اخبار متفرقة > مكاتب السوق: لا قانون الخمسين ولا الـ2012
عندما خرجت نسخة قانون السير الجديد إلى العلن، خرجت معها الأصوات المنتقدة والمعارضة أيضاً لكثير من المواد فيه. لم تصدر من مكان محدد، كانت من جميع «الأبواب والفصول»... ومن مكاتب السوق، كان الصوت بأن الآتي «ليس عظيماً» راجانا حمية الاخبار 1-2-2013 ملف | عن قصد أو غير قصد، حدث ذلك فعلاً. تموت ألين (اسم مستعار)، وبعد سنوات من استقرارها في الدار الآخرة، تمنحها هيئة إدارة السير والآليات والمركبات رخصة سوق. تنام الفضيحة سنوات قبل أن تكشفها الصدفة. تلك الصدفة التي أنقذت ماء وجه وزارة الداخلية والبلديات، والتي قادتها إلى اكتشاف التزوير الذي قام به تسعة موظفين في الهيئة. متوفاة ومكفوفان اثنان ليسوا رقماً كبيراً في سجل المخالفات الحاصلة في كل حين في أروقة الهيئة. ليسوا رقماً كبيراً، مقارنة بالأربعين رخصة التي منحت لأشخاص غير لبنانيين، والتي أصدرها الموظفون التسعة أيضاً. وليسوا شيئاً في سجل الرخص المزورة المعلوم منها والمجهول التي كان لموظفين آخرين الفضل في إصدارها. قالوا في الحادثة الأولى إنها حصلت عن طريق الخطأ. لكن، هل رخص سوق للمكفوفين خطأ أيضاً؟ والأربعون؟ والمئة؟ ومن المسؤول عن كل هذا؟ الهيئة؟ اللجان الفاحصة؟ المرتشون؟ من؟ يقول أحدهم إن الذنب «راكب الكل من قاعدة الهرم حتى رأسه». والقاعدة أساسها «مكاتب السوق»، يتابع. فهي التي «تبدأ بممارسة فعل الرشوة ليستكملها البقية». أما العبرة فـ«بقانون السير الجديد الذي سيخفف من إمرار مخالفات كهذه». مهلاً، كان هذا الحديث عندما صدر قانون السير الجديد في الجريدة الرسمية. أما وقد أصبح حبراً على ورق تلك الجريدة، بعدما أعلن وزير الداخلية والبلديات مروان شربل تجميد العمل به، بات من الواجب التوضيح أن ما قاله شربل كان «آخر الكلام» الذي بدأه المعترضون على القانون القديم «بالثوب الجديد». فلنستعرض اعتراضات مكاتب السوق ونقابتيها. تلك الاعتراضات «كانت واحدة مع صدور النسخة الأولى المجحفة للقانون»، يقول رئيس نقابة مكاتب السوق _ الدكوانة عفيف عبّود. بعد التعديل الأول، صار الاعتراض على درجات. وصار المعترضون «نص بنص»: نصف لا يزال متمسكاً بقديمه على قاعدة أن الآتي «ليس عظيماً»، ونصف آخر مع الجديد وبعض التحفظات. في الضفة الأولى، يقف رئيس نقابة مكاتب السوق في النبطية حسين غندور. هذا الرجل بدأت اعتراضاته مذ كان القانون يدرس في اللجان. أي قبل الخروج بصيغته الأولى حتى. وبعد الخروج، صار الرفض علنياً وصار البحث عن عناوين للنضال ضدّه. وبحسب غندور، الاعتراض ليس على القانون الذي «أقرّ ليخدم مصالح شخصية»، بل على «المنهجية الجديدة لمكاتب السوق». من هنا، ينطلق غندور نحو التفاصيل. نحو النقطة الأولى التي تجلّت في تحويل المكاتب إلى مدارس للسوق. وهذا إن عنى شيئاً «فهو يعني تسكير الكثير من المكاتب التي لا تستوفي الشروط، والتي لا تستطيع بالتالي استيفاء الشروط». أضف إلى ذلك المادة المضافة التي تقول «تعليم السوق ضمن ميادين مغلقة إن وجدت، يعني حضرتي مثل الشاطر بدي روح على أمكنة المصالح الشخصية لعلّم سواقة». أما عن بند إنشاء معهد تقني لتعليم السوق، فيسأل غندور «كم سيستوعب هذا القطاع إذا خرجت المعاهد سنوياً آلاف الطلاب؟ هل يصبح المتخرّجون كمتخرّجي المعاهد الفندقية يلتحقون بمؤسسات كمدربين فيها بدلاً من أن تكون لهم مكاتبهم الخاصة». أما المشكلة الثانية بحسب غندور، فهي «زجّ» المشغّل البريدي (ليبان بوست مثالاً كما يرد في القانون) كمعقّب معاملات، «ما يعني حشر الشركات في عملنا وإفساح مجال للاحتكار والربح». قد تكون هذه الاعتراضات هي نفسها التي علّق عليها رئيس نقابة مكاتب السوق في الدكوانة عفيف عبود، ولكن اختلفت الطريقة. فهنا، يتحدث عبود «بموضوعية عن قانون تدور حوله جملة من المآخذ، وفي الوقت نفسه جملة من الإيجابيات». عبود الذي ينطلق من «إيجابية» القانون الجديد الذي «يسهم في بعض جوانبه في إنصاف أصحاب المكاتب حتى ما يضلّوا سماسرة»، يجد في الوقت نفسه أن «الذي ولد بعد 45 عاماً لم يكن مولوداً صحيحاً، فهو لا يزال بحاجة إلى البقاء في الحاضنة (couveuse) كي ينمو». وبتعبير أدق، فهو مجرّد «تجميعة من الإنترنت، ونحن كنقابة قدمنا اقتراحات كثيرة، لكن لم يؤخذ بها». كان يمكن أن يكون الوضع سليماً، لولا بعض «الثغرات». ومنها مثلاً بند فرض «الغرفتين» لتصبح مدرسة. وهنا، قد يصح التساؤل عن وضع المكاتب المستأجرة قديماً؟ «من هو القادر على ترك إيجارات بالليرات للبحث عن غرفتين متلاصقتين أو مكتب يمكن تقسيمه غرفتين؟»، يسأل عضو النقابة وصاحب أحد المكاتب نزار أيوب، ويجيب «يعني عم يقلّو سكّر». فكرة المدرسة «هي بحدّ ذاتها ملغومة»، يتابع، متطرقاً إلى عرض إحدى الجمعيات التي تعمل في «خدمة» هذا المجال «على بعض المكاتب التنازل عن الرخصة مقابل العمل معنا». فماذا يعني ذلك؟ فمجرد وجود اتفاق أو تفاهم «يعني وجود التزام، فما الذي أدرانا إن قامت هذه الجمعية بتأسيس مدارس لها بالتنسيق مع النقابة أو أخذ مساعدات على اسم النقابة؟». وإلى هذه الثغر، تضاف قضية حشر المشغّل، أي «إزاحة صاحب العلاقة عن العملية التي كان يقوم بها من أوّلها إلى آخرها». وهذا يخدم «أشخاصاً محدّدين ويحرمنا من مصداقيتنا ويؤثر علينا مادياً أيضاً». ولكن، قد يسهم ربط الحصول على رخصة السوق بإفادة تعليم السوق في المكتب في «تجنّب هذا البند، خصوصاً عندما نبني الثقة مع الزبون». ثمة اعتراض آخر هو على برنامج التعليم «غير الواضح، لا في عدد الساعات ولا في مواد البرنامج ومنهجيته، ولا على أي أساس ستعطى إفادة التعليم ولا تسعيرة الساعة...»، يتابع عبود. وتجديد الرخص لمن هم فوق الـ64 عاماً كل سنة؟ وكل عشر سنوات لمن هم دون ذلك للرخص الخصوصية؟ وإن كان هذا يعني شيئاً فهو يعني أن الدولة في نية التحول إلى تاجر والمواطن إلى زبون. طرحت كل هذه النقاط، الإيجابية منها والظالمة، في القانون. وفات الدولة أن تتذكر مسؤولياتها هنا، على الأقل «من ناحية المطارح غير الكافية وغير المهيّأة التي يتم تعليم السوق فيها والمكان»، يتابع أيوب، مطالباً كما غيره بتوفير أماكن لا تشكل إعاقة للسير». أما التغييرات التي أريد أن تكون إيجابية في القانون، فقد تحمل الوجهين. لنأخذ على سبيل المثال البند المتعلق بتأجيل الامتحانات في حال الرسوب في امتحان السوق. فتأجيل الامتحان العملي لشهر بدلاً من 15 يوماً قد يسهم من ناحية في الإعداد الجيد ومن ناحية أخرى في فتح الباب أمام المفاوضات بين الراسب واللجنة». وهنا، يصبح الحديث عن الرشوة وارداً. كل هذا ستضاف إليه أخطاء أخرى «ستكشفها الممارسة». ولن يكون هناك شيء سيضبط كل هذه الأخطاء والمخالفات «إلا بتغيير كل النظام، بدءاً من المكاتب إلى تغيير عقلية المواطن إلى التخلي عن فكرة اللجنة الفاحصة المنزلة من السماء». نسأل: ماذا لو بقينا على قانون «الخمسين»؟ الجواب سيكون كما العام الماضي: من أصل 587 مكتب سوق، هناك فقط 295 مكتباً تعمل بشكلٍ شرعي و292 تعمل... عن طريق الـ295 الشرعيين.
