اعتصام جباة وعمال الإكراء في «الكهرباء» ينحو إلى التصعيد
كتبت رشا أبو زكي في جريدة الاخبار بتاريخ 17-5-2012
ماذا ينتظر وزير الطاقة والمياه، جبران باسيل، ومعه مجلس إدارة مؤسسة الكهرباء (وبقية السلسلة) من عمال يعملون كالرقّ في المؤسسة منذ أكثر من عشر سنوات، من دون تثبيتهم ولا إدخالهم في الضمان الاجتماعي؟ لا بل ماذا ينتظرون بعدما تعاقدت الوزارة مع شركات وأدرجت في العقود إمكان صرف 2500 مياوم بعد 3 أشهر من «تجريبهم»؟ على الأقل، يجب ألاّ ينتظروا الورود!
في حرب الكبار، لا يموت إلا الصغار. هذه حال عمال جباة الإكراء والعمال المياومين (يتقاضون رواتبهم عن كل يوم عمل) في مؤسسة الكهرباء. الزعماء السياسيون يختلفون على الحصص فوق، فيبقى 2500 عامل منذ ما بين 10 سنوات إلى 20 سنة بلا أي ضمانات اجتماعية، تحت التهديد بالصرف الجماعي في نهاية حزيران المقبل. شائعة ظهرت على إحدى شاشات التلفزة، مفادها أن المياومين يهددون بحرق المركز الرئيسي لمؤسسة الكهرباء. تتوالى البيانات الحزبية (نقابية الصيغة) لتعلن وجود طابور خامس في صفوف المعتصمين، وتحذر من انزياح الاعتصامات السلمية نحو العنف. نحو المؤسسة نسير بخطوات بطيئة، احتمال ظهور أحد «الإرهابيين» لإحراقنا وارد، نظراً إلى طبيعة البيانات الحزبية _ النقابية الصادرة. وصولاً إلى باب مؤسسة الكهرباء «الجو» عادي. عدد من رجال الأمن يحيطون بالمؤسسة. الباب موصد بجنزير حديدي كبير. يفتح العمال المعتصمون الباب. ندخل إلى أرض «الموقعة». رائحة النار المشتعلة لم تصل إلى أنوف أحد. أكثر من 500 جابٍ ومياوم يعتصمون أمام صناديق خدمة الزبائن في إطار خطة تصعيد تحركهم... «أين من يهدد بحرق المؤسسة؟»، سؤال يُضحك العمال، والإجابة تُحزن من يضحك: «لا يوجد من يريد حرق المؤسسة، وإنما من يريد حرق نفسه». يتقدم حسين علام، يلقي 45 عاماً من عمره خلف ظهره المحدودب. عشرات السنوات قضاها في خدمة المؤسسة. راتبه لا يتعدى 450 دولاراً، إيجار منزله 300 دولار، وأولاده الأربعة في المدرسة. «أعمل على سيارة الأجرة ليلاً لأستطيع ضمان استمرارية عائلتي». يأسه يوشي بقابلية فعلية على الانتحار حرقاً. لا يستغرب استغراب من حوله، فهو ابن الهرمل، الحرمان يسابق سنين عمره. «الآلاف استشهدوا بالقصف الإسرائيلي عام 2006، وأنا أرى أن جوع أولادي أشد وطأة عليّ من إسرائيل. سأحرق نفسي في حال صدور قرار صرفي من العمل. لعلي أوصل صوتي وصوت زملائي إلى آذان المسؤولين». يعوّل علام على التحركات التي ينفذها المياومون في جميع المناطق، فاقداً الأمل بالسياسيين «في لجنة الإدارة والعدل من له مصلحة مباشرة بإدخال شركات خاصة إلى المؤسسة، الشركات التي ستصرفنا بعد 3 أشهر، ونائب من النواب، الذين أحترم مرجعيتهم السياسية، له علاقة بإحدى هذه الشركات، يبيع 2500 عامل من أجل مصلحته». لعلاّم زملاء ماتوا وهم يعملون. يذكر أحد المعتصمين 17 مياوماً قضوا على أعمدة الكهرباء، وأكثر من 40 مصاباً غالبيتهم غير قادرين على العمل بسبب الإعاقة الدائمة التي أصابتهم، إضافة إلى عدد من الذين ترسم التشوهات ملامح غريبة على أجسادهم. آخر شهداء المياومين اسمه مجبور مجبور، توفي في الشمال، خلال قيامه بصيانة أحد الأعمدة. حيدر إسماعيل، وهو المياوم منذ 18 عاماً في المؤسسة، يقول إن العدد ليس 17، إذ إن 2500 مياوم هم فعلاً شهداء أحياء، ولا يعرفون الساعة التي تغدرهم فيها صعقة كهربائية. الغدر مضاعف، فالمياومون ليس مصرحاً عنهم لدى الضمان الاجتماعي، ويتقاضون رواتبهم بحسب أيام عملهم «حتى في 1 أيار، وهو عيد العمال، حسمت المؤسسة من راتبنا». إسماعيل لم يتزوج حتى الآن، فهو يتقاضى 28 ألفاً و500 ليرة عن كل يوم عمل، لتخلص النتيجة براتب شهري يقل عن الحد الأدنى للأجور. طوني يونان، مياوم منذ 12 عاماً في مؤسسة الكهرباء، يتقاضى نحو مليون ليرة شهرياً. «يحسمون الضريبة على الدخل وضريبة على القيمة المضافة، نقوم بكل واجباتنا المالية تجاه الدولة، والأخيرة ترفض حتى إدخالنا إلى ملاك المؤسسة». لن يحصل طوني على راتب أعلى بكثير من الذي يتقاضاه في حال تثبيته، «أريد الدخول إلى الضمان الاجتماعي، وتثبيتنا في الوظيفة. علماً بأن الضمان الاجتماعي رفع شكوى وربحها، ومفادها أنه يريد 48 مليار ليرة من مؤسسة الكهرباء نتيجة عدم إدخالنا إلى الضمان». يضحك يونان من طرح باسيل المتعلق بالمناصفة في تثبيت المياومين بين المسلمين والمسيحيين. «أنا مسيحي، ولا أريد مناصفات، أريد أن يدخل زميلي المسلم إلى الملاك قبلي، كلنا نعيش تحت خطر الموت من دون تفرقة طائفية». ما يقوله طوني، يكرره ادغار رزق، وهو المياوم منذ 9 سنوات في المؤسسة. يقول «لا نريد سوى تثبيتنا»، ويعتبر أن الحديث عن مناصفات ليس سوى كلام، فنحن نعمل كلبنانيين من دون تفرقة طائفية، وما يجمعنا هو البحث عن لقمة الخبز. ويرى أن خصخصة الخدمات في المؤسسة هو لصرف غالبية المياومين وتوظيف بعض المحظيين بتغطيات سياسية. وإن من يريد الخصخصة، من نواب ووزراء، هو من يريد «القبض من الشركات على حساب تطييرنا». تتكرر المواقف على لسان المعتصمين. كلها تبحث عن أمان وظيفي وحد أدنى من الضمانات. في الطبقة الـ 13، فوق اعتصام الجباة والمياومين، اجتمع مجلس إدارة مؤسسة الكهرباء. تمنى المجلس على وزير الطاقة والمياه الطلب من وزارتي الداخلية والدفاع اتخاذ الإجراءات الأمنية الفورية لفتح كل مداخل المؤسسة والطلب «من المديرية العامة أن تحتفظ مؤسسة كهرباء لبنان بحقها في اتخاذ الإجراءات القانونية كافة تجاه أي شخص يقوم بأعمال مخلة بالأمن». ورأى المجلس أن بعض المياومين يمارسون أعمال مخلّة بالانتظام العام في المؤسسة ومعرقلة لأعمالها، ولا سيما إقفال مداخل المبنى المركزي ومعظم الدوائر التابعة له (مثالاً: رأس بعلبك، جب جنين، حاصبيا، النبطية، رياق، حلبا، سير الضنية، الخ...). وعلى بعد نحو كيلومتر من مبنى المؤسسة، اجتمعت اللجنة الفرعية في لجنة الإدارة والعدل النيابية مع لجنة تمثل المعتصمين. وقال عضو اللجنة المصغرة النائب إيلي عون لـ«الأخبار» إن اللقاء كان للاطلاع على مطالب المعتصمين، على أن يُعَدّ تقرير ويُرفَع إلى لجنة الإدارة والعدل يوم الاثنين. ويشير إلى أن جميع النواب يرون أن معظم المطالب محقة. يشرح أنه سيجري التشاور مع باسيل، على أن يُدرَج هذا الملف على طاولة لجنة الإدارة والعدل يوم الأربعاء المقبل. أحد أعضاء اللجنة الممثلة للمعتصمين، يلفت إلى أن الاعتصام مستمر اليوم، إلى أن تتحقق المطالب. ________________________________________ 1700 مياوم هو عدد المياومين الذين يمتلكون أهلية الدخول إلى ملاك المؤسسة من أصل 2500 مياوم، وذلك وفق لجنة ممثلي المعتصمين، ويطالب المعتصمون بالتعويض على من وصل إلى السن القانونية، وفق سنوات خدمتهم ________________________________________ 4 مشاريع لقضية واحدة أرسلت الحكومة مشروع قانون وضعه الوزير جبران باسيل إلى لجنة الأشغال يقضي بإدخال 700 موظف إلى ملاك المؤسسة بعد إجراء مباراة محصورة. رفضت اللجنة الاقتراح، ووافق أعضاءها على إدخال العمال والمياومين إلى الملاك. في لجنة الإدارة والعدل، تقدم النائب علي عمار بمشروع لإدخال 1400 مياوم فيبقى 1100 مياوم لمصيرهم المجهول. أما المؤسسة فكانت لها صيغتها، إدخال 700 مياوم بمباراة محصورة، و200 من حملة الشهادات بمباراة مفتوحة مع أفضلية بنسبة 15% للمياومين، و400 يبقون مياومين مع إدخالهم إلى الضمان، أما البقية فينتظرون قرار شركات مقدمي الخدمات بعد 3 أشهر من مباشرة عملها. اقتصاد العدد ١٧٠٩ الخميس ١٧ أيار