيرادها من بوابة الدولة والدولة فقط. 6ـ المباشرة في تنفيذ مشاريع استخراج النفط اللبناني. 7ـ تفعيل خطة النقل المشترك على جميع الأراضي اللبنانية. 8ـ أخراج الكهرباء من دائرة البازار السياسي ووضعه موضع التنفيذ الفعلي، والاستفادة من التسهيلات المقدمة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بعيدا عن مكابرات بعض الحاقدين واملاءات الأمريكيين. وهذا غيض من فيض، ما يمكن أن تقوم به الحكومة، لو اتفق ممثلوها ومعارضوها، لكن ما كادت الفرحة تكتمل لدى اللبنانيين حتى نغّصها ما يصيب مياومي كهرباء لبنان من وجع غير مبرّر على الإطلاق. ويبقى لوقع ما وصلنا من ممثلي القوى النقابية العربية، في مؤتمر العمل الدولي ـ جنيف، الذي انعقد الشهر الماضي، الصدى الأكبر في نفوس العالمين العربي والإسلامي، حيث رفضوا حضور ممثل العدو الإسرائيلي، احدى الجلسات المخصصة للشرق الأوسط وشمال افريقيا ، وكان لاعتراضهم وانسحابهم من الجلسة وقعاً مدويا، وهذا دليل عافية كبيرة يمكن التأسيس عليها دائما. كما كان لموقف معالي وزير الطاقة جبران باسيل، حيث رفض أن يجمع سقف واحد بينه وبين المسؤول الاسرائيلي، مما أضطرت الجهة الداعية الى طرد ممثل العدو، الصدى الايجابي، حيث للمقاومة أكثر من وجه قوي وفاعل، فهل من يفهم؟