«لا بديل عن زراعة التبغ». هذا ما يجمع عليه مزارعو التبغ في الجنوب على الرغم من وعيهم للمشاكل الكثيرة المرتبطة بعملهم والتي تجعل منه غير ذي جدوى اقتصادية... لولا الحاجة داني الأمين الاخبار 29-11-2012 يسلّم مزارعو التبغ هذه الأيام محاصيلهم الزراعية إلى إدارة حصر التبغ والتنباك التي وزعت خبراءها على المراكز المحددة في المناطق الزراعية. هناك، يتسابق المزارعون إلى تسليم الأوراق السمراء المكدّسة في أكياس من الخيش الأسمر، الذي يشبهه لون أجسادهم. يسلّمون المحاصيل، ويتسلّمون شيكات، بلا رصيد حقيقي. إذ تصرفها البنوك، عادة، لحسابها الخاص، لأن المزارعين يكونون قد تقاضوها مسبقاً عبر قروض وعدوا بتسديدها مع «موعد تسليم الموسم» كما يقول المزارع محمد غشام، من بلدة يارون. الرجل كان قد استدان من أحد المصارف مبلغ 4 ملايين و600 ألف ليرة لينفق على عائلته، وكان يأمل أن يكون المبلغ الذي سيحصل عليه من إدارة الريجي مماثلاً له. لكنه لم يحصل إلا على 3 ملايين و300 الف. معظم المزارعين يعتمدون في تدبير أمور حياتهم على الديون من المصارف والمحال التجارية لسدّ احتياجاتهم، إلى حين الحصول على نتاجهم المالي من شتول التبغ. لكن هذا الإنتاج لا يمكنه وحده أن يحقق ذلك. يقول المزارع هشام مواسي، الذي يعتمد كلياً على زراعة التبغ لإعالة أفراد عائلته السبعة: «منذ عشرين عاماً كنا نحصل على بدل الكيلوغرام الواحد 10 آلاف ليرة، وقد ارتفع اليوم إلى12 عشر ألفاً فقط رغم أن كل المصاريف تضاعفت». يشرح «ضمان دونم الأرض أصبح 75 ألف ليرة سنوياً بدل 25. وكيس السماد وصل إلى الـ70 ألفاً بدل الـ15 ألفاً. حتى بات الدونم الواحد يكلّف مزارع التبغ ما يقارب الـ60 ألفاً». يضاف إلى ذلك أنه لا يحق للمزارع بأن يزرع أكثر من 4 دونمات أرض. ووفق حسابات المزارعين، تكلّف زراعتها ما يقارب المليونين و500 ألف ليرة سنوياً، وتنتج ما يقارب الـ4 ملايين و500 ألف ليرة. أي أن الفارق، وفق قول المزارع أحمد ابراهيم «يعادل راتب موظف واحد شهرياً، فكيف يستطيع المزارعون اليوم تدبّر أوضاعهم؟». يذكر ابراهيم أن «مزارعي المنطقة كانوا يقيسون سعر كيلو التبغ بسعر كيلو لحم الغنم. وفي حين وصل سعر الأخير إلى 25 ألف ليرة بقي سعر كيلو التبغ 12000 ليرة». ويؤكد أن ما سيحصل عليه من الريجي سيسدّده للمصرف الذي استدان منه، ومن ثم عليه الاستدانة ثانية ليؤمن معيشة أولاده خلال العام القادم، ما يعني أنه ملزم بزراعة التبغ من جديد ولا بديل آخر غير ذلك. ويلفت الى أن «السعر الأقصى الذي تقدمه ادارة الريجي، هو حسب تقدير الخبير المنتدب، الذي يصنّف انتاج المزارعين الى أصناف. هكذا لا يزيد متوسط الكيلو على 8 آلاف ليرة». وما زاد الطين بلّة هذا العام، هو «الجفاف الذي أصاب شتول التبغ، بسبب ارتفاع الحرارة، وعدم سقوط الأمطار في شهر نيسان» بحسب محمد مواسي، الذي أكد أن «انتاج المزارعين هذا العام تدنّى إلى ثلثي الانتاج المتوقع». إذ كان من المفترض أن تنتج الدونمات الأربعة المرخّص بزراعتها لكل مزارع حوالي 400 كلغ من التبغ، لكنها اليوم أنتجت ما يقارب 310 كلغ فقط، أي ما يعادل ثلاثة ملايين و600 ألف ليرة، ما يوازي 300 ألف ليرة شهرياً أي ثلث الحدّ الأدنى للأجور». أما بالنسبة إلى «الريجي»، فيقول المسؤول فيها، عبد المولى المولى إن «أسعار استلام التبغ من المزارعين تراوحت، خلال عامي 2005 و2010، بين 11200 ليرة و11479 ليرة عن الكلغ الواحد، في منطقة بنت جبيل، وهذا السعر ارتفع في منطقة مرجعيون الى ما بين 11400 و11600 ليرة، أما معدل سعر الكلغ في العامين 2011 و2012 فقد أصبح 1227 ليرة، أي زيادة ألف ليرة فقط». ويشير المولى الى أن الإنتاج الذي تسلّمته إدارة الريجي، وما تنتظره بعد، «تراجع بنسبة 25% عن الأعوام الماضية بسبب الظروف المناخية وارتفاع درجة الحرارة، اضافة الى أن عدداً من المزارعين تراجعوا عن زراعة التبغ لأسباب مختلفة». يذكر أن بلدة عيترون تنتج وحدها سنوياً حوالي 14 ألف طرد من التبغ، تليها رميش وعيتا الشعب، وهي القرى الأكثر انتاجاً للتبغ في منطقة بنت جبيل. ويعتمد معظم مزارعي التبغ بشكل كلّي على هذه الزراعة، ولا يستفيدون من أي ضمانات صحية أو علاجية، رغم مطالباتهم المتكررة بتسجيلهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. علماً أن الريجي لا تستلم من صاحب الرخصة أكثر من 400 كلغ، ما يعني أن على المزارع أن يوزع انتاجه الفائض على مزارعين آخرين أو يبيعه لهم. مجتمع العدد ١٨٦٩ الخميس ٢٩ تشرين الثاني