يعقد مجلس إدارة الضمان الاجتماعي جلسة اليوم لإقرار زيادة التعرفات الاستشفائية والطبية. يتوقع المطّلعون أن يتخذ القرار بغالبية 14 صوتاً في المجلس من ضمن اتفاق بين ممثلي الدولة والعمال. هذا القرار ليس نهائياً؛ يجب أن يُعاد التصويت عليه إن لم يؤيّده ممثلو أصحاب العمل، ويجب كذلك أن يصدر بمرسوم عن مجلس الوزراء، إلا أنه قد يكون كافياً لتفك المستشفيات إضرابها وامتناعها عن استقبال مرض الضمان إذا سارت الأمور كما هو مخطّط لها في جلسة مجلس إدارة الضمان الاجتماعي اليوم، فإن الأزمة الناشئة بين صندوق الضمان والمستشفيات الخاصة قد تكون شارفت على نهاية فصلها المتعلّق بزيادة التعرفات الاستشفائية والتوقّف عن استقبال المرضى المضمونين. فبحسب أعضاء في مجلس الإدارة، يُتوقع أن يوافق 14 عضواً، بالحدّ الأدنى، على «زيادة التعرفات الاستشفائية وتمويلها من خلال رفع سقف الراتب الخاضع للاشتراكات في فرع ضمان المرض والأمومة وحده من 1.5 مليون ليرة إلى 2.5 مليون ليرة»، أي إن النصاب القانوني اللازم لإقرار الزيادة بات متوافراً بعد اتفاق بين ممثلي العمال وممثلي الدولة على رفع هذا السقف، سواء ارتضى أصحاب العمل أو رفضوا. بيروقراطية القرار رغم هذه المعطيات، إلا أن الطريق نحو إقرار هذا المخرج قد يشهد مفاجآت؛ فقد دعا رئيس هيئات أصحاب العمل عدنان القصار، إلى اجتماع لممثلي الهيئات يعقد عند 12.30 ظهر اليوم لاتخاذ القرار المناسب، وإعلان موقف واضح يحسم مشاركتهم في جلسة مجلس إدارة الضمان المقررة عند الثالثة من بعد ظهر اليوم. كذلك إن النتيجة المتوقعة من جلسة مجلس الإدارة توفّر مشروع حلّ؛ لأن صلاحيات مجلس الضمان تقتصر على «الإنهاء» بمراسيم رفع سقف الراتب الخاضع للاشتراكات ولا تخوّله إصدار المرسوم الذي يفرض هذا الأمر، وهذا التصويت من دون ممثلي أصحاب العمل، يسقط قطاعياً، أي إنه يحتاج إلى إعادة التصويت عليه بعد 15 يوماً لتأكيده. أما الإقرار النهائي، فهو يتطلب توقيع سلطة الوصاية وإحالة الأمر على مجلس الوزراء الذي لديه صلاحية إصدار المرسوم. هكذا يفترض أن يضع هذا التصويت حدّاً للأزمة التي استمرت أكثر من 10 أيام؛ فعلى مدى كل هذه الفترة، توقفت المستشفيات الخاصة عن استقبال مرضى الضمان بذريعة أنها تطالب بزيادة التعرفات الاستشفائية. وقد بلغت نقابة المستشفيات حدّاً خطيراً في سعيها إلى تحقيق مطالبها؛ فعلى الرغم من أنها خالفت عقودها الإفرادية مع الصندوق بمجرد إعلانها الامتناع عن استقبال مرضى الضمان، إلا أن بعضها رفض أيضاً استقبال الحالات الخطرة أو تلك التي يكون فيها المضمون معرّضاً لخطر الوفاة. كذلك، اشترطت بعض المستشفيات على المرضى دفع فرق التعرفة أو الاستشفاء على حسابهم الخاص. كل هذه الحالات وردت فيها عشرات الشكاوى إلى الضمان وسُجّلت للتحقيق فيها. وبحسب المدير العام للضمان الاجتماعي محمد كركي، «وُجِّه 21 إنذاراً إلى المستشفيات، وأحيلت ملفاتها على اللجنة المختصة لاتخاذ القرار المناسب بناءً على كل حالة، علماً بأن عقوبات المخالفة تصل إلى فسخ العقد مع المستشفى». غير أن هذه الأزمة صارت في طريقها إلى حل مرحلي، فقد حُدِّدت جلسة استثنائية لمجلس الضمان عند الثالثة من بعد ظهر اليوم، بناءً على طلب كركي لـ«متابعة مناقشة موضوع تعديل التعرفات الاستشفائية والطبية وإقراره بأسرع وقت ممكن». فبحسب كركي، أظهرت «الاتصالات الجارية خلال الأيام الماضية، أن الأجواء مواتية لأخذ القرار القاضي بزيادة التعرفات الاستشفائية وتمويلها من خلال رفع سقف الراتب الخاضع للاشتراكات، ولا سيما أن هناك توافقاً حصل بين ممثلي الدولة وممثلي العمال في مجلس الضمان يحقق النصاب القانوني وعدد الأصوات اللازم لإنجاز الأمر». وتشير المعلومات المتداولة بين عدد من أعضاء مجلس إدارة الضمان، إلى أن الأعضاء الذين أكدوا حضورهم من بين ممثلي الدولة هم 4 أعضاء زائدين 9 أعضاء ممثلين للعمال، وهو ما يضمن 13 صوتاً من أصل 26 عضواً في المجلس، ويضاف إليهم ممثل أصحاب العمل عن المستشفيات في مجلس الإدارة، سامي شرتوني، ليزيد عدد الأصوات إلى 14، علماً بأن شرتوني لديه «تعليمات واضحة من نقابة المستشفيات تقضي بالتصويت على أي اقتراح بتمويل زيادة التعرفات الاستشفائية والطبية»، يقول رئيس نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون. لذلك، إن حضور ممثلي أصحاب العمل في جلسة اليوم ليس له قوّة الحسم ولا قوّة التعطيل، رغم أنهم تمكنوا في الجلسة السابقة من فرط عقد الجلسة. حينها، كان عدد الحاضرين 19 عضواً، كان بينهم 7 ممثلين لأصحاب العمل عمدوا إلى الانسحاب من الجلسة حين عُرض ملف التعرفات وتمويلها على التصويت، وقد كان عدد ممثلي العمّال 9 أعضاء من أصل 10 بسبب غياب فضل الله شريف بداعي السفر. أما ممثلو الدولة الستّة فلم يحضر منهم إلا 3؛ إذ غاب مروان إسكندر نظراً إلى أنه مستقيل منذ فترة طويلة، فيما غاب عادل عليق بداعي السفر. أما أكرم نجار، فهو من النادر أن يحضر جلسات مجلس الإدارة. وبالتالي كان عدد ممثلي الدولة والعمال 13 عضواً، وهو أقل من النصاب القانوني بعضو واحد. أما اليوم، فإن عليق سيحضر، فيما يتوقع أعضاء في مجلس الإدارة يتولون الاتصالات بين سلطة الوصاية والضمان، أن يحضر نجار. تداعيات مالية على أي حال، إن رفع سقف الراتب الخاضع للاشتراكات من 1.5 مليون ليرة إلى 2.5 مليون ليرة، بحسب كركي، «يحقق واردات إضافية تقدّر بنحو 102 مليار ليرة، علماً بأن كلفة زيادة التعرفات الاستشفائية والطبية تقدّر بنحو 127 مليار ليرة. أما الباقي فستجري تغطيته من مساهمة الدولة في نفقات فرع ضمان والأمومة، المحدّدة قانوناً بنسبة 25%. وفي النتيجة، سيحقق ضمان المرض والأمومة وفراً دفترياً في نهاية السنة يصل إلى 30 مليار ليرة، ما يعني أننا سنعمل على سداد المأخوذات التي سحبناها سابقاً لتمويل العجز في هذا الفرع». ويعتقد كركي أن لهذا الطرح إيجابيتين: فهو من جهة يحقق واردات إضافية للصندوق تموّل زيادة التعرفات وتحقق وفراً، ومن جهة ثانية فإنه خطوة على طريق العدالة في توزيع الاشتراكات؛ فمن الواضح أن هذه الزيادة لا تصيب ذوي الدخل الذي لا يتجاوز 1.5 مليون ليرة، فيما كان أصحاب الدخل الأعلى مُعفَين. لكن عضو مجلس الإدارة رفيق سلامة (ممثل الدولة)، يعتقد أن رفع سقف الاشتراكات هو تدبير مؤقت يعالج قضية طارئة لزيادة التعرفات الاستشفائية، غير أنه لا يعالج الخلل المالي المستمرّ في الضمان، علماً بأن الأمر يحتاج إلى دراسة للإصلاحات التي تؤدي إلى معالجة هذا الخلل، كذلك على إدارة الضمان أن تلتزم هذا الأمر. أزمة أصحاب العمل إزاء كل هذه التطورات، برز موقف جديد لدى أصحاب العمل في اجتماع «لجنة الحوار المستدام بين أطراف الإنتاج» الذي عقد أمس. فبحسب مصادر المشاركين، أبدى ممثلو أصحاب العمل الذين شاركوا في الاجتماع شبه موافقة على التوصل إلى «إخراج» توافقي للأمر عوضاً أن تسجّل هزيمة على أصحاب العمل، فاستمهلوا في البدء عقد جلسة مجلس الإدارة لمدّة يومين بحجّة تسويق القرار لدى تجمّعاتهم، لكن وزير العمل سليم جريصاتي أوضح أن موعد الجلسة تحدّد عند الثالثة من بعد ظهر الثلاثاء. عند هذه النقطة من المعركة القائمة، تبيّن لأصحاب العمل أن ممانعتهم لقرار رفع سقف الراتب الخاضع للاشتراكات لن يكون لها تأثير على أرض الواقع. وبحسب نائب رئيس مجلس إدارة الضمان غازي يحيى الذي يمثّل أصحاب العمل، «بات القرار اليوم بأيدي ممثلي الدولة والعمال في المجلس»، لافتاً إلى أن موقف أصحاب العمل واضح، فهم اشترطوا في «لجنة الحوار المستدام» أن يقرّ الضمان «سلّة متكاملة تشمل قرار رفع السقف ومجموعة خطوات إصلاحية عملية، ولا سيما أن أوضاع المؤسسات والشركات لم تعد تحتمل زيادة أعباء بعد زيادة الأجور». لكن يحيى لا يزال يراهن على أن يكون هذا هو الحلّ؛ ففي السابق كان مجلس الإدارة قد أقرّ زيادة الاشتراكات، إلا أن الوزير بطرس حرب لم يرفع يومها الملف إلى مجلس الوزراء، وهو ما يسمح ليحيى بالمراهنة على مجلس الوزراء مرّة جديدة بأن لا يقرّ رفع السقف من دون رضى أصحاب العمل، لا بل يراهن على لجوء الدولة إلى تطبيق الفقرة الرابعة من المادة 66 من قانون الضمان، كحلّ يتيح تمويل زيادة التعرفات الاستشفائية بالحصول على مساعدة استثنائية من الدولة. وعلى ضفة أخرى، أي المستشفيات، تبدو الصورة غير واضحة ومبهمة؛ إذ يفضّل رئيس نقابة أصحاب المستشفيات سليمان هارون، أن لا يعطي موقفاً نهائياً من وقف الإضراب في ضوء كل الاتصالات والمعطيات، التي شارك في جزء أساسي منها واطلع على كل تفاصيلها، سواء تلك التي جرت معه مباشرة من وزارة العمل وإدارة الضمان، أو تلك التي حصل عليها من خلال مندوبه في مجلس الضمان. ففي المحصّلة، يقول هارون إنه «في انتظار الصيغة التي سيخرج بها قرار زيادة التعرفات وآلية تمويلها»، لافتاً إلى أن الجمعية العمومية لنقابة المستشفيات، التي كانت مقررة اليوم، تأجلت إلى الأربعاء لفسح المجال أمام الاتصالات الجارية لإصدار قرار توافقي»، لكنه رفض الإفصاح عمّا إذا كانت المستشفيات ستعود إلى استقبال مرضى الضمان بعد صدور قرار مجلس الإدارة المتوقع اليوم وترك الأمر خاضعاً لمشاورات ما بعد صدور القرار. 33% من الأجور المصرّح عنها للضمان سيطاولها قرار رفع «سقف الراتب الخاضع للاشتراكات إلى 2.5 مليون»؛ فإحصاءات إدارة الضمان تؤكد أن 67% من الأجراء لن تزيد اشتراكاتهم، وأن الزيادة ستلحق بالعاملين في المصارف والمؤسسات المالية وبعض أنواع التجارة والخدمات العامة والنقل مرحلة جديدة يقول المدير العام للضمان الاجتماعي محمد كركي، إن مرحلة ما بعد زيادة التعرفات الاستشفائية ستكون مختلفة عما قبلها بالنسبة إلى التعامل مع المستشفيات؛ «فهم سيحصلون على حقوقهم، وبالتالي نريد أن يحصل المستفيدون من الضمان على حقوقهم أيضاً. فأي مخالفة للتعرفة ولأنظمة الضمان سيتشدد الضمان بالتعامل معها، ولا سيما على صعيد التعرفات أو إجبار المضمون على دفع مبالغ إضافية... كل الخيارات مفتوحة بالنسبة إلى الصندوق، بما فيها فسخ العقود، علماً بأن المستشفيات العاملة خلال الأزمة كانت نحو 70». اقتصاد العدد ١٧٠١ الثلاثاء ٨ أيار ٢٠١٢