اخبار متفرقة > «مستشفى الحريري».. المعالجة الجزئية لم تعد تجدي
60 % من الرواتب اليوم وتقسيط «المفعول الرجعي»
كامل صالح السفير 22-6-2013
كأن لا يكفي الفقراء الذين يزداد عددهم يومياً، إهمال الدولة والجهات المعنية بالسعي إلى معالجة حالاتهم الاجتماعية والاقتصادية، حتى تُضاف إلى همومهم «الكارثة الصحيّة». فـ«مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي»، الذي احتفى به فقراء لبنان، وطلاب الجامعة اللبنانية عند صدور قرار إنشائه في العام 1994، يمكن القول فيه إنه يلفظ أنفاسه، إذ يبدو أن «العلاجات الجزئية» لم تعد تجدي نفعاً، في ظل أزمة إدارية ومالية متفاقمة، تنفجر بين الحين والآخر. وإذ يؤكد رئيس مجلس الإدارة المدير العام للمستشفى وسيم الوزان لـ«السفير» بعد زيارته أمس، وزير الصحة علي حسن خليل، أن «الأمور في طريقها إلى الحل، بعد معالجة أزمة تدوير الاعتمادات في ظل حكومة تصريف الأعمال»، تبدو الرؤية على الأرض شديدة السواد؛ تجمعات لموظفين هنا وهناك، يتشاورون، يرتفع صوتهم، ثم يعيدون تمركزهم ليواصلوا اعتصامهم في الباحات. على الجدران والزجاج ترتفع شعارات تستقبلك منذ دخولك «الطارئ» عبر «بوابة الطوارئ»، التي أقفلت ثم أعيد فتحها: «بدنا الراتب.. والمفعول الرجعي وكامل مستحقاتنا»، ولافتة أخرى كتب عليها: «نطالب مجلس الإدارة بتحمل مسؤولياته، ووضع خطة إنقاذية للمستشفى في أسرع وقت».. وأيضاً وأيضاً: «نطالب المعنيين ووزارات الوصاية بوضع حل جذري وخطة إنقاذية». لا قائد لاعتصام 1150 موظفاً إذا كانت «الشعارات» المرفوعة قليلة، فإن ما يصرّح به المعتصمون يمكن وضعه في أطر مشابهة. وقد بدا لافتاً للانتباه أنه لا يوجد من يقود اعتصام حوالي 1150 موظفاً وعاملاً، أي كامل أسرة المستشفى، والمستمر منذ يوم الاثنين الماضي. يوضح د. الوزان أن «الاعتمادات المنتظر تحويلها تشمل 4 أشهر عن العام 2012 و3 أشهر عن العام 2013»، آملاً أن «يساهم ذلك بحل أزمة المستشفى المالية مبدئياً». وإذ يشير إلى أن أجواء الاجتماع مع وزير الصحة كانت إيجابية، يؤكد أن «رواتب الموظفين المتأخرة منذ 21 يوماً ستدفع». وعلمت «السفير» أن «الموظفين سيقبضون 60 في المئة من رواتبهم اليوم، على أن يُسدّد الباقي مطلع الأسبوع المقبل». وبعدما أكد وزير الصحة أن «الرواتب ستدفع في مواعيدها شهرياً»، تبلغ المعتصمون أن «الاستفادة من المفعول الرجعي للزيادة التي أقرّت العام الماضي، ستقسّط على مدى 3 أشهر مع الراتب». في المقابل، يذكّر الوزان بمبلغ الـ20 مليار ليرة الذي أقرّته الحكومة أواخر العام الماضي، مضيفاً «هذا المبلغ هو الذي مكّن المستشفى من العمل طوال الأشهر التسعة الماضية». ويقول: «بدلاً من توظيف الـ20 مليار ليرة للتطوير وإقفال جزء من الديون القديمة، اضطررنا لاستخدامه لتسيير العمل». «الأزمة الجديدة تتفاقم من شهرين» إلا أن مصادر متابعة للملف تفيد «السفير» بأن «الأزمة المالية الجديدة بدأت بالتفاقم منذ شهرين، لتنفجر إثر تأكيد مسؤول في وزارة الصحة أخيراً، أنه لا توجد أموال للمستشفى في الوزارة، وتبعتها مفاجآت أخرى، منها عندما علم الموظفون أنهم سيقبضون 60 في المئة من راتب شهر أيار فقط، الأسبوع المقبل، وأن قراراً إدارياً صدر بترقيات مخالفة لمرسوم المستشفى، فضلاً عن تلقي موظفين زيادات على رواتبهم من دون أن يشمل ذلك بقية الموظفين». وفيما تبدي المصادر استغرابها من شحّ الأموال، تؤكد أن «أسرّة المستشفى كافة، كانت مشغولة بالمرضى