كتبت جريدة الاخبار بتاريخ 3-4-2012 ما يحصل من تجاوزات في المرفأ هو عمل أخطبوط فعلي برعاية مشبوهة (هيثم الموسوي) «قد تكون هذه الفضيحة أكبر من فضيحة سوكلين»، «إنها سرقة كبرى أكبر مما تتصوّر»، «تركيبة خطيرة لشفط المال العام»، «الكلّ متواطئ في هذه المسألة». تختلف أساليب توصيف المطّلعين على أحوال مرفأ بيروت، غير أنّها تصبّ في يقين واحد: هذا المرفق العام لا يعجّ بالحاويات فقط، بل بالفساد أيضاً حسن شقراني لن يطول الأمر كثيراً قبل أن تكتشف أولى دلالات المشكلة: بمجرّد الدخول إلى حرم مرفأ بيروت على تلك الطريق الطويلة التي لا تزال تفوح منها رائحة الحرب الأهلية _ كما هي حال منطقة الكرنتينا بمجملها _ تفاجأ بصفّ طويل من الشاحنات التي تنتظر أدوارها للتحميل. في أحوال طبيعية قد يكون هذا الصف دليل عافية على الحركة التجارية، لكن هناك أكثر من دلالة على أن هذا الازدحام مفتعل. «هل ترى هذا الازدحام؟ لا تعتقد لوهلة أنه طبيعي»، يقول أحد المطّلعين على أوضاع مرفأ بيروت. «إنه مقصود لكي يجري ترتيب أكلاف إضافية على تخزين البضائع عبر تأخير تحريرها في إطار شبكة مصالح مفبركة بدقّة». ما هي الشبكة التي تُحكم القبضة على أحد المرافق الأساسية في لبنان الذي يدرّ ملايين الدولارات سنوياً، ولا يُحوّل إلى الخزينة العامّة سوى 20% منها؟ قد يكون التوصيف الأبرز والأكثر إثارة للتساؤلات هو ذاك الذي يعتمده أحد الوزراء العارفين بخبايا هذه الممارسات: «يبقى ملف سوكلين أنظف ممّا حدث ويحدث في ملف مرفأ بيروت». وهدفه من هذه المقارنة إظهار حجم الأوساخ التي تلوّث مسار الأعمال في المرفأ. لكن للإجابة بدقّة عن التساؤلات، ينبغي العودة إلى عام 2005 حين انطلق عمل شركة «اتحاد محطّة بيروت للحاويات» (BCTC) التي لزّمها القيّمون على المرفأ تشغيل العمليّات، وتحديداً إدارة تفريغ البضائع من السفن ونقلها لكي تمرّ بمراحل الكشف والتدقيق المختلفة _ من الجمارك والاستخبارات _ لتصل في نهاية المطاف إلى السوق المحلية، أو تنتقل عبر الترانزيت إلى البلدان المجاورة. يتألف هذا الكونسورتيوم من ثلاث شركات: «الشركة العالمية لإدارة مرفأ بيروت» (IPMB)، الشركة البريطانية «PPPL» والشركة الأميركية «LPMA». وقد نما عمله بالتوازي مع الفورة الاستهلاكية التي شهدتها البلاد منذ انتهاء حرب عام 2006، ليصل عدد الحاويات التي أدارتها (Handling) إلى 1.034 مليون حاوية (Container) في عام 2011. وتحت شعار تشجيع المسافنة (Transshipment)، وقّعت الشركة عقدين مع عملاقين عالميين في مجال النقل البحري: الأوّل مع «MSC» لإدارة 250 ألف حاوية سنوياً، والثاني مع «CMA-CGM» لإدارة 100 ألف حاوية. يقوم هذا التحالف على تخزين البضائع في لبنان على أنّه «كاراج» بأسعار زهيدة جداً، يوضح المصدر نفسه؛ وهكذا مع عجقة البضائع تقل المساحات المتوافرة، فيحصل التأخير ليتكبّد المتعاملون مع الشركة أكلافاً إضافية للتخزين بانتظار الإفراج عن البضاعة، وخصوصاً بعد مرور 9 أيام حين ترتفع التعرفة كثيراً. وتلك الخوات كبيرة فعلاً وتحقق مدخولاً سهلاً للشركة من الاتجاهين، إذ إنّ حصتها تبلغ 40% من إيرادات المرفأ السنوية البالغة 160 مليون دولار، بحسب مصدر مطّلع على سير الأمور في إدارة المرفأ. وهكذا تُقدّر إيراداتها السنوية بـ64 مليون دولار. هذا الكم من الأموال يحتاج إلى شراكة أكبر من تلك المعقودة مع شركتي الشحن المذكورتين؛ إذ يتطلب التغطية الرسمية. وهنا يقول المصدر نفسه: هناك تحالف قائم بين «BCTC» والشركتين مع إدارة مرفأ بيروت لتغطية عملية تحصيل الأرباح الخيالية هذه. ويقوم هذا التحالف على إبقاء كلفة التخزين في حرم المرفأ منخفضة _ أدنى بكثير من التعرفات في منطقة المتوسط _ بشرط دفع خوّات. «هناك 3 دولارات تُدفع عن كلّ مستوعب يُخزَّن خارج إطار الكلفة الحقيقية المصرَّح عنها، وهي دون 30 دولاراً»، يكشف مصدر من أوساط المخلصين الجمركيين. وإذا طبّقنا المعادلة على عدد مفترض من المستوعبات يبلغ مليوناً، تُصبح الخوّة ثلاثة ملايين دولار سنوياً. يحار المطلعون على أوضاع المرفأ في توصيف عمله لكثرة الشوائب. «ما يحصل من تجاوزات هو عمل أخطبوط فعلي برعاية مشبوهة»، يقول أحدهم. «الجميع منخرط في هذه العملية، وله حصّة منها، وهناك لقاءات تُعقد دورياً في فرنسا بين المستفيدين من التركيبة الموجودة». وتزعم الشركة أنها «أنفقت ملايين الدولارات (الأميركية) على تدريب الخبراء المحليين في لبنان... وخلقت صناعة لم تكن موجودة في السابق». غير أنّ جميع المطّلعين يؤكّدون أن الشركة لم تُنفق ليرة واحدة، فمعدّات العمل الرئيسية (وتحديداً الرافعات الخمس الشهيرة والشاحنات المستخدمة للنقل) اشترتها إدارة المرفأ ويُشغّلها كونسورتيوم الأمر الواقع! أما على صعيد المهارة البشرية وإنتاجية العمل _ التي تزعم الشركة أنّها أنفقت 25% من رأسمالها الأساسي لتطويرها _ فحدّث ولا حرج: لدى الدخول إلى مركز تسيير المعاملات الأولية لإخراج البضائع كان الصف خالياً. وصلنا إلى الموظف المسؤول وسلمناه الوثيقة. لكن لم تكد تمر ثوانٍ حتّى وقف وأخذ يتجوّل في المكان ويتبادل النكات مع زملائه. بقي على سلوكه هذا نحو 10 دقائق. ومن ثمّ عاد وأعطانا الورقة. تساءلنا: لماذا فعل ذلك، هل كان مشغولاً؟ هل كان ينتظر شيئاً ما لتصديق المعاملة؟ كانت الإجابة: كان يريد أن يشرب الماء فقط! إذا كان شرب الماء يستغرق 10 دقائق، وبالتالي يهدر من طالب المعاملة الوقت نفسه، فإنّ التركيبة القائمة في إدارة مرفأ بيروت تهدر على اللبنانيين الكثير الكثير من الأموال التي تذهب لجيوب البعض. وبذكر تلك الجيوب، يُشار إلى أنّ مدير المرفأ حسن قريطم _ الذي تعذّر علينا التواصل معه للوقوف عند إيضاحاته _ قرّر أخيراً رفع كلفة كلّ معاملة إلى 5 آلاف ليرة، بعدما كانت التعرفة 7 آلاف ليرة لكلّ 5 معاملات. ومع ضغط المخلّصين الجمركيين، خفض التعرفة إلى 3 آلاف ليرة، غير أنّها بقيت أعلى من التعرفة الأساسية بنسبة 100%. أمّا الأخطر، فهو أنّ هذا المدير رفض أن تُسدّد الرسوم في إدارة المرفأ مباشرة، وحصر تسوية المدفوعات مع مصرف وحيد له فرع في حرم هذا المرفق. والحجّة، وفقاً لما ينقله أحد المطّلعين عن حسن قريطم، «وقف السرقة في صفوف جماعتنا». إذاً، قد يكون عمل الكونسورتيوم الذي يُسيطر على المرفأ مدعاة للثناء والتهليل، وقد تكون مجلة «Time» قد صنّفته بين «قصص النجاح» في تاريخ الخصخصة، لكن ما هي الكلفة الفعلية لهذا النجاح؟ وهل هو نجاح فعلاً؟ ________________________________________ 32 مليون دولار هو ما حوّلته إدارة مرفأ بيروت إلى الخزينة العامّة في عام 2011، مقارنة بدخل إجمالي بلغ 158.8 مليون دولار حقّقه المرفأ في ذلك العام. ________________________________________ 2167 سفينة هو عدد السفن التي توقفت في مرفأ بيروت عام 2011 بتراجع نسبته 5%. أمّا عدد المسافرين فقد نما بنسبة 28% إلى 9148 مسافراً. ________________________________________ في جارور العريضي تُفيد معلومات «الأخبار» بأنّ وزير الأشغال العامّة والنقل غازي العريضي، وهو المعني الأوّل بموضوع مرفأ بيروت، تلقى رسائل كثيرة من نقابة المخلصين الجمركيين ومن أصحاب شركات نقل للشكوى من استفحال الممارسات الخاطئة في المرفأ، غير أنّه لم يُبادر لمعالجة الوضع القائم. ويقول أحد المطلعين إن «تقارير كثيرة تصل إلى وزير النقل، غير أنّه يضعها في جارور مكتبه». اقتصاد العدد ١٦٧٥ الثلاثاء ٣ نسيان