اخبار متفرقة > نحّاس لـ«السفير»: القرار سيشكّل مرجعاً قانونياً في الحالات المشابهة
حكم قضائي تاريخي يمنح نقابيّي «سبينيس» الحصانة ضد التعرض لهم
السفير : 8-9-2012
على الرغم مما يشهده البلد من انحدار لا قعر مرئياً له على كل المستويات، حققت نقابة موظفي الـ«سبينيس» إنجازاً نوعياً أمس، يضاف إلى إنجازها الأصلي المتمثل بإنشاء نقابة لموظفين، لم يكن لهم يوماً من يمثلهم ويدافع عن مصالحهم. فقد أصدرت قاضية الأمور المستعجلة في بيروت زلفا الحسن حكماً تاريخياً أعطت بموجبه الحصانة لمدة أسبوعين لجميع أعضاء الهيئة التأسيسية لنقابة موظفي أحد أكبر المراكز التجارية في لبنان. والقرار الذي صدر على اثر مراجعة تقدم بها المحامي نزار صاغية، يعتبر الأول من نوعه في تاريخ القضاء اللبناني يمنح الموظفين الحصانة ضد التعرض لهم، أكان بالطرد التعسفي (كما حصل مع رئيس الهيئة ميلاد بركات وزميله سمير طوق)، أم بالنقل والتهديد المباشر أو غير المباشر. كذلك، تعتبر مدّة الأسبوعين، بموجب القرار، قابلة للتجديد إذا لم تفلح النقابة في نيل الرخصة من وزارة العمل خلال هذه المدّة. وبناء على ذلك، حذّر القرار عينه شركة «سبينيس» من مغبة المس بأي من موظفيها الأعضاء في الهيئة التأسيسية تحت طائلة التغريم وإنزال العقوبات بحقّها. وفي هذا السياق، يقول رئيس نقابة موظفي الـ«سبينيس» ميلاد بركات - المطرود من عمله على خلفية نشاطه النقابي أن «قرار قاضية الأمور المستعجلة يشكّل نقلة نوعية في تاريخ القضاء اللبناني. وهي نقلة في اتجاه منح الحماية لنقابيين لطالما كانوا عرضة للطرد من أعمالهم بصورة تعسفية وجائرة ومن دون حماية من أحد». فـ«غداة طرد ميلاد من عمله في السبينيس بعد المؤتمر الصحافي الذي أعلنت خلاله النقابة هيئتها التأسيسية، حاولت إدارة الشركة بعد يومين فحسب من اتخاذها قرار صرف ميلاد، المس بزميل آخر له، مخيبر حبشي. لكنها سرعان ما تراجعت عن قرارها بعدما تبلّغت عزم النقابة التحرّك ضد أي خطوة من هذا القبيل». غير أن الإدارة لم تيأس. فكرّت سبحة محاولاتها لتخويف الموظفين، وخصوصا النقابيين منهم، والضغط عليهم. فأوقفت عمل البطاقات الائتمانية المخصصة لرواتبهم، وأجبرت أعضاء الهيئة التأسيسية على قبض أجورهم من الإدارة مباشرة، وبواسطة شيكات. وهو إجراء لا تتخذه الإدارة إلا مع الموظفين المصروفين. بعبارة أخرى، حاولت الإدارة التعامل مع أعضاء الهيئة التأسيسية بوصفهم مطرودين لا موظفين حاليين. لكن، هل سينال الموظفون ترخيصاً لنقابتهم خلال مهلة الأسبوعين المحددة في القرار القضائي؟ يؤكد بركات أن التواصل مع وزير العمل سليم جريصاتي لم ينقطع طوال الفترة الماضية. وقد أفاد الأخير أن طلب الترخيص يسلك القنوات القانونية الطبيعية التي تسبق نيل الترخيص. وقد أحيل قبل أيام على وزارة الداخلية ومن ثم على الأمن العام، ومن المتوقع أن يعـود إلى الوزارة بحلول الثلاثاء المقـبل. ما يعني أن الترخيص قد يصبــح بحوزة النقابة مع نهاية الأسبوع المقبل، في أبعد تقدير، يقول بركات. ولم تقف تجاوزات شركة الـ«سبينيس» عند حدود المسّ بأعضاء الهيئة التأسيسية، إنما بلغت تلك التجاوزات حق حرمان عدد كبير من الموظفين من حقوقهم البديهية، ولا سيما حق الانتساب إلى «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي». إذ علمت «السفير» ان مفتشي «الضمان» اكتشفوا أن إدارة الشركة ارتكبت 450 مخالفة بحق موظفيها. وذلك من خلال الامتناع عن التصريح عن 450 موظفاً إلى «الضمان». وقد رفع «الضمان» كتاباً إلى إدارة الشركة يطالبها فيه بمباشرة الإجراءات اللازمة لضم هؤلاء العمّال إلى «الضمان»، ولدفع فروق الاشتراكات المتراكمة عنهم طوال الفترة السابقة للتسجيل.
اجتهاد للمستقبل
أمّا وزير العمل السابق شربل نحاس ـ وهو أحد أبرز داعمي تأسيس نقابة الـ«سبينس» ـ فوضع القرار في مصاف الاجتهادات القانونية التاريخية المؤسّسة لنمط جديد من العلاقة بين القانون اللبناني وموظفي القطاع الخاص. فـ«القرار التاريخي يأتي من خارج آليات الانتظام القانوني في ما يخص القنوات المعروفة لتأسيس نقابة، حيث يشترط القانون أن تنال النقابة ترخيصاً من وزارة العمل. هذا على الرغم من أن أكثر من 150 دولة في العالم وقعت اتفاقية في العام 1945 تمنح العمّال حرية تأسيس نقابات من دون العودة إلى أي جهة، رسمية أكانت أم خاصة». هذا النمط من التدخّل في شؤون العمل النقابي يعطي، على ما يقول نحاس، إدارات الشركات حرية المس بالموظفين ذوي الميول النقابية قبل نيل النقابة الترخيص. الأمر الذي يحصل أحياناً بـ«التواطؤ بين الإدارة ووزارة العمل، عبر استغلال المهلة السابقة على نيل الترخيص للتخلّص من الموظفين النشطين نقابياً». «غير أن القرار الذي صدر عن قاضية الأمور المستعجلة في بيروت جاء ليصحح الثغرة القانونية ذات الصلة بعملية تأسيس النقابات»، يوضح نحاس. و«بما انه صادر عن القضاء المستعجل فهذا يعني ان لا علاقة له بالبت بأمور حصلت، إنما باتخاذ الاحتياطات اللازمة لما هو مقبل. بعبارة أخرى، انه يؤسس لحماية مستقبلية». ويختم نحاس بالقول «في كل العالم تمرّ القوانين بالمطبخ السياسي قبل أن تستقر كتشريعات. ودور القضاة ههنا يقتصر على سدّ الثغرات الكامنة في القوانين مرعية الإجراء قبل صدور قوانين جديدة تجبّها. ما يعني ان القرار سيشكّل مرجعاً وسنداً قانونياً يمكن الركون إليه في كل الحالات المشابهة». خلاصة القول أن موظفي الـ«سبينيس» بادروا من تلقائهم وأسّسوا نقابتهم التي استحقت منذ اللحظة الأولى لانطلاقتها تسميتها، فهل يحذو الآخرون المتردّدون حذوهم؟ («السفير»)