عريس يستقيل.. ونقابيون يحذّرون من إفلاس مؤسسات سياحية
كامل صالح السفير 20-10-2012
لم تكن استقالة بول عريس من رئاسة «نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري» استنكاراً لعدم تعديل قانون منع التدخين وحسب، بل هي تهدف في أساسها إلى رفع الغطاء التنظيمي عن التحركات الاحتجاجية للعاملين في القطاع بسبب التراجع الحاد في النشاط السياحي نتيجة تردّي الوضع الأمني. وبدت إيحاءات عريس واضحة في هذا الإطار أمس، عندما أعلن عن استقالته في مؤتمر صحافي عقده في مقر «نقابة الصحافة»، إذ قال لـ«السفير»: «لتتحمّل الدولة عواقب ما سيحدث بعد الاستقالة»، لافتاً الانتباه إلى أن «العاملين في قطاعات المطاعم اللبنانية والملاهي والمقاهي والقادمين من كل المناطق، هم من سيقودون التظاهرات السلمية وهم يرتدون ثياب العمل، وذلك بهدف إظهارهم للضرر الذي لحق بأهمّ ركن من أركان السياحة في لبنان، ولإيصال صرختهم إلى النواب والرأي العام بأنهم يريدون أن يعيشوا، وأن هذا القانون مجحف في حق المؤسسات السياحية العريقة». وإذ اعتبر أنه «لا يحق للنواب الذين يدخنون في مكاتبهم أن يدمّروا مؤسساتنا»، سأل: «ماذا يمكن للنقابة أن تفعل أمام اتساع حالات التذمر المحقة، وقد حاولت تطمينها أكثر من مرة، لكن عندما وصلت الأمور إلى قطع رأسنا، لم نعد نعرف ماذا نفعل، لاسيما أن الخسائر لم تعد تحتمل». ونبّه إلى أن «في حال لم يستجب المجلس النيابي وهيئات المجتمع المدني الرافضة تعديل القانون، لصرخات العمّال والموظفين، فهم مقبلون على سلسلة من الخطوات التصعيدية سيعلن عنها في حينها»، مضيفاً إن «أصحاب المؤسسات السياحية والعاملين فيها لن يسكتوا، وحقوقهم لن تهدر، فهناك استثمارات بمليارات الدولارات في هذا القطاع، وخبرات اكتسبوها على مدى عشرات السنوات.. فلن يسمحوا لأحد بأن يجعلها هباء منثورا».
«نقابة الصحافة» تؤيد.. ولا حجوزات للعيد
لكن ما بدا لافتاً للانتباه في مستهل المؤتمر الصحافي، ما أعلنه ممثل نقيب الصحافة فؤاد الحركة، الذي أعلن عن «تأييد نقابة الصحافة مطالب نقابة المطاعم كاملةً»، معتبراً أن «هذا القطاع هو من يساهم بجذب السياح إلى لبنان، لما يقدمه من خدمة سياحية مريحة لهم وتلبي أذواقهم». وأمل من «الدولة إيلاء هذه القضية ما تستحقه من اهتمام، وأن تلبي مطالب المؤسسات السياحية لتتمكن من الاستمرار». وفيما تجنب عريس الحديث عن مصير العاملين في القطاع، اكتفى بالقول: «»قطاع المطاعم لم يلحظ أية حجوزات لعيد الأضحى، والخسائر لم تعد تحتمل، والقوة الشرائية لدى اللبنانيين انخفضت، فحجم الأعمال في المقاهي انخفض إلى أكثر من 60 في المئة، والمفاجأة كانت تدني الإقبال على المطاعم اللبنانية بنسبة تفوق 70 في المئة، وزد على ذلك مآسي النوادي الليلية وشكاوى الفنادق من عدم وجود مكان مخصص للمدخنين». وفي هذا السياق، كشف أمين سر النقابة طوني الرامي لـ«السفير» أن «هناك أكثر من ألف موظف وعامل في قطاعات المطاعم اللبنانية والملاهي والمقاهي مهددون حالياً بالصرف»، محذراً أنه «في حال أصرّت الدولة على المضي بتطبيق القانون، فإن العدد سيرتفع تدريجياً ليصل إلى 23 ألفاً و250 موظفاً وعاملاً في الأشهر المقبلة، أي ما نسبته 14 في المئة من اليد العاملة في القطاع السياحي، والبالغة حوالي 155 ألفاً». أما رئيس «نقابة أصحاب المؤسسات السياحية والمطاعم والملاهي في الجنوب» نائب رئيس «الاتحاد اللبناني للسياحة» علي طباجة فأكد لـ«السفير» أن «التراجع في حركة الأشغـــال تخطى 50 في المئة في جميع القطاعات السياحية، مقارنة مع العام الماضي». وبعدما دعا النواب والمسؤولين المعنيين إلى إعادة النظر في القانون، أبدى تخوفه من أن يشكـــل القـــانون عبئاً إضافياً على القطاع في ظل تراجع المؤشرات كـــافة منذ الشهر الخامس، منبّهاً من «اعلان أكثر من مؤسسة سياحية، خصوصاً في قطاع المطاعم، عن افلاسها».
«السنة الأسوأ على القطاع السياحي»
وقال طباجة: «هذه السنة كانت الأسوأ على القطاع السياحي، نتيجة الوضع الأمني المتفاقم في المنطقة، والمقاطعة الخليجية للبنان، وجاء قانون منع التدخين ليزيد الوضع سوءاً». وتوجه إلى رافضي تعديل القانون قائلاً: «انتبهوا أنتم تساهمون بالقضاء على القطاع، لاسيما ونحن على أبواب الشتاء، إذ ستكون تداعيات الأزمة أشد إيلاماً وقسوة، مما سيدفع أصحاب المؤسسات إلى صرف الموظفين والعاملين لديهم. فمن سيتحمل هذه الأزمة المستجدة؟». وبعدما كرّر عريس تأكيده أن «النقابة ليست ضد القانون بدليل أن 90 في المئة من المؤسسات السياحية تطبقه، ووافقت على روحيته الأساسية وهي مكافحة التدخين السلبي»، أوضح لـ«السفير» أن «كل ما نطلبه هو إعطاء حق الاختيار للمؤسسات الأخرى ضمن القانون، خصوصا المطاعم اللبنانية والنوادي الليلية والمقاهي، وذلك ضمن شروط واضحة وضعتها مراجع قانونية وتقنية تسمح بإعطاء رخصة خاصة للمؤسسات، ومنها: منع دخول القاصرين، توفير وسائل تقنية متطورة للتهوئة، دفع رسوم مالية سنوية للدولة، والخضوع لمراقبة دورية من قبل وزارة السياحة ومؤسسات دولية». لكن، يضيف عريس «مجلس النواب ورؤساء لجانه والحكومة، ضربت رأينا بعرض الحائط، وأصرّت على تطبيق القانون الذي يعد الأكثر تطرفاً في العالم». وطرح العديد من الأسئلة، منها: «ما هو مصير هذه المؤسسات؟ ما هو مصير العاملين فيها؟ ما هو مصير القطاعات المنتجة الأخرى التي تواكب الرخاء السياحي، ولاسيما الزراعة والصناعات الغذائية والحرفيين والتجارة وغيرها؟». وأوضح عريس «نحن لا نضع في دفة الميزان صحة المواطن مقابل استمرارية المؤسسات، بل نقول: اسمحوا لهواة النرجيلة والمازة اللبنانية والسهر أن يستمتعوا بحياتهم، وفقاً لشروط قانونية وتقنية تمنعهم من إلحاق الضرر بغير المدخنين». وأضاف: «لماذا نريد أن نكون ملكيين أكثر من الملـــك؟ فلنتـــمثل بالبلاد العربية والأوروبية والأمــيركية التي وفرت رخصاً محددة للمؤسسات التي يقصدها أهل النرجيلة والسهر».
«هبات بلومبرغ» و«الناشطون المغرورون»
وبعدما وجّه عريس رسائل إلى «اللبنانيين» و«النواب» و«أصحاب المؤسسات»، خصّ عمدة مدينة نيويورك بلومبرغ برسالة قال فيها: «هل تدرك أن شرطك بتمرير قانون منع شامل للتدخين مقابل منح هباتك إلى حفنة من الناشطين، يسبب ضـــرراً فاضحاً في المجتمعات التي لا تنعم بملايـــين السائـــحين مثل نيويورك، وبالأمن والاستــقرار السياحي والسيـــاسي مثل نيويورك؟... نحن معك في توفـــير سلامة المواطـــن، ولكن نحن ضدك في ضرب سياحتنا واقتصادنا». وإذ استغرب أن «ناشطي بلومبرغ في لبنان، ينتمون بأكثريتهم إلى مؤسسة أساسها أميركي»، خاطب النواب قائلاً: «لن نسمح بتمرير صفقات عقدها بعض الناشطين المغرورين مع بلومبرغ على حساب مؤسسات بناها أجدادنا وآباؤنا وسهرنا عليها بالرغم من الحروب والاحتلالات والإضرابات والاعتصامات والاغتيالات، وكل المآسي الأمنية والسياسية التي عصفت وما زالت منذ سنين».