الترهل يضرب «الضمان».. وتمادي التدخلات قد يقفله
عدنان حمدان السفير 28-9-2013
وضع قانون «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي» موضع التنفيذ في العام 1963، وشكّل محطة مضيئة ونقلة نوعية وتاريخية في حياة المجتمع اللبناني بكل فئاته، خاصة للعاملين بأجر، أكانوا في القطاع العام أم في القطاع الخاص. إلا أن المراحل التي مر بها الصندوق منذ ذلك التاريخ، شهدت في بداياتها عصرا ذهبيا، لكن سرعان ما تبدلت النظرة إلى مهمة وتقديمات الضمان، الذي بات يعاني من مشكلات ومخاطر عديدة، تتجلى في العديد منها المظاهر السلبية، منها التردي الإداري، والهدر المالي، والشح في الموارد المالية، وتدني مستوى وفعالية التقديمات والتعثر في وصولها إلى أصحابها، والتوقف عن التوسع في ميدان التطبيق، أكان في الفروع وأنواع التقديمات، أم في ضم الفئات الاجتماعية التي لم تزل خارج التغطية. يصف مدير عام الصندوق الدكتور محمد كركي مناسبة مرور 50 عاما على صدور قانون الضمان (اليوبيل الذهبي)، بـ«المهمة على الصعيد الوطني»، إلا انه يكشف لـ«السفير» عن استعدادات للاحتفال، بعد سنتين بما يليق بهذه المؤسسة الاجتماعية». في حين يعتبر أمين سر مجلس الإدارة، رئيس «الاتحاد العمّالي العام» غسان غصن أن «مسيرة الضمان التي بدأت في العام 1963 قامت على التضامن والتكافل الاجتماعيين، فاستمرت وزادت تقديماتها لتشمل جوانب عديدة من الحياة الاجتماعية والمعيشية». في المناسبة ذاتها، يشبّه عضو مجلس إدارة الصندوق (ممثل عن العمال)، فضل الله شريف، الضمان بـ«الترهل، مثل باقي المؤسسات اللبنانية»، ويذكر عددا من الأسباب في مقدمها «التدخلات السياسية من كل الأطراف، واستهتار إدارة الصندوق بتطبيق القوانين». لكن أحد ممثلي أصحاب العمل منير طبارة، فيبدي أمله في الاصلاح المستدام، وتعزيز الموارد البشرية والسرعة في خدمة العامل المضمون وصاحب العمل. كركي: خطوات إلى الأمام حول مسيرة الصندوق التي شهدت «طلعات» في البداية تم بدأت بالانحدار، يشير كركي إلى أن «الضمان خطا خطوات مهمة على صعيد الحماية الاجتماعية»، محددا عدد الذين يستفيدون من التقديمات بـ«مليون و300 ألف لبناني، وقد بلغت قيمة هذه التقديمات في العام 2012 حوالي 1262 مليار ليرة، في 35 مكتبا منتشرا على كل الأراضي اللبنانية». ويعيد ذلك إلى «الجهود الكبيرة من الأطراف الثلاثة: العمال وأصحاب العمل والدولة». ويعود كركي إلى ما قبل تسلمه إدارة الصندوق، أي زمن الحرب الأهلية، قائلا: «مرّ الضمان بفترات وظروف صعبة»، لكنه يلفت الانتباه إلى أن الصندوق «لم يقفل أبوابه برغم كل الظروف، وبقيت التقديمات تصل إلى مستحقيها». ويعتبر أن «انتشار الضمان وارتفاع عدد المستفيدين يدفعنا للعمل نحو الأفضل، والقول إن الضمان هو صمام أمان اجتماعي، يجب أن يحظى بعناية الدولة لنصل إلى مرحلة تعميم الضمان على مختلف فئات المجتمع اللبناني، كما هو حاصل في بلدان العالم وكرسته كل الأعراف والمواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان». الدولة مدينة للضمان بألف مليار لكن المدير العام كركي لا يترك سانحة إلا ويحث المدينين للصندوق، لافتا الانتباه إلى أن صاحب العمل الأكبر هو «الدولة التي لا تلتزم بدفع الاشتراكات البالغة حتى 31/12/2012، ألف مليار ليرة». ويشير أيضا إلى أن من «مشكلات الصندوق التي تزيد معاناته المالية، تخفيض الاشتراكات إلى أكثر من 50 في المئة في فرعي الضمان الصحي والتعويضات العائلية». ويصر على «أننا في صدد وضع الضمان على السكة الجديدة والحديثة. لا شيء يحتاج إلى معالجة إلا وتمت معالجته، او وضع على سكة المعالجة». ويطرح جملة من الخطوات المستقبلية القريبة، حول كيفية تأدية الخدمات، ويشرح التطور اللاحق في هذا الإطار، عن طريق تغيير مسالك العمل، باتجاه مجاراة التحديث والمكننة، فيقول: «وضعنا على سكة التطوير مكننة كل المكاتب. ونحن ذاهبون إلى ربط مقدمي الخدمات الصحية (الصيدليات، وتباعا المستشفيات والأطباء) بالصندوق. كل الأساسيات أنجزت، وستظهر النتائج تباعا. ومن أهم ما يمكن القيام به هو المعاملات الالكترونية، وقد حضرنا ملفا لربط الصيدليات، بحيث تقدم المعاملات وتنجز من خلال الموقع الالكتروني الذي دخل عليه أكثر من 170 ألف زائر، فيما لم يمر على استحداثه زمن طويل، وصولا إلى انجاز كل المعاملات من دون حضور المستفيد المضمون». إعادة النظر بالأنظمة يشدد كركي على «ضرورة إعادة النظر ببعض أنظمة الصندوق»، ويرحب بإدخال «أي فئة من العاملين إلى الضمان شرط أن يتأمن التوازن المالي». ويؤكد على «انجاز مشروع العناية الصحية لاستمرار افادة المضمون صحيا بعد بلوغه السن القانونية لترك العمل»، مضيفا: «نحن مع توسيع مروحة المشمولين بالضمان، وقد أنجزت أنظمة العمل من سنة، وخصوصا مزارعي التبغ، العمال الزراعيين، صيادي الأسماك، الأدباء، لكن كل ذلك مشروط بتأمين الأموال». لم ينس كركي مشروع التقاعد والحماية الاجتماعية الملح أكثر من غيره من المشاريع، كصندوق البطالة وفرع طب الأسنان. ويلفت هنا إلى أهمية «التقاعد والحماية الاجتماعية» بالقول: إن أحد تاركي العمل بداعي السن قبض 35 مليون ليرة، فهل تكفي لحياة كريمة ولائقة؟ من هنا كل ما يساهم في علاج المواطن يجب ادراجه على لائحة المشاريع المستقبلية». وأخيرا يرى أن «التحديات لا تواجه الضمان فقط. كل الدول تسعى إلى شمولية تغطية الأخطار، وقد بدأنا من جهتنا ورشة عمل»، آملا بالاستقرار الأمني، والاستقرار الاقتصادي، من أجل نمو مستدام يساعد في تحفيز الصندوق. كما يأمل لفتة من كل المسؤولين وإعطاء الصندوق الأولوية، مطمئنا كل اللبنانيين بأن «الضمان خط أحمر نحو الأمان الاجتماعي». غصن: عنوان لوحدة الوطن من جهته، يؤكد غصن أن «مسيرة الضمان التي بدأت في العام 1963 منذ إنشاء الصندوق كمؤسسة اجتماعية قائمة على التكافل والتضامن، استمرت وزادت تقديماتها، مما خفف عن المضمونين أعباء معيشية وصحية وطبية مهمة، وضمن حقوق العمال في تعويض لنهاية خدمتهم»، مشيرا إلى أن «الصندوق بقي، ويبقى عنواناً لوحدة الوطن، من خلال انتشاره في مختلف المناطق اللبنانية، ويجمع ما بين جميع شرائح المجتمع على اختلاف انتماءاتهم، في خلال أصعب المراحل، في الحرب الأهلية، التي قسَمت اللبنانيين والمؤسسات». يتذكر غصن تلك المرحلة السابقة، ويعتبرها «أحد أسباب صعوبة الأوضاع المالية في الصندوق، اما من بعدها استعاد الضمان ملاءته من خلال رفع معدلات الاشتراكات، فأعيد التوازن المالي إليه»، مشيرا إلى أن الصندوق مستهدف بإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين لاسقاط هذا النظام الاجتماعي المميز». وبعدما يسرد التقديمات وأنواعها «من دون أية عراقيل»، ينتقد عدم «رفده بموارد بشرية لإدارته، ومواكبة المكننة، فتخلف سنوات عن تلك المكننة التي التحق بها متأخرا، وعاد إليه العجز المالي المتراكم نتيجة تخفيض الاشتراكات وارتفاع كلفة الاستشفاء وتوسع الاحتكار وكارتيلات المستشفيات ومستوردي الأدوية الذين يفرضون الأسعار ويتحكمون بها، إلا أن مرحلة العجز بدأت بالتراجع بعدما زيدت الاشتراكات في فرع المرض والأمومة نتيجة رفع السقف الخاضع لتلك الاشتراكات». مرحلة انطلاق التطوير يعتبر غصن أن الضمان راهنا في «مرحلة انطلاق لتطويره وتوسيع مروحة المستفيدين من تقديماته، مثل عمال البلديات والبناء فضلا عن المزارعين وغيرهم... فضلا عن توسعه العمودي في إطار فرع طب الأسنان وصندوق البطالة، والإسراع في مشروع التقاعد والحماية الاجتماعية». وهنا يؤكد غصن أن «الضمان تبنى مشروع الاتحاد العمّالي المتعلق بالتغطية الصحية للمضمونين الذين ينكشفون صحيا بعد سن الـ64، ومما لا شك فيه أن الهيئات الاقتصادية تلتقي مع الاتحاد في موقفه». ويطلب غصن في ختام حديثه لـ«السفير» من كل القوى السياسية، التي تُضَمِّن برامجَها الحزبية جانبا اقتصاديا واجتماعيا ومعيشيا، «الدفع باتجاه حماية الضمان، لا إضعافه أو اسقاطه باعتباره مؤسسة لكل اللبنانيين». شريف: خشية من التعطيل من جهته، يعدد شريف الذي عايش الضمان لسنوات عديدة وما زال، الأسباب التي أدت إلى ترهل الصندوق، موضحا لـ«السفير» أن «الضمان في حكم تركيبته، كمؤسسة اجتماعية تخضع لقانون انشائها للمراقبة اللاحقة، لا يجب أن تترهل كباقي المؤسسات، بحكم دورها وتركيبتها، والسبب يعود إلى بعض القيمين عليها واستسلامهم للتدخلات الخارجية من كل الأطراف»، معتبرا أن «القيمين في مجلس الإدارة، وأمانة السر، واللجنة الفنية، استهتروا بتطبيق القوانين وبأنظمة الضمان وحماية استقلاليته، ورضخوا لكل التدخلات، حتى وصل وضعه إلى ما هو عليه». وفي مناسبة اليوبيل الذهبي للضمان، يصف شريف الصندوق بأنه، «في وقت كان يفترض به أن يؤدي دوره الاجتماعي، أصبح مترهلاً، الضمان يشكو، والمضمون يشكو، والجهات المتعاونة مع الضمان كالمستشفيات تشكو، وليس في الأفق ضوء يشي بأنه ذاهب نحو التحسن، بل إلى المزيد من التراجع، وأخشى ما أخشاه هو تعطيل هذه المؤسسة». طبارة: تحديث القانون في المقابل، يدعو طبارة، ممثل «جمعية التجّار في بيروت»، إلى «تعزيز وضع الضمان والبدء بالاصلاح المستدام، والتوجه نحو المزيد من المكننة، وتعزيز الموارد البشرية والخبرات، والسرعة في خدمة المضمونين والمؤسسات والقطاعات الاقتصادية». ولأن قانون الضمان قد تقادم، يدعو طبارة إلى «تطوير هذا القانون وتحديثه ليواكب المستجدات، ويصبح أكثر مرونة واستقلالية وفاعلية، وتعديل مسالك العمل، وبالتالي التوصل إلى نظام تقاعد وحماية اجتماعية عادل، يؤمن حياة كريمة للمواطن العامل والمستخدم والموظف بعد عشرين سنة من العطاء». عدنان حمدان
|