عربيد دعا الى تعزيز الوجه الاجتماعي للسياسات العامة محذرا من توترات اجتماعية مقبلة الوفاء : 15-2-2019 - عقد رئيس "المجلس الاقتصادي والاجتماعي" شارل عربيد مؤتمرا صحافيا في مقر المجلس بعد ظهر اليوم، دعا فيه الى "تعزيز الوجه الاجتماعي للسياسات العامة"، معتبرا ان "احراق المواطن جورج زريق نفسه بسبب عدم قدرته على تأمين التعليم لاولاده ينذر بتوترات اجتماعية مقبلة". وجاء في بيان تلاه عربيد في حضور عدد من اعضاء المجلس: "بعد المؤشرات الإيجابية التي أحدثها تأليف الحكومة الجديدة، حملت الأيام الماضية حدثا مؤسفا تمثل بإقدام مواطنٍ على إحراق نفسه، بسبب عدم قدرته على تعليم أبنائه كما يرغب. إن هذا الحدث شكل صدمة لكل اللبنانيين، وهو يختزن في مضامينه معان عميقة يجب التنبه إلى خطورتها والتحرك لمعالجة تهديداتها". وأضاف: "آلمنا هذا الفعل بشدة، واستفز ضمائرنا أن نرى انهيار أفق الأمل أمام أب أراد من الحياة أن تكون أفضل لأبنائه، فسعى إلى تعليمهم بأحسن ما يمكن، ولم يحتمل أن يفشل في هدفه السامي هذا". وقال: "إن هذه الواقعة تنذر بتوترات اجتماعية مقبلة، كنتيجة لقصور الإنفاق الاجتماعي وارتفاع مفاعيل نسب الضرائب غير المباشرة. لذلك لا نكتفي بالتعبير عن الحزن والمرارة، بل إننا نرى مؤشرات تدفعنا إلى التفكير مجددا وبصورة أكثر إلحاحا بتعزيز الوجه الاجتماعي للسياسات العامة". ورأى في "القطاع التربوي أساسا في بناء لبنان المستقبل، وأن تحقيق العدالة في مجال التعليم يؤسس لتعميم العدالة الاجتماعية والاقتصادية في المستقبل، وتعميم معدلات أكثر ارتفاعا من الرفاه للجميع". وأكد البيان: "إن ما يميز القطاع التربوي في منطلقاته وأهدافه هو أنه من القطاعات التي تغلب في أساس وجودها البعد الخلقي والقيمي على ضرورات الربح المادي، ونحن ننظر إلى مؤسساتنا التعليمية في القطاعين العام والخاص على أنها معامل بناء وليس شركات أرباح، وبالتالي التفكير بكلفة التعليم الحقيقية أصبح ضرورة اليوم، حتى نتمكن من إيجاد الصيغة الرابحة التي توفق بين تأمين التعليم النوعي المتقدم للجميع من جهة. ومن جهة ثانية، تمكين المؤسسات التعليمية من الاستمرار وتطوير مواردها المادية والبشرية بصورة عادلة". وقال: "بعيدا من تحميل المسؤوليات الذي يدرج في أوقات المآسي، وينسى عندما تبرد مفاعيل الحدث المحرك، نجد أن دورنا يتركز على إطلاق دينامية جديدة وجدية للتفكير بالسياسات التربوية كركيزة من ركائز الأمن الاجتماعي الاستراتيجي بعيد المدى، والذي يطاول لبنان الحاضر والمستقبل في صميم صحته وفرصه في التقدم". ورأى "في المدرسة الرسمية تحديدا ضمانة وطنية على المدى البعيد، وهي في حاجة إلى تعزيزها كأولوية قصوى ضرورية، من خلال إعادة توزيع الانفاق الحكومي التربوي بما يتلاءم مع تطوير مبانيها ومختبراتها وكادراتها البشرية". ودعا "كل المؤسسات التعليمية إلى الامتناع عن حجب الإفادة المدرسية عن المتعلمين بحجة التخلف عن دفع الأقساط، والتعهد بالحؤول دون حصول حالات يتعرض فيها المتعلمون لوقف الدراسة بسبب المال. ونرى أن من الضروري إحصاء نسب التخلف عن سداد الأقساط المدرسية تمهيدا لاستنباط الحلول على ضوء الواقع الحقيقي. كما وندعو كل المؤسسات التربوية إلى المحافظة على رسالتها القيمية الأساسية كأولوية أولى في اهتماماتها". وذكر البيان: "كنا أطلقنا في المجلس خلال العام المنصرم سلسلة لقاءات تربوية جمعت ممثلي المدارس ونقابات المعلمين، واستقبلنا وزير التربية ورئيس لجنة التربية النيابية، حيث أطلقنا نقاشا تربويا جديا، سعينا من خلاله إلى تصويب وجمع الجهود وتزخيمها، لأننا نعتبر أن أهداف الجميع في هذا القطاع واحدة، وهي موجهة نحو بناء المستقبل". وشدد: "نتطلع إلى سياسات اجتماعية دافئة وعادلة، وإلى إعادة التفكير في مستقبلنا على أساس التوازن بين السياسات الاقتصادية الرافعة للنمو، والضرورات الاجتماعية الحاضنة لنمو الطاقات البشرية واللاحمة لمكونات المجتمع كافة". وأضاف البيان: "نعتقد أن تكرار المآسي الاجتماعية يعود إلى ضعف نظام الحماية الاجتماعية الضروري، وليس مرتبطا بأخلاقيات مؤسسة أو فرد، وإن كان اهتزاز هذه الأخلاقيات يؤدي الى اهتزاز التماسك الاجتماعي بالضرورة. إن الحقوق الرعائية ملازمة بطبيعتها لمفوم المواطنة وبالتالي لا يجوز إهمالها إطلاقا". ودعا إلى "التنبه لما وصلت إليه الأوضاع الاجتماعية لشرائح واسعة من الأسر جراء ازدياد البطالة وما ينجم عنها من فقر وتفكك مجتمعي. وإلى تنقية الموازنات العامة في السنوات المقبلة من الإنفاق الهدري تماما، وتحويل الوفر إلى إنفاقٍ اجتماعي حق. وتضمينها الخطوط العريضة للسياسات الاقتصادية المؤنسنة التي توسع الابعاد الاجتماعية لعملية النمو". ورأى أن "الإنفاق الاجتماعي في عمق مفاعيله يؤدي إلى تحصين التماسك الوطني، ويسهم في صورة أكيدة في التطور العام وفي نمو الاقتصاد، لذلك يمكن اعتبار الانفاق على السياسات الاجتماعية استثمارا بعيد المدى وأكيد الأثر في الإنسان ومن أجله. وأنسنة الاقتصاد والسياسات العامة أكثر من ضرورة، وبخاصة في هذا الوقت بالذات حيث نشهد انطلاقة جديدة للعمل الحكومي، وبلدنا يقف أمام محطات مهمة على المستويات كافة"، لافتا الى ان "تعزيز السياسات الاجتماعية الحاضنة للجميع لا يكون فقط من خلال العطاءات وسياسات الدعم التي قد تشكل مفسدة على المدى البعيد، بل يكون من خلال استخدام العطاء كمحفز لديناميات اكتفاء ذاتي في القطاعات المختلفة، تكون قابلة للاستمرار والتطور بذاتها. والمحك في نجاح هذا التوجه مرهون بإيجاد الصيغ الرابحة للجميع، المواطنون ومؤسسات الدولة ومؤسسات القطاع الخاص. والسياسات العامة الناجحة هي التي تجد هذه الصيغ التي تعمم الفائدة على الجميع".
وتابع: "إن الدينامية الجديدة التي نطلقها في المجلس الاقتصادي والاجتماعي تقوم على فتح النقاش وتوسيعه في شأن الواقع الاجتماعي في لبنان، وهو عمل انطلقنا به منذ فترة ونتابعه في عملنا اليومي حيث نفكر معا لإيجاد حلول لمختلف المشكلات الاجتماعية التي نعاني منها، من خلال الدراسات واللقاءات المطلوبة مع الفاعلين في القطاعات المختلفة. وفي هذا المجال تعمل لجان المجلس على وضع دراسة متخصصة في السكن، تهدف الى حل مشكلة تأمين السكن اللائق إلى البنانيين. إضافة إلى دراسة أخرى عن البطالة وتوفير العمل المناسب، وهنا تقوم لجنة التكنولوجيا بوضع دراسة تفتح المجال أمام فرص جديدة في هذا المجال، بينما تعمل لجنة التربية وحقوق الإنسان على وضع دراسة أخرى عن التوجيه الأكاديمي والمهني. فيما تعمل لجان أخرى على نظام الطبابة، وفي شأن التقاعد والحماية الاجتماعية". ودعا "الحكومة الجديدة إلى مؤازرتنا من خلال تحصيص جلسات خاصة بالحوار الاجتماعي على مستوى الوطن، على أن يضع المجلس الاقتصادي والاجتماعي في تصرفها كل طاقاته". كما ودعت "المجتمع المدني والجمعيات المتخصصة في الشؤون الاجتماعية المختلفة الى المشاركة وتقديم خبراتها في هذا الحوار، إنطلاقا من المسؤولية المشتركة للجميع أمام هذا الواقع". ودعا "الناس جميعا إلى المزيد من التكافل والتضامن والتمسك بأصالة اللبناني وقيمه العائلية والإيمانية التي تدعونا دوما إلى المساعدة والمؤازرة والتعاضد في ما بيننا، وبخاصة في المراحل الصعبة التي لطالما تجاوزها اللبنانيون معا". |