طوال الأشهر الخمسة الماضية، حتى بلغت الذروة في كثير من الأيام، ليصل العدد إلى حوالي 225 سريراً، بدلاً من 200 سرير»، فضلاً عن ذلك، «كانت العيادات الخارجية تستقبل خلال هذه الفترة حوالي 200 مريض يومياً بدلاً من 60 مريضاً في الأيام العادية». مشكلة النازحين السوريين تكشف المصادر أن «أكثرية هؤلاء المرضى كانوا من النازحين السوريين، إضافة إلى الفلسطينيين، الذين كانت تعالجهم المستشفى بناء على اتفاق مع جهة دولية تمنح مساعدات مالية للحالات الساخنة من النازحين السوريين». لكن، تشير إلى أن «الاتفاق كان ألا تتخطى التغطية الاستشفائية لكل حالة ثلاثة ملايين ليرة في الحد الأقصى، وأمام وجود حالات مرضية كانت تحتاج إلى البقاء أكثر من أسبوع وأحياناً 20 يوماً في المستشفى، بدأت تتراكم المبالغ غير المدفوعة، حتى تخطت الثلاثة مليارات ليرة، ودخلت الإدارة في أزمة مالية: فمن جهة، الجهة المانحة لن تدفع سوى المتفق عليه، ومن جهة أخرى لا الحكومة ولا الوزارات المعنية لها علاقة بالاتفاق». يضاف إلى ذلك أن «الموردين توقفوا عن تزويد المستشفى بما يحتاجه من لوازم استشفائية ومواد ومعدات، قبل أن يقبضوا مستحقاتهم المتراكمة». وتعليقاً على هذا الموضوع، يوضح الوزان لـ«السفير» أن «مشكلة النازحين السوريين لا تقتصر على الجانب الاستشفائي فحسب، بل هي أزمة لبنان كله»، كاشفاً أن «وزير الصحة تفهم هذا الموضوع، وهناك اتصالات مع الجهات المعنية لحل المشكلة». ويستدرك قائلاً: «علماً أن قرار المستشفى هو عدم استقبال الجرحى من النازحين السوريين، بل الحالات المستعصية جداً فقط». «الأحزاب تريد إيقاف الاعتصام» في هذا الوقت، يؤكد أكثر من موظف في المستشفى لـ«السفير»، أن «من يقود اعتصامنا هو الجوع والخوف على مستقبلنا ومستقبل أطفالنا». وإذ يُستغرب أن لا تكون جهة سياسية ما تدفعهم للاعتصام، يؤكدون بحزم: «الأحزاب المعنية تريد منّا ايقاف الاعتصام». ويشير أحد الموظفين المحسوبين على جهة حزبية، إلى أنه تلقى أكثر من اتصال لفك الاعتصام، كما تلقى زميله المحسوب على جهة سياسية أخرى اتصالات مشابهة. لكن، وبحسب هذا الموظف «أمام الجوع يسقط كل توجّه حزبي وطائفي ومذهبي». ويضيف زميله «الاعتصام مستمر من دون توجيه من أحد، ولا قرار بموعد توقفه»، مؤكداً أن «الموظفين نفذوا الاعتصام من دون طلب من أحد، وبالتالي لا يوجد من ينظمه». وهنا، تفيد مجموعة من المعتصمين «السفير» بأنه لم يعد مطلبهم تأمين راتب آخر كل الشهر، أو قبض المستحقات والمفعول الرجعي للزيادة، بل أصبح مطلبهم يقتصر على المطالبة بحل نهائي وجذري لأزمة المستشفى.. «فالوضع لم يعد في الإمكان السكوت عنه أو تحمله، إذ كل شهر هناك تأخير في دفع الرواتب». 85 مريضاً و78 غسل كلى أمام هذا الشلل «الجزئي»، ينام على أسرة المستشفى البالغ عددها حوالي 200 سرير، 85 مريضاً بعدما بلغ عددهم صباح أمس، حوالي 100 مريض. ويتلقى هؤلاء الرعاية الصحية من قبل فريق التمريض، إذ يتابع قسم منهم المرضى وقسم آخر يشارك بالاعتصام. وتبادر إحدى الممرضات قائلة لـ«السفير»: «حالتنا كحالة المصاب بمرض مزمن. لكن وعلى الرغم من اعتصامنا، نجهد للتوفيق بين القيام بواجبنا تجاه المرضى الذين لا ذنب لهم بما يحدث، وبين المطالبة بحقوقنا المشروعة». ويكشف أحد الموظفين أنه «أمس الأول، توقفت إحدى معدات غسل الكلى عن العمل»، مضيفاً «لكن شاءت الصدف، أن يتم إصلاح العطل بعد حوالي ساعتين». ويعدّ قسم غسيل الكلى في مستشفى الحريري الأكبر بين المستشفيات في لبنان، حيث يعالج يومياً حوالي 78 مريضاً عبر ثلاث فترات، أي ما يعادل 26 مريضاً في كل فترة. ويلفت المعتصمون الانتباه إلى أن «هناك من يدفع لتوتير العلاقة بين المرضى وأسرة المستشفى، وهذا لن نسمح به»، مشيرين إلى أن «المستشفى سيظل يستقبل الحالات الطارئة والحرجة، كما سيظل يعالج مرضى الكلى، إلى أن تعالج الأمور كافة». ويقول موظفون لـ«السفير»: «نسأل وزارة الصحة، تقول: لسنا السبب في الأزمة. نسأل الإدارة: تؤكد أن المستشفى لم يلق دعماً ومساندة كما يلقاه من الوزارة الحالية.. إذن أين المشكلة؟». حصر المطالب بـ6 نقاط يحصر الموظفون والمتعاقدون مطالبهم، بست نقاط، هي: «1- الاستفادة من المفعول الرجعي للزيادة التي أقرّت العام الماضي، وتسديد ذلك مع الراتب فورا. 2- اعتماد الزيادات المقرّة على مستحقات المضمونين من قبل الضمان، إضافةً إلى دفع المنح المدرسية. 3- دفع الرواتب والمستحقات من أعمال وبدلات أخرى. 4- إنهاء ملف المتعاقدين، وحسم مسألة إدخالهم الضمان، ووقف الاستهتار بهذا الموضوع، والمتاجرة به. 5- توقف لامبالاة الإدارة، التي تتعاقد وتمنح زيادات رواتب من دون مبرر، فيما لم يتسلم الموظفون رواتبهم المستحقة. 6- مناشدة رئيسي الجمهورية والحكومة ووزيري الصحة والمال بوضع حل نهائي، ومحاسبة المقصرين والمسببين بوصول المستشفى إلى ما وصلت إليه». اجتماع مطوّل في «الصحة» وأمس، عقد اجتماع مطوّل في وزارة الصحة خصص للبحث في أوضاع المستشفى. وضمّ الاجتماع إلى الوزير خليل، رئيس لجنة الصحة النيابية عاطف مجدلاني والوزان. وناقش المجتمعون في الأمور التي أوصلت إلى الإضراب، وكانت النقاشات، وفق بيان الوزارة، «إيجابية، وتمّ التطرق إلى كل المشاكل التي يعاني منها المستشفى، واتفق على الحلول المقترحة لها». كما تطرق النقاش «إلى السبل التي يجب أن تتبع لتفادي مشاكل مماثلة في المستقبل». وشدد المجتمعون على «الحرص على استمرار عمل هذا الصرح ودوره المؤسسي والخدمي الكبير لما يعنيه لأبناء بيروت واللبنانيين جميعاً». وعليه «أعلن عن انهاء الإضراب الذي نفذه العاملون في المستشفى، وعن تأمين الرواتب للموظفين ابتداء من اليوم». وكان النائب عمّار الحوري قد أشار في تصريح إلى أن المستشفى «يتعرض لمحاولة اغتيال معنوي أدى إلى إقفال أبوابه ابتداء من الخميس بوجه المرضى، مما يشكل كارثة صحية وتعليمية ووطنية تضاف إلى الكوارث التي يعيشها الوطن والمواطن، وكأن المواطن تنقصه كارثة إضافية تصيبه». واعتبر أن «الحصار المالي وغير المالي المفروض على هذا الصرح، يطرح سؤالاً خطيراً: لمصلحة مَن إغلاق هذا المستشفى ومَن المستفيد عموماً وفي هذا الوقت بالذات؟». وطالب وزير الصحة «بالتحرك الفوري حكومياً وسياسياً لرفع الحصار بكل أنواعه عن المستشفى، واتخاذ الإجراءات اللازمة»، مناشداً رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال «التدخل الفوري لإنقاذ هذا الصرح التعليمي والوطني، فالكارثة كبيرة والى تفاقم إن لم يتم التدخل والعلاج في أقصى سرعة». يُشار إلى أن مستشفى الحريري مؤسسة عامة مستقلة، ويستقطب حوالي 55 في المئة من المرضى من بيروت و45 في المئة من مختلف المناطق، كما يقدّم الخدمات الطبية لـ25 في المئة من مرضى وزارة الصحة. علماً أن حاجة المستشفى شهرياً هي 5 مليارات ليرة للرواتب، أما المصاريف الثابتة فتبلغ نحو مليارين و700 مليون ليرة شهرياً. ووفق مصادر في المستشفى فإن «الخسائر السنوية تفوق 12 مليار ليرة».