دراسات وابحاث > سوريا في عين العاصفة.. من يوقد الحرائق؟ (2)
الوفاء : 26-3-2012
غالب ابو مصلح
ان أميركا واتباعها في المنطقة خائفون على مصيرهم، نتيجة التطورات العالمية كما نتيجة الانتفاضات الشعبية العربية. فعلى طول الشاطئ الغربي للخليج صنع الاستعمار البريطاني كيانات سياسية هشة، تم اغراقها بالعمالة الاجنبية بدل العمالة العربية المسيسة. وتعيش الآن الاقلية العربية الحاكمة فيها على ريوع النفط وكدح الاجانب، وحماية القواعد العسكرية الاميركية وتحت امرتها. وتعمل الآن اميركا على انشاء حلف للدول والكيانات التابعة لها على امتداد الوطن العربي، كما استطاعت ان تلحق الجامعة العربية بسياساتها المعادية للشعب العربي ومصالحه الاستراتيجية. وتستعمل كل اتباعها وقسما من تدفقات اموال النفط العربي لإذكاء الثورة المضادة فوق الارض العربية. وتركيا اردوغان، القادم الجديد الى ساحة المشرق العربي مأزومة على اكثر من صعيد. فهي مرذولة في «النادي الاوروبي المسيحي» كما تقول الإيكونومست، بالرغم من توظيفها لعقود في حلف الاطلسي للدفاع عن هذا النادي. وفشلت تركيا في استقطاب دول شعوب وسط آسيا، التركية بمعظمها، وبينها وبين روسيا عداء تاريخي يتخطى الايديولوجيا. ولم يبق لها غير اميركا واتباعها للدخول الى مجالها الحيوي المتبقي ـ الوطن العربي. ولبس اردوغان قناع العداء لاسرائيل، لمواكبة التحول الكبير والسريع في وعي الجماهير التركية، وكبطاقة دخول الى الوطن العربي. لكن المرشد الروحي لأردوغان وحزبه هو «فتح الله غولن»، الذي يعيش في اميركا، ويمثل مجموعة ضخمة من المؤسسات غير الحكومية في تركيا، ويجاهر بصداقته للغرب، ويمزج خطابه الصوفي بالدعوة لرجال الاعمال. ويبرر قتل الكوماندوس الاسرائيلي لتسعة اتراك على سفينة مرمرة، كما تقول مجلة الإيكونومست عنه. بالرغم من حدة خطاب اردوغان ضد اسرائيل، فانه لم يلغ معاهدات تركيا العسكرية والسياسية معها. ونمت العلاقات التجارية التركية الاسرائيلية بشكل سريع منذ سنة 2010 حتى اليوم. وصعدت تركيا في علاقتها التجارية مع اسرائيل من المرتبة التاسعة في الفصل الرابع من سنة 2010 الى المرتبة الثالثة (بعد اميركا وهولندا) في الفصل الاول من سنة 2011. ويعاني الاقتصاد التركي من صعوبات جمة. فوتائر نموه تتراجع بسرعة. وخلال فترة (آب 2010 الى آب 2011) ارتفع العجز التجاري السنوي من 57 مليارا الى 100,9 مليار دولار، وارتفع العجز في ميزان المدفوعات الجاري من 33,6 مليارا الى 86,1 مليار دولار. والجيش التركي عاجز ومقعد. يقول «ارك ادلمان» سفير اميركا السابق في تركيا: «ان الجيش التركي يعطي كل الدلائل على انه جيش مكسور ويبحر دون توجيه» مع وجود 12% من جنرالاته العاملين في السجون (The Economist .Aug. 6/2011) . وتتناقض توجهات اردوغان للحاق باميركا، مع توجهات الشارع التركي. فحسب استطلاع غربي للرأي، كان 52% من الاتراك ينظرون بايجابية لاميركا سنة 2000، وانخفضت هذه النسبة الى 10% في سنة 2007. واظهر استطلاع الماني للرأي في تركيا ان نسبة التأييد لاوروبا انخفضت من 50% سنة 2009 الى 28% سنة 2010 . وأدخلت اميركا تركيا المأزومة الى دول الخليج التابعة، كشريك استراتيجي، عبر معاهدة مع مجلس التعاون الخليجي في سنة 2008 لتوجيه التوظيفات الخليجية الى السوق التركية، ولدفع تركيا الى مواجهة ايران بدل التقارب معها في اطار الشرق الاوسط الكبير . وبعد انتفاضة الجماهير العربية في طول الوطن العربي وعرضه، وسقوط حكومتي تونس ومصر، حشدت الولايات المتحدة واوروبا تركيا واتباعها من الانظمة العربية لشن ثورة مضادة، جندت لها كل وسائل الاعلام واموال النفط، من البحرين الى ليبيا والتصدي لايران، واجهاض ثورتي تونس ومصر، واخيرا لاسقاط سورية ودورها القومي التحرري، كمقدمة لاسقاط المقاومات في لبنان وفلسطين والعراق، ثم الانقضاض على ايران، وضمن مخطط عالمي في اطار تجديد الحرب الباردة. ويجري كل ذلك تحت شعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان مجندة متساقطي اليسار المأزوم، وحطام المناضلين والمثقفين على الصعيد العربي، مسترشدين بمقولة صحافي بريطاني بأنه «لكل انسان ثمن، حتى ملكة بريطانيا»، واموال النفط كفيلة بدفع الاثمان. لكن هذا الحلف الرجعي العربي ومن يقف خلفه ليسوا مثالا يحتذى للديمقراطية والعدالة وحقوق الانسان ـ وخدام الحرمين الشريفين ومطاوعتهم ليسوا مثالا للعدالة والمساواة وحقوق الانسان، ومنها حقوق المرأة. و«درع الجزيرة» ليس «جيش» الأم تريزا في البحرين. وامير قطر المثقل باموال النفط العربي المنهوب ليس خليفة عنترة بن شداد، وسورية ليست البحرين، وليست ليبيا. ليست سورية وحدها عربيا واقليميا ودوليا، ليست مع الماضي، بل مع حركة التاريخ الى المستقبل. جيشها ليس من المرتزقة، ودعائمها القومية والوطنية ليست من قصب, وفهم الصراع الدائر حولها يتطلب الخروج من زواريب حماه وحمص القديمة والنظر اليه من افق عالمي واقليمي وبعد تاريخي. والا ... فان طريق الخيانة معبدة بالنوايا الحسنة وبالغباء.