الاقتصاد يمر بمرحلة تراجع إلى حافة الدخول في الانكماش
الوفاء : 2-10-2012
تسلّم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من وفد من «الهيئات الاقتصادية» برئاسة الوزير السابق عدنان القصار مذكرة بعنوان «تداعيات سلسلة الرتب والرواتب على الاقتصاد اللبناني»، مكررين فيها تأكيدهم أنه «انطلاقاً من الحرص على المصلحة الوطنية العليا التي تأتي قبل أية مصالح اخرى، فإننا نرفض بشكل قاطع ومطلق مشروع السلسلة التي أقرتها الحكومة». ودعا الوفد الى «وقف التمادي بالخطأ، بفصل أجور القضاة التي تم اقرار زيادتها على نحو خاطئ عن باقي السلسلة، والى فصل موضوع زيادة غلاء المعيشة عن السلسلة، هذه الزيادة التي تقدر كلفتها بـ61 مليار ليرة شهرياً»، مشيرا إلى «وجود مشكلة حقيقية مع الزيادات الاضافية التي ترتبها السلسلة والتي تكلف 58 مليار ليرة شهرياً، وسيؤدي اعتمادها الى رفع الأجور مرتين». وشدّد على أن «المطلوب قبل اقرار أية زيادات اضافية العمل على ترشيد التوظيف في القطاع العام، واجراء اصلاح في نظام الرواتب والاجور بما ينسجم مع معايير التنافسية والكفاءة والجودة، وبغية تأمين القدرة على توفير استمرارية التمويل بشكل مستدام، ذلك ان الارتفاع النسبي في حصة رواتب المتقاعدين التي تقدر بنحو الربع، يعني وجود خلل كبير في نظام نهاية الخدمة، والمشكلة ان السلسلة المطروحة تعمّق وتوسّع هذا الخلل، خصوصاً ان بعض القطاعات تتمتع بنظام تقاعدي هو الأعلى كلفة في العالم، علماً ان دولاً كبرى مثل كندا واليابان وصلت الى حافة الإفلاس من جراء رواتب المتقاعدين». ويعود سبب رفض الهيئات السلسلة الى الاعباء الضريبية التي ترى فيها انها «ستشكل عبئا ثقيلا على الاقتصاد الذي لا يستطيع تحملها وستزيد من تباطئه، بالتزامن مع انعكاساتها التضخمية. كما سينوء بها المجتمع اللبناني بكافة فئاته، لأنها تشمل نحو 20 بندا ضريبيا، من زيادات الضريبة على الفوائد المصرفية، ورسوم الطابع المالي على الفواتير الهاتفية، والمعاملات الرسمية، والتفرغ والتحسين العقاري، وشركات الاستثمار المالي، والمستثمرين في أسواق المال، ومياه التعبئة، وغيرها. ومعظمها يدخل في أساس الحياة اليومية للمواطنين، كما في أساس الحياة الاقتصادية للقطاع الخاص. وبصورة عامة، يمكن القول بأن هذه الضرائب إذا ما فرضت سيكون لها أثار سلبية على تنافسية الاقتصاد اللبناني، بحيث تتحول الاستثمارات وكثير من النشاط الاقتصادي عن لبنان، إلى الدول العربية الأخرى المجاورة. وليس من الواضح لغاية الآن آلية تمويل هذه النفقات الجديدة، خصوصا أنه تم تأجيل 4 بنود ضريبية، وأبرزها زيادة عامل الاستثمار، التي كانت جميعها يمكن أن توفر إيرادات بنحو 3070 مليار ليرة. كما سقطت 5 بنود أخرى تقدر متحصلاتها بنحو 855 مليار ليرة، وأبرزها زيادة الضريبة على القيمة المضافة». وتعتبر الهيئات ان التوقيت بحد ذاته خاطئ، لأن «الاقتصاد اللبناني يمر بمرحلة تراجع وصلت به إلى حافة الدخول في الانكماش من جراء عدم الاستقرار وتداعيات الأزمة في سوريا. وفي وقت الضرورة لانعاش الاقتصاد والانماء وفي وقت يجب ان يكون فيه النمو واعادة فائض ميزان المدفوعات واستقطاب الرساميل اهم الاهداف. وسيؤدي التراكم الضريبي على الشركات إلى رفع الضريبة إلى أكثر من نسبة 20 في المئة، مما سيفاقم من أعبائها ومن تكاليف التشغيل، وبالتالي يهدد بتراجع أعمالها وبصرف الموظفين تحت وطأة تراكم الخسائر. كما سيؤثر ارتفاع كلفة المعاملات التجارية وزيادة الرسوم على الفروع والمكلفين على الكفاءة التشغيلية والإنتاجية في الوقت الذي نشهد تزايدا في إقفال المؤسسات والمحلات التجارية. وسيتأثر القطاع العقاري من زيادة الرسوم على رخص البناء والأملاك المبنية والشاغرة، خصوصا أن الأسعار مرتفعة أساسا فيما السوق يقبع في مرحلة جمود حاليا». وترى الهيئات ان «الاقتصاد اللبناني لا يستطيع تحمل ضرائب جديدة على القطاعات الإنتاجية والقطاع المصرفي في وقت نرى معظم المؤشرات المالية والاقتصادية في تراجع. كما لا يمكن القبول بأن يكون تمويل السلسلة على حساب القطاع الخاص الذي يكافح في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية الصعبة». ولفتت الى ان زيادة الضريبة على الفوائد المصرفية «ستطال مدخرات المودعين، الذين ستتآكل قدراتهم الشرائية أصلا بسبب غلاء المعيشة. وستكون الطبقة الوسطى من أكثر المتضررين من هذا الإجراء، وليس فقط الطبقة الميسورة التي تستطيع بكل بساطة أن تنقل ودائعها إلى وجهات أخرى، كما حال المودعين الأجانب الذين سيضطرون إلى الانكفاء عن القطاع المصرفي اللبناني. وسيشكل ذلك إمعانا في إضاعة المزيد من الفرص في ظل الظروف غير المستقرة في المنطقة نتيجة الربيع العربي، عوض أن نعمل على استقطاب الاستثمارات الباحثة عن ملاذات آمنة ومربحة».
اللقاء مع جنبلاط
وكان رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط استقبل في منزله في كليمنصو وفداً موسعاً من الهيئات الاقتصادية اللبنانية وعرض معه التطورات الراهنة على المستوى الداخلي، لا سيما ما يتعلق بالملفات الاقتصادية والاجتماعية، وما يتصل بالنقاشات الدائرة حول مسألة سلسلة الرتب والرواتب، وذلك بحضور وزير الاشغال العامة والنقل غازي العريضي ووزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور ووزير شوؤن المهجرين علاء ترو وأمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر. وثمنّت الهيئات الاقتصادية المواقف العقلانية التي يعلنها تباعاً جنبلاط، لا سيما إصراره على ربط الإقرار النهائي للسلسة بتأمين موارد مالية كافية لتغطيتها، معتبرةً أن هذا الموقف يصب في مصلحة حماية الخزينة والمكتسبات الاقتصادية والحيلولة دون حدوث تداعيات غير محسوبة على المستوى النقدي أو المالي. وقد أبدى جنبلاط تفهمه الكامل لمخاوف الهيئات الاقتصادية، مجدداً التأكيد على أن الانحياز الدائم للمطالب المحقة للعمال والمعلمين والأساتذة يفترض ألا يكون على حساب ديمومة عمل المؤسسات الاقتصادية أو على الانتظام الاقتصادي العام والنقد الوطني، داعياً كل القوى السياسية لإخراج مسألة سلسلة الرتب والرواتب من دائرة التجاذبات الفئوية ومقاربتها بما يحفظ كل عناصر المعادلة الثلاثية التي تمثلها الدولة والعمال وأصحاب العمل لأن المزايدات في الملفات الاقتصادية الحساسة أو تسجيل البطولات الوهمية لا يصب في المصلحة الوطنية العامة. وتم الاتفاق خلال الاجتماع على استكمال التواصل، وقد أبلغ جنبلاط الوفد أن الحزب التقدمي الاشتراكي يعكف على وضع ورقة اقتصادية اجتماعية متكاملة يرسم فيها رؤيته للوضع الراهن ويقترح بعض الأفكار التي قد تساهم في الحد من حالة المراوحة القائمة.(«السفير»)