عطّل الإضراب العام المدارس الرسمية بنسبة مئة في المئة، والمدارس الخاصة بنسب متفاوتة، وكذلك عدداً كبيراً من لإدارات الرسمية، تلبية للدعوة التي وجهتها «هيئة التنسيق النقابية» احتجاجا على عدم إحالة مجلس الوزراء مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام إلى مجلس النواب. وقد حقّق الإضراب نجاحاً لافتاً، اضطر معه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي إلى الخروج عن صمته، على حد وصف مصدر نقابي في هيئة التنسيق، في «محاولة للتخفيف من مفاعيل الإضراب، وتبرير موقف الحكومة أمام الرأي العام، واستباقاً لقرار الهيئة تعطيل مختلف الإدارات الرسمية والقطاع التعليمي في الحادي والثلاثين من الجاري والأول من تشرين الثاني المقبل». تزامن موقف ميقاتي مع اجتماع هيئة التنسيق، التي جددت تمسكها ببنود الاتفاق الذي عقدته مع اللجنتين الوزاريتين المصغّرة والموسّعة، مشيرة إلى أن هذه البنود لم تتطرق لا من قريب ولا من بعيد إلى موضوع التقسيط ولا إلى موضوع ربط السلسلة بالواردات، واعتبرت أن ما يجري في هذا الصدد «تضليل ما بعده تضليل، لأن هيئة التنسيق سبق ان أعلنت مراراً موقفها برفض التجزئة ورفض التقسيط واعتبارهما وجهان لعملة واحدة».
إقفال المدارس
اختلف الحراك الصباحي أمس، في ظل الالتزام التام للمدارس الرسمية والمعاهد المهنية والتقنية بالإضراب العام، وأقفلت المعاهد أبوابها أمام طلابها، خصوصاً في السنتين الأولى والثانية، وفتحت صفوف السنة الثالثة تبعا لنسبة حضور الطلاب. وتوقفت الأعمال في المديرية العامة للتعليم المهني والتقني. وفي وزارة التربية توقف الموظفون عن استقبال مراجعات المواطنين، كما اكدت رئيسة دائرة الموظفين في الوزارة سلام يونس، وأوضحت أن أبواب الوزارة فتحت مع امتناع الموظفين عن العمل، مع إمرار بعض الحالات خصوصا للآتين من المناطق البعيدة. نفّذ موظفو القطاع العام في بيروت والمناطق إضراباً شلّ الإدارات والمؤسسات العامة في سرايا النبطية الحكومية، وتوقفوا عن استقبال معاملات المواطنين في مختلف الدوائر والأقسام. وقد رفع على مداخل عدد من الإدارات الرسمية، لافتات تؤكد حق الموظف بالسلسلة. أما المدارس الخاصة، فلم يلتزم معظمها، خصوصاً المنضوية في «اتحاد المؤسسات التربوية»، بدعوة هيئة التنسيق للإضراب، وسط استياء الاساتذة الذين التزم بعضهم بالإضراب، على الرغم من تهديد عدد من مديري المدارس بمعاقبة المعلمين المضربين، وخصم يوم عمل من رواتبهم. وعمدت بعض المدارس الخاصة ومنها الكاثوليكية إلى فتح أبوابها لاستقبال الطلاب، فغاب الاساتذة وبقي التلامذة داخل حرم المدرسة للقيام بنشاطات متنوعة، في ما علّقت الدروس. وأكد الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار، تعليقاً على عدم إقفال المدارس والتزام الاساتذة بإضراب هيئة التنسيق، أن «العقد مع المدرسة يقول بالالتزام بعمل المدرسة، وهذا ليس ضغطاً على الاساتذة بل التزاماً بالنظام الداخلي للمدرسة». هذا الموضوع أستفز نقيب المعلمين نعمه محفوض، وأكد أن «كل معلم سيخصم قرش من راتبه ستتم مقاضاة مدير المدرسة. التحرك النقابي مغطى قانونا». ووجه تحية كبيرة للمعلمين في المدارس الخاصة تحديداً، الذين شاركوا في الإضراب، ولفت إلى وجود نية مبيتة للعب على السلسلة، قائلا: «إذا كان الرئيس ميقاتي صادقا في ما يقول، فليحل السلسلة إلى مجلس النواب، أما إذا كان المطلوب كي تحال السلسلة إعلان الإضراب المفتوح على غرار ما فعلت رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية... فسنفعل ذلك».
تقويم الإضراب
عقدت هيئة التنسيق اجتماعاً استثنائياً في مقر «رابطة المعلمين في التعليم الأساسي الرسمي»، قوّمت خلاله الإضراب العام الذي نُفِّذ في سائر مؤسسات القطاع العام وفي المدارس والثانويات الرسمية والخاصة وفي معاهد التعليم المهني والتقني الرسمي، وتوقفت أمام قرار مجلس الوزراء القاضي بتخصيص جلسة في 31 الجاري للبت نهائياً بالواردات لتغطية السلسلة وإحالتها إلى مجلس النواب. وتوجهت الهيئة بالشكر والتقدير للموظفين والعاملين في القطاع العام وللأساتذة والمعلمين في قطاعي التعليم الرسمي والخاص على وقفتهم النقابية الرائعة في تنفيذ الإضراب العام والشامل، دفاعاً عن مصالحهم غير آبهين بالتهديدات والضغوط التي مورست عليهم من مصادر شتى. واعتبرت، في بيان، هذه الوقفة بمثابة «إنذار أخير لمن يعنيهم الأمر، بتحرير سلسلة الرتب والرواتب من أدراج مجلس الوزراء والإسراع بإحالتها في أقرب وقت ممكن إلى مجلس النواب». وشددت على أن الإضراب هو إعلان قاطع من هيئة التنسيق بتمسكها المطلق ببنود الاتفاق الذي عقدته مع اللجنتين الوزاريتين المصغّرة والموسّعة. و«إذا كان من أمر قد جرى الاتفاق عليه، فهو التعهّد الذي قطعه رئيس مجلس الوزراء برفع الظلامة عن الاساتذة والمعلمين والعمل على رفع قيمة الدرجة بما ينصفهم». وأكدت هيئة التنسيق عطفاً على قرارات مجلس الوزراء المتعلقة بتأمين الواردات للسلسلة رفضها المطلق للضرائب غير المباشرة التي تطال الفقراء وذوي الدخل المحدود. أما في موضوع المتقاعدين وفي التهويل المستمر (بضخامة رواتبهم)، حذّرت الهيئة من التمادي في ممارسة هذه السياسة على حقوق ومكتسبات هي في الأساس من المدخرات التي وفّرها هؤلاء طيلة سنوات خدمتهم في الوظيفة العامة، وطالبت باسترجاع الـ15 في المئة التي اقتطعت على غير وجه حق من معاشاتهم التقاعدية وتعويضات الصرف من الخدمة، ووقف التمييز الحاصل بين متقاعد وآخر. وكررت الهيئة قرارها السابق بتنفيذ إضراب عام شامل يومي الأربعاء والخميس بتاريخ 31 الجاري و1 تشرين الثاني في جميع المدارس والثانويات الرسمية والخاصة ومعاهد التعليم المهني والتقني والإدارات العامة والوزارات والقائمقاميات، ووقف جميع الأعمال الإدارية والمعاملات على اختلاف أنواعها طيلة يومي الإضراب. وتنفيذ اعتصامات مشتركة أمام الوزارات في العاصمة وأمام السرايات الحكومية في المحافظات والأقضية طيلة يومي الإضراب. وتعقد هيئة التنسيق مؤتمراً صحافياً عند الرابعة من بعد ظهر الثلاثاء في الثالث والعشرين من الجاري في مقر «رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي»، لشرح وجهة نظرها والرد على حملات التهويل والتضليل، وإعلان خطوات تحركها المقبلة. وأبقت هيئة التنسيق اجتماعاتها مفتوحة لمواكبة التطورات. من جهتها، ثمّنت «رابطة موظفي الإدارة العامة» الإضراب العام والشامل الذي نفّذته الإدارات العامة في مختلف المناطق، ونوّهت بالنجاح المميز للإضراب، وتقدمت بالشكر والتقدير إلى موظفي الإدارة العامة الذين وقفوا صفاً واحداً للدفاع عن حقهم بالعيش الكريم.
جعجع ضد السلسلة
في إطار الجولات على القيادات السياسية، زار وفد من هيئة التنسيق، بعد الظهر رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع في معراب، في حضور رئيس مصلحة العمال والموظفين في الحزب شربل عيد، رئيس مصلحة المعلمين صبحي داوود ورئيس المكتب التربوي هنري باخوس. وكشفت مصادر المجتمعين، أن جعجع صارح الوفد بأنه ضد السلسلة، «لأنني لست شعبوياً، علما أن غالبية القواتيين من أصحاب الدخل المحدود، وعلينا أن نعرف أثار السلسلة على الاقتصاد». وأشارت إلى أن جعجع بعد استماعه إلى حجج الهيئة ومصادر التمويل التي على الحكومة توفيرها منها، أكد وقوفه إلى جانب الهيئة في مطلبها، ولكن بعد دراسة الأرقام. بعد الاجتماع، أوضح النقيب محفوض أنه «تم شرح مسار عدم إقرار السلسلة منذ 13 شهراً، إضافة إلى الاتفاقات التي قامت بها هيئة التنسيق مع الرئيس ميقاتي وكلفة السلسلة ورأينا بما تقوم به الحكومة من فرض للضرائب على الشعب ليس بسبب سلسلة الرتب، بل يعود إلى عجز الخزينة والرقم الكبير للإنفاق الذي رفعوه إلى 23 ألف مليار في الموازنة من أجل تغطية هذا العجز، فقاموا بزيادة ضرائب تحت ذريعة السلسلة، فنحن ندلّ على الخلل والفساد والهدر في الدولة بدءاً من المرفأ، مروراً بالأملاك البحرية، وانقطاع بطاقة تشريج «كلام» من الأسواق، وصولاً إلى الهدر في الدوائر العقارية... التي إن أحسنت الدولة جباية وارداتها تستطيع منح 4 سلاسل وليس سلسلة واحدة». وأعلن محفوض أن «جعجع طلب من هيئة التنسيق تحضير ملف كامل بالأرقام ليستند إليه ويطرحه في تكتل القوات وبناءً على دراسته سيتخذ الموقف الملائم من هذا الموضوع». وأوضح محفوض أن «الأب بطرس عازار والأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية واتحاد المؤسسات من حقهم الطبيعي فتح مؤسساتهم باعتبار أنهم أرباب عمل، بينما من يُضرب هم نقابة المعلمين ولو للأسف أن بعض مسؤولي المدارس ضغطوا على بعض المعلمين للدخول الى الصفوف بالرغم من قرار النقابة»، مشيراً إلى أن «هذا البعض خالف القانون والدستور اللبناني الذي يكفل حق الإضراب، فلا أحد يستطيع انتزاع هذا الحق منا، لا صاحب المؤسسة ولا الرئيس ميقاتي الذي يقول لا أشرّع تحت ضغط الإضراب. ماذا يعني بهذا الكلام؟ فالدستور منحنا حق الإضراب